“إلى حين” ألغت الحكومة أسعار الأدوية الجديدة وشكلت لجنة لإعداد أخرى “معقولة”.. لكنها لم تتراجع عن قرار رفع الدعم بل تصحيحه

بعد تنامي السخط الشعبي من تضاعف أسعار الأدوية بنسبة 100 – 300 % أعلن وزير الصحة بحر إدريس إبو قردة الجمعة الماضية إلغاء الأسعار الجديدة وتشكل لجنة لطرح أخرى جديدة مع صدور قرار رئاسي بإقالة الأمين العام لمجلس الأدوية والسموم محمد الحسن العكد. وبرر الوزير القرارات الجديدة بأخطاء صاحبت تنفيذ قرار رفع الدعم وترتبت عليها أسعار أعلى من الأسعار المستحقة. والحال كذلك فإن الحكومة لم تتراجع عن القرار الرئيس بتحرير سعر الصرف المخصص لاستيراد الأدوية ليكون في حدود 15.8 جنيه عوضا عن 7.5 مقابل الدولار الواحد. وبالتالي لن يكون مطمئنا حديث أبو قردة أن الزيادات التي تخضع الآن للدراسة ستكون “معقولة”.
الوعيد
الوزير كشف أن القائمة التي أصدرها الأمين العام المقال أوردت أصنافاً من الأدوية يفترض أن لا ترد فيها وأن هناك أدوية ستلغى زيادة أسعارها بالمرة لتكون كما كانت عليه قبل القرارات الأخيرة وفي صدارتها الأدوية المنقذة للحياة وهي (الضغط، السكر، الشلل الرعاش، الأمراض النفسية والهمفلويا) فضلا عن إدخال أدوية أمراض القلب في ميزانية العام 2017م.
وتوعد أبو قردة بأن تطال المحاسبة أي شخص تسبب في (الربكة) التي طالت أسعار الدواء، وأشار إلى أن المجلس سيقوم بدور رقابي كبير لمراقبة الأسعار الجديدة المنتظرة، بالتعاون مع حكومات الولايات وإدارات الصيدلة، مع أهمية تكامل رقابة الدولة والمجتمع، ونفى وزير الصحة أن تكون الدولة عاجزة عن دعم الأدوية، مشيراً إلى أنها لا تزال تدعم العلاج المجاني بمبلغ (113) مليون جنيه، موضحا أن المبلغ سيرتفع إلى (150) مليون جنيه العام المقبل، مبيناً أن الدولة لا يمكن أن تدعم المستحق وغير المستحق، وقطع بأن الدولة مستمرة في دعم أكثر من (40%) من أدوية التأمين الصحي، وأن الإمدادات الطبية ستدعم نحو (50 %) من الأدوية بمبالغ كبيرة، وأفاد أن الدولة تتكفل بتغطية التأمين الصحي لـ(3.8) ملايين أسرة، وإدخال (750) ألف أسرة جديدة في الموازنة المقبلة.
تراجع تكتيكي ولكن..
ونظر بعد المهتمين إلى تراجع الحكومة الذي أعلنه بحر إدريس أبوقردة بأنه تراجع تكتيكي لتحاشي ردة فعل الشارع تجاه غلاء الأدوية، واعتبر ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي القرارات التي أعلنها وزير الصحة بحر أبو قردة في مؤتمر صحفي أمس الأول (الجمعة) مجرد محاولات لامتصاص غضب الشارع وإفشال الدعوات للعصيان المدني الذي بدأ أمس الأحد ويستمر لثلاث أيام، موضحين أن أمين عام مجلس الأدوية والسموم (كان مجرد كبش فداء) للسياسات الحكومية الأخيرة.
وفي السياق قال محمد حسن عربي المتحدث باسم حزب المؤتمر السوداني إن قرارات وزير الصحة ما هي إلا تراجع تكتيكي للنظام فيما يتعلق برفع أسعار الأدوية وذلك بالإعلان عن بعض التخفيض لعدد قليل من الأدوية مع الإبقاء على أسعار الدولار محررة في وجه بقية الأدوية، ونظر عربي لقرارات وزير الصحة بأنها جاءت لتحاشي التصاعد الكبير لحركة المقاومة الشعبية مع الإبقاء على الزيادات كما هي بالنسبة لغالب الأدوية التي يستخدمها المرضى.
الخطأ وتصحيحه
وفي المقابل، أكد ياسر يوسف وزير الدولة بالإعلام عدم تحرّج الإدارة السياسية من تدارك الأخطاء وتصحيحها، حال تثبتها من وجود خلل ما تم ارتكابه بواسطة مؤسسات الدولة، في إشارة إلى القرارات التي أصدرتها الحكومة بشأن أسعار الأدوية، وقال ياسر يوسف في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الصحة أمس الأول (الجمعة) إن الإدارة السياسية لن تتحرج من تدارك الأخطاء وتصحيحها حال تثبتها من وجود خلل ما تم ارتكابه بواسطة مؤسسات الدولة، وأكد يوسف أن قرارات وزير الصحة المتعلقة بإلغاء قائمة أسعار الأدوية التي أصدرها المجلس القومي للأدوية والسموم مؤخراً جاءت للتأكيد على أن القيادة السياسية في البلاد تحس بنبض الشارع وتتابع كل ما يدور فيه وشدّد على أن القطاع الصحي يظل واحداً من أهم القطاعات التي توليها الحكومة قدراً كبيراً من اهتمامها، باعتباره يتصل بحياة المواطنين وخدمتهم، وأوضح أن الدولة أكدت التزامها عبر الإجراءات الاقتصادية بتوسيع مظلة التأمين الصحي، بجانب رفع ميزانية العلاج المجاني والأدوية التي توفرها الدولة وفقاً لبرنامج الرئيس الانتخابي، ونبّه يوسف إلى أن المؤتمر الصحفي، عمل على امتصاص الجدل الكثيف الذي دار خلال الأيام الأخيرة في الشارع السوداني، بسبب الأخطاء التي ارتكبها مجلس الصيدلة والسموم من خلال وضعه للأسعار الأخيرة للأدوية.
وكانت سمية إدريس وزيرة الدولة بالصحة قد أكدت في حديث سابق أن قرار زيادة أسعار الدواء جاء لإنقاذ القطاع من الانهيار، وأقرت بعجز الدولة عن توفير مبلغ (400) مليون دولار للقطاع ذاته، وقالت إن الـ(10%) المخصصة للدواء من حصيلة الصادرات لم تزد عن (46) مليون دولار.
وبالمقابل قالت لجنة صيادلة السودان المركزية، وهي كيان مواز لاتحاد الصيادلة المعترف به من قبل الحكومة، إن اجتماعا لعضويتها حضره رئيس الاتحاد انتهى باتفاق مفاده العمل على إلغاء قرار تحرير سعر صرف الدولار للدواء جملةً وتفصيلاً وأكدت اللجنة في بيان لها أصدرته (الجمعة) عدم القبول بالحلول الخادعة التي حصيلتها تمرير القرار وفرضه كأمر واقع والتوعية بذلك في كل المحافل الصيدلانية والمجتمعية.
تضامن واتحاد
وأمّن اجتماع لجنة صيادلة السودان المركزية مع اتحاد الصيادلة على وقوف الصيادلة خلف الاتحاد إذا كان ذلك سيقود لحل الأزمة وإعادة سعر صرف الدولار للدواء لسابق عهده مطالبا بموقف واضح يتخذه الاتحاد في حال قوبل مسعاه بالرفض، وتم تسمية لجنة ثلاثة للمتابعة مع الاتحاد بسقف زمني محدد.
وطبقا للبيان تم تكوين لجنة صيادلة السودان المركزية ومهمتها الأولى مناهضة قرار إلغاء قرار تحرير سعر صرف الدولار للدواء والتنسيق مع كل قطاعات المهنة وممثليها حول الأمر وتكوين فرعيات لها بكل ولايات السودان، وتم عرض الإضراب كوسيلة للاحتجاج وإلغاء القرار على أن يستكمل النقاش مع كل الصيادلة بشأن الوسائل الأخرى التي يجب اعتمادها.
قرار المركزي
وكان بنك السودان المركزي، أكد في وقت سابق إلغاء نسبة الــ(10%) من عائدات حاصل الصادرات غير البترولية المخصصة لاستيراد الدواء، لجهة أن الممارسة السابقة بينت أن السعر المدعوم للأدوية لا يستفيد منه المواطن، وقال البنك إن هذا الأمر ظهر من خلال بعض الممارسات التي تقوم بها بعض الجهات العاملة في مجال الدواء، مؤكدا أن الدولة ستواصل سياستها في أن يصل الدعم المباشر للقطاعات المستهدفة من خلال الاستمرار في التأمين الصحي وتوفير الأدوية المدرجة تحت مظلته، وتوقع الاستمرار في الاستيراد بكافة طرق الدفع لتوفير الأدوية بكل أنواعها، وبأسعار تقل من الأسعار السارية، ما يتيح استمرارية الوفرة لجميع أنواع الأدوية وانخفاض أسعارها، وشدد بنك السودان على أنه سيقتصر تمويل الأدوية، ليكون مباشرة من الشركات المستوردة ومصانع الأدوية المحلية للصيدليات من الفئة (B) ولكن بعد ارتفاع وتيرة مطالبة الصيادلة بعدم تحرير سعر صرف دولار الدواء، وإعلان وزير الصحة الاتحادي القاضي بإلغاء قائمة أسعار الأدوية الجديدة، وإعفاء الأمين العام لمجلس الأدوية والسموم من منصبه ربما تعيد القرارات الأمور إلى نصابها وتعجل بامتصاص غضب الشارع الذي بدأ يتنامى ويزداد رويدا رويدا، ولكن إلى أن تصبح هذه القرارات واقعية فإنها ربما تظل في نظر المواطن “تكتيكية” .

اليوم التالي

Exit mobile version