* رحلت سكينة شقيقة الشاعر الكبير كامل عبد الماجد، فرحلت معها سكينة اشتهر بها قلب الشاعر الكبير، لقد عرفت (سيد الاسم) على مدى سنوات بعيدة إلا أنني لم أره حزيناً كما رأيته هذه الأيام، نظرة شاردة من لا تعلم إلى أين تنظر، وغيمة من الحزن الكبير استولت على مشاعره، فأدت إلى فتح جراح أضيفت إلى جراح قديمة، كانت سكينة طالما أحبها كامل سحابة تظلل ولمسة تشفي وحمامة بيضاء تحلق أمام عينيه أين ما أتجه، عليها الرحمة كلما سبح الكروان فجراً أو تفتحت وردة على أضواء القبة الخضراء.
* أثناء زيارة قام بها الشاعر صلاح أحمد إبراهيم لأحد أصدقائه في إحدى الولايات الأمريكية، أصر عليه عدد من الطلاب السودانيين المقيمين هناك أن يلبي دعوتهم في إقامة أمسية شعرية يحضرها عدد من المهتمين بالشعر السوداني من مختلف الجنسيات، جاء وعد الأمسية فوقف صلاح على خشبة المسرح ليقرأ عليهم مقاطع من قصيدته (دوريان قراي) فصمت الجميع، وهم يستمعون إليه يحلق، وحين انتهت الأمسية سألته طالبة أمريكية انبهرت به من أين جئت بهذا الجمال؟.. فقال لها من مدينة مرهقة العيون اسمها أم درمان.
* قبل أعوام قرأت عموداً كان يكتبه الرائع السر أحمد قدور تحت عنوان (أساتذة وتلاميذ)، أشار فيه إلى أن الشاعر الضخم محمد المهدي المجذوب، قال له إن المقطع الذي أقول فيه في قصيدتي عصافير الخريف (ورجعت خليت الدموع يرتاحو مني وينزلو)، هو مقطع فيه من الإبداع ما يجعلني أؤكد أن هذا الشاعر الذي كتب هذه الكلمات، سيكون له شأن عظيم في مسار الأغنية السودانية، وأنا أصدقكم القول أن هذه العبارة التي نطق بها المجذوب للسر قدور، منحتني من القوة ما جعلتني أبتسم أمام كل نقد يوجه لي، سواء أكان شامة على الخد أو عتمة على العيون.
* للمرة الألف وأنا أكتب حول العشرات من الأغنيات الداعية للهبوط في مجتمعنا المؤسس على فضيلة الإيمان، ولا أحد يسمعني كأنني أتحدث تحت حالة من برودة تصل إلى الأقل من الصفر، ذهبت قبل أيام الى حفل عرس لأحد الأصدقاء ففوجئت بفنان لا أعرف له اسما يتمايل على المسرح، وهو يقدم عدداً من الأغنيات الهابطة، من بينها أغنية يقول مقطع منها (أضربني بمسدسك) فخفت على نفسي أن تصيبني رصاصة طائشة من الحفل فأموت شهيداً لأغنيات كتبتها.
* زارني شاعر البحر القديم الراحل مصطفى سند في منزلي بقرية الختمية بكسلا، يصحبه عدد من الزملاء من بينهم الشاعران مختار دفع الله، وعبد الوهاب هلاوي، وبعد أن تناولنا كوب ماء بارد من نبع توتيل، توجه نحوي طالباً مني أن أسمح له برؤية (العنبة الرامية فوق بيتنا)، فقلت له قد رحلت (العنبة) عن منزلنا منذ أمد بعيد، فابتسم قائلاً: لكني لا أرى على وجهك حزناً عليها ؟ فقلت له: ولماذا أحزن والعنبة قد إختارت أن تعيش في بلد غير كسلا!!
قال لي أحدهم: في قلب كلٍ منا أمنية مستحيلة التحقق، وأضاف يسألني: هل يمكن أن تحدثني عن أمنية لك مستحيلة؟ قلت له: أمنيتي المستحيلة هي أن أجد من حولي عيوناً تحن إلى رؤيتي كما أحن لها، وأن تعود لي أيام البراءة الأولى في الحبيبة كسلا، لهفي على هذه الأيام التي تحولت إلى مجرد أوراق صفراء تتناثر من حولي على صحراء من شجن قديم.
هدية البستان:
ما غلط ورد الجناين لو سمح للعين تعاين
نظرة ما نظرة كماين فيها عز الريدة باين
وفيها حنية قلب وما غلط إنك تحب
لو.أن – اسحاق الحلنقي
صحيفة آخر لحظة