يرى رجل الشارع البسيط أن أولى إجراءات الإصلاح الاقتصادي الذي تلهث وراءه الدولة منذ العام 2011م ـ من دون أن تحصله ـ يبتدر بخفض الإنفاق الحكومي الضخم، لا بوضع أعباء جديدة تنضاف على كاهل الأهالي المثقل بالمشكلات.
وفي محاولة لامتصاص السخط الشعبي وحالة الغلاء المتفاحشة، قطعت المالية بأن الزيادات المقررة في بند المرتبات (20%) لن تشمل السادة الدستوريين، ومن ثم وبعيد أيام من القرار الأول، أوصى البرلمان بخفض مرتبات الدستوريين الحالية بنسبة 25%.
وكانت الحكومة السودانية أقرت حزمة اقتصادية جديدة بموجبها تم تحريك الدولار الجمركي من (6 ـــ 15.9) جنيه، وتبعها رفع الدولة يدها عن دعم سلع أساسية كالمحروقات والكهرباء والدواء.
وأدى انفصال جنوب السودان في العام 2011م بثلثي إنتاج البلاد النفطي، وتواصل حالة الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد، أدى إلى أزمات اقتصادية خانقة، لم تفلح معها البرامج التي تبنتها الدولة وصولاً إلى حالة استقرار اقتصادي.
وأكد وزراء المالية غير ما مرة أن الإجراءات الاقتصادية تهدف إلى تشجيع الصادرات وخفض الواردات، وجذب الاستثمارات، وزيادة حجم الكتلة النقدية من رأس المال الأجنبي، في ظل تهديدات غليظة بمواصلة دعم الشرائح الضعيفة.
لكن في الواقع، يستيقظ السوداني بصورة يومية على وقع زيادات جديدة في أسعار السلع الأساسية، وتراجع لمدخراته بالعملة المحلية متي قورنت بالعملات الأجنبية. ويعبر كثير من الأهالي عن سخطهم مما يقولون إنه تبلد شعور المسؤولين حيال أزماتهم، ومما يكثر قوله في هذه الصدد: (لو بلغ سعر رغيفة الخبز جنيهاً فذلك لن يؤثر على اقتصاديات المسؤولين في شيء).
وبالتالي لا تعدو خطوة البرلمان الداعية إلى خفض مرتبات الدستوريين بنسبة 25%، وخفض العربات الممنوحة للدستوريين وحصص وقودها بنسبة 50%، مع تقليل السفر الخارجي؛ من كونها إرسال رسالة في بريد المواطن بأن قادته إلى جواره في السراء والضراء.
بيد أن خطوة البرلمان تجاه الدستوريين، تقابل بتخوفات من فتح باب نوافذ صرف جديدة، حيث تجري في أروقة البرلمان مناقشات لزيادة نواب الهيئة التشريعية (المجلس الوطني، مجلس الولايات) البالغ عددهم حالياً زهاء (480) نائباً، لاستيعاب الملتحقين بعملية الحوار الوطني التي دعا لها الرئيس عمر البشير.
ويتبنى الخبير السابق بصندوق النقد الدولي، د. التجانى الطيب، وجهة نظر تذهب إلى خفض أعداد الدستوريين انفسهم، وينوه إلى أن خطوة كحصر الدستوريين في (20) فقط عوضاً عن (120) دستورياً بالتقريب في المركز والولايات، من شانها أن توفر لخزينة الدولة حوالي ملياري جنيه، يمكن توظيفها في معالجة التشوهات الاقتصادية وفك الضوائق المعيشية.
بيد أن القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، د. أمين حسن عمر، يرى في خفض أعداد الدستوريين أمراً غير ذي بال على مجمل الاقتصاد السوداني.
ونوه عمر المعروف بآرائه الصريحة المقاربة للحدة، إلى أن تسريح (30) وزيراً لن يقلل الإنفاق ولو بنسبة واحد على عشرة آلاف (طبقاً لما ورد في حواره مع الزميلة السوداني)، ويزيد بأن أوضاع الموظفين في الدولة أفضل مما هي عليه أوضاع الدستوريين.
وفي سياق ذي صلة، قال الرئيس البشير في حوار تلفزيوني، إن راتبه لا يكفيه مؤونة الشهر، وأنه يعتمد بشكل كبير على عوائد مزرعته الخاصة في منطقة السليت شرقي الخرطوم لتسيير معاشه اليومي.
وبحسب رئيس البرلمان بروفيسور إبراهيم أحمد عمر، والذي يندرج بحكم منصبه في زمرة الدستوريين، يبلغ راتبه الشهري حوالي (16.850) جنيهاً تنضاف إليها حوالي (37) ألف جنيه، عبارة عن بدلات تدفع سنوياً.
ويصف النائب البرلماني عن الحزب الاتحادي الديمقراطي، أحمد الطيب المكابرابي، توصية البرلمان بخفض مرتبات الدستوريين، بأنها خطوة تصب في الاتجاه الصحيح، وقال: (يجب مراجعة وضبط الصرف والمخصصات الحكومية).
ولكن مع ثنائه على توصية البرلمان، يرى المكابرابي أن مشكلة الاقتصاد السوداني أكبر بكثير، وفي حاجة إلى جملة من القرارات القوية والحازمة، حدْ أن توصية البرلمان وحال تنزلت في ظل هذه الأوضاع الشائكة لا تمثل سوى رسالة لنزع فتيل الغبن والاحتقان في الشارع العام).
ومهما يكن من أمر، فإن خفض الإنفاق الدستوري لهو مسألة مهمة، ولكن من الضروري جداً أن تستتبعها خطوات أكبر، وبالتالي لنعتبرها الخطوة الأولى في مشوار الأميال الألف.
الخرطوم: مقداد خالد
صحيفة الصيحة