فجرت سلمى حسين، الخبيرة الاقتصادية، والباحثة بـ “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، مفاجأة من العيار الثقيل، بشأن حجم الدولارات التي خرجت من مصر خلال السنوات القليلة الماضية مقارنة بالمساعدات الدولارية التي تدفقت إلى البلاد.
وقالت حسين- وهي صحفية متخصصة في الاقتصاد وشغلت منصب رئيسة قسم الاقتصاد بـ “ا?هرام إبدو”- إن حجم ما خرج من الدولارات من مصر خلال فترة ما بعد ثورة 25يناير 2011 بلغ ثلاثة أضعاف المبالغ الكبيرة التي تدفقت إلى مصر، وهو ما لا يعترف به المسئولين حتى الآن.
وأضافت في مقال نشرته صحيفة “الشروق” تحت عنوان “التعويم فيه إنَّ” :”جزء مهم من تفسير ما حدث، ولم يعترف به أحد من المسئولين، هو أن ما خرج من الدولارات من مصر خلال فترة ما بعد الثورة، بلغ ثلاثة أضعاف المبالغ الكبيرة التى تدفقت إلى مصر”.
وأوضحت أنه “من أجل تأمين ذلك الهروب الكبير لتلك الدولارات، استُنزِفَت كل الاحتياطيات الدولية. واقترضت مصر قروضًا خارجية تعجز عن سدادها اليوم. وسوف تعجز غدًا وبعد غد، ما لم يتم علاج الثقب المتسع الذى يسمح بخروج رءوس الأموال”.
ومضت قائلة: “ولأن الأسهل هو لوم مناخ الاستثمار بخطاب مطاط مغلوط، جرت الحكومات المتعاقبة، مدفوعة بلوبيهات المستثمرين إلى صياغة قوانين استثمار وتصالح تتساهل مع الفساد، ولا تعالج مشكلات الاستثمار، ولا تعطى الحوافز المناسبة.
وكان ما كان”. واستطردت: “مع أن أى قراءة دقيقة للبيانات توضح سبلا لعلاج ما سمى بأزمة نقص الدولارات.. بشكل عام، تعتبر مصر من أكثر دول العالم حرية فيما يتعلق بحركة رءوس الأموال، وفقا لموقع صندوق النقد الدولي”.
ولفتت إلى أن الدولارات تخرج من مصر “لأسباب لها علاقة بالتحولات السياسية الكبيرة التى شهدتها. منها ما له علاقة بفساد ارتبط بنظام معين قد رحل، ومنها ما يرحل ضغطا على نظام آت، أملا فى مكاسب خاصة، أو خوفا من مغبة آثار عدم الاستقرار”.
وكشفت عن أن “أحد عشر مليارًا (دولار) خرجت بلا شفافية ولا ضرائب،.. تخرج الدولارات مثلا فى شكل تحويلات أرباح. فعادة ما تفضل الشركات العالمية إعادة أرباحها إلى بلدها الأم. وأخيرا بدأت البنوك، تحت وطأة الأزمة فى عدم توفير النقد الأجنبى لذلك الغرض”.
وواصلت: “فى أحاديث الغرف المغلقة، يقول ممثلو الحكومة لمسئولى الشركات أن ما حولوه إلى بلادهم عبر السنين يفوق ما استثمروه فى مصر، إلا أنه لا قرار معلنا وشفافا للجميع عن سياسات لتحجيم هذه الظاهرة. وهو ما يفتح أبواب المحسوبية فى التطبيق. وإجمالا، خرج خلال العام الأخير، فى عز الأزمة وتضييق البنوك خمسة مليار دولار”.
وتابعت: “على العكس من مصر، توجد حول العالم وصفات مختلفة. مثلا السعودية والصين تشترطان أن تبلغ حصة الشريك المحلى 50% على الأقل من أى شركة (الأولى هى الأكثر جذبا للاستثمارات فى الشرق الأوسط والثانية هى ضمن الأكبر على مستوى العالم). أو هناك مثال الجزائر، حيث ينص قانون الاستثمار على بقاء نصف الأرباح لإعادة استثمارها فى نفس البلد”.
وأشارت إلى أنه “توجد أيضًا سياسات أكثر ليبرالية للحد من الظاهرة: أن تتمتع الشركات الدولية بحوافز لتبقى بعضا من تلك الأرباح فى فرعها المحلى مثل إعفاءات ضريبية إذا ما أعادت استثمار نصف تلك الأرباح، ولكن حكومات مصر لم تلجأ لأى من تلك القيود أو الحوافز، ولو بشكل مؤقت، حتى تستقر الأوضاع السياسية”.
وكشفت أنه “خرج في العام الأزمة الأخير ستة مليار دولار مثلا، قد تخرج في شكل صفقات استحواذ مربحة لأصحاب تلك المشروعات، وتستلزم موافقة الجهات الرقابية المالية فإذا كان الخروج خوفا من عدم الاستقرار السياسي، يمكن للحكومة أن تتفاوض مع الشركة لطمأنتها ويمكن للجهات الرقابية تجميد الصفقة بسبب عدم ملاءمة التوقيت.
وتابعت: “كما يمكن للحكومة أن تحد من آثار الخروج عن طريق فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية الناتجة عن تنفيذ الصفقة وهى ضريبة موجودة فى كل الدول الرأسمالية الغنية التى تتمتع بحرية حركة رءوس الأموال ولكن حكومات مصر، لم تلجأ إلى أى من تلك الإجراءات المشروعة تماما، خاصة فى أوقات الاضطرابات السياسية”.
وذكرت أيضًا أن “هناك خروج الأموال الساخنة وهى أموال تغتنم فرصة ربح سريع من خلال سوق المال المصرى، وتخرج محملة بأرباحها سريعا، بحثا عن فرصة أخرى فى بلد آخر، وقد صار صندوق النقد الدولى مؤيدا لفرض قيود على هذا النوع من الاستثمارات، لثبات ضرره على البلاد، خصوصا تلك التى تعانى من أزمة اقتصادية، ومن تدهور قيمة عملتها”.
وتابعت: “على الرغم من أن مصر بعد التعويم فى خضم أزمة من هذا النوع، مدفوعة برفع مبالغ فيه لسعر الفائدة على أذون الخزانة (بحسب توصيات الصندوق)، فإن الحكومة وبنوك الاستثمار تفخر بتكالب هؤلاء المضاربين على السوق المصرية، غير مبالية بالضغط على الدولار كما كان هذا هو أحد أشكال التهريب الذى اتخذته مليارات الدولارات من أتباع نظام مبارك فور قيام ثورة تونس، تحسبا لأن تقوم الثورة فى مصر، ولكن أيا من حكومات مصر لم تطلب ولا الصندوق اشترط فرض الضرائب على خروج الأموال الساخنة لتفادى تخفيف الأزمة”.
أما تزوير الفواتير الخاصة بالتصدير والاستيراد، فاعتبرته “شكلاً آخر من أشكال تهريب الأموال بطرق غير مشروعة، خرج من مصر ما يقرب من ثمانية مليارات دولار تحت هذا البند خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الثورة، وفقا لتقديرات التقرير العالمى “تدفقات الأموال غير المشروعة”، والمعترف به من قبل البنك الدولى، وترتبط هذه الظاهرة وغيرها من أشكال الفساد بالشركات الدولية وبظاهرة الشركات المنشأة فى ملاذات ضريبية.
وكشفت عن أن “ما خرج فى شكل أموال غير مشروعة فى مصر عام 2015/2016 فقط قد يصل إلى 4 مليار دولار، رصدها البنك المركزى فى بند السهو والخطأ، وهو مبلغ إذا ما لم يخرج، لما احتجنا ما أخذناه فى العام الحالى من البنك والصندوق مجتمعين”.
بوابة القاهرة