«عندما يؤدي دوره على الخشبة في مسرحية (الوريث) فإنه يخطف أنظار الحضور بأدائه القوي وعينيه الحادتين»، هي الجملة التي نشرتها إحدى الصحف الفرنسية في تقرير لها حول مشاركة الفنان جميل راتب في مسرحية «الوريث»، وهو أمرٌ يعتبر نادر الحدوث في أن يتمتع ممثل عربي بهذا الاهتمام في الأوساط العالمية.
الغريب هو أن جميل راتب بدأ رحلته الفنية من باريس واستمر لـ28 عامًا هناك، ثم أكمل مشواره في مصر، وهو عكس جميع الممثلين المصريين الذين يلتمسون طريق الشهرة من الداخل، ثم تنتقل مجموعة ضئيلة منهم إلى العالمية، مثل عمر الشريف وخالد النبوي وعمرو واكد.
ظروف «جميل» وحياته في العاصمة الفرنسية رواها كاملةً في برنامج «صاحبة السعادة»، وخلال اللقاء أوضح أنه سافر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ما ساعده على دخول الوسط الفني لأن الاهتمام بالنشاط الفني والأدبي ازداد في تلك الفترة.
يروي «جميل» عن بداياته: «سنة 45 كنت طالب في جامعة الحقوق الفرنسية في مصر، وسافرت فرنسا بعد كده»، وكان هدف السفر كما أرادت أسرته هو دراسة الحقوق والسياسة فحسب «القرار في العيلة إني ما أعملش التمثيل خالص، يعني كان بالنسبالهم عيب»، إلا أنه خالف ما أمروه به «الحقيقة رحت مدرسة السياسة يوم واحد، ودخلت معهد التمثيل، بس كان معهد خاص».
وبدأ «جميل» عمله كممثل في باريس، وفور علم أسرته بالأمر قطعوا عنه مصروفاته المالية، وهو ما دفعه للعمل بجانب دراسته في المعهد «اضطريت أشتغل كومبارس، وأشتغل مترجم أحيانًا، وفي القهوة جرسون، وشيال في سوق الخضار»، موضحًا أن دخوله هذه المجالات سمح له بالتعرف على أناس لم يكن يتعامل معهم في حياته العادية.
يقول «جميل» عن هذه الظروف إنها أثرت عليه كثيرًا وتعلم منها درسًا عظيمًا، كما بدأ يهتم بالشأن السياسي لأنه شعر بوجود طبقات في المجتمع مرفوضة ومنسية، وتابع: «الحقيقة مكنش عندي ثقافة سياسية خالص، لكن قابلت ناس هناك بيجاهدوا».
يسعى «جميل» إلى اقتحام الفن الفرنسي بقوة، ما دفعه للتدرج بشكل ثابت حتى يصل إلى ما يصبو إليه: «اشتركت في فرق متواضعة جدًا بتشتغل في مسارح متواضعة جدًا، لحد ما تمكنت من أحسّن في أدائي، وشوية بشوية دخلت في أدوار مهمة جدًا في فرق كبيرة جدًا، وبقيت ممثل مسرحي يؤدي أدوار رئيسية في أعمال عالية».
أوضح «جميل» أنه شارك في مسرحيات عالمية في باريس، منها 5 أعمال لـ«شيكسبير»، وأعمال أخرى لكلٍ من «راسين»، و«كورناي»، و«موليير»، وشارك مع فرقة «كوميدي فرانسيس» الشهيرة في بعض العروض، وأضاف: «أول مرة لما شفت اسمي على أفيش في فرنسا كان يوم كبير بالنسبالي».
مع بداية الخمسينيات كان سليمان بك نجيب مديرًا لدار الأوبرا المصرية، ويطلب حضور الفرق المسرحية من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا لتقديم عروض في مصر، حينها سأل عن «جميل» واستفسر عن مستواه الفني، وبعد أن سمع رد فعل إيجابيا عنه تمنى أن يأتي ضمن المجموعة القادمة.
وبالفعل أتى «جميل» إلى مصر عام 1952 مع إحدى الفرق الفرنسية لتقديم عرض مسرحي، وكان يؤدي دورًا أساسيًا كذلك، وكشف عن تلك الفترة: «الفرقة مثلت في مصر ولبنان وسوريا وتركيا وإيطاليا، وكانت فرصة ليا إني أمثل قدام جمهور واسع في أدوار كبيرة، وكملت تمثيل مع كبار المخرجين والممثلين ودايمًا في أدوار رئيسية».
بعيدًا عن المسرح شارك «جميل» في السينما بأدوار ثانوية وفق روايته، وكانت البداية من فيلم أمريكي أدّاه في باريس باسم «ترابيز» عام 1956، بعدها قدم 5 أعمال أخرى كان أبرزها «لورانس العرب» مع الفنان الراحل عمر الشريف، ويقول عنه: «كانت فرصة كبيرة جدًا إن اسمي يكون موجود في الكاست، ده فتحلي أبواب في السينما الفرنسية».
في عام 1974 اضطر «جميل» إلى العودة لمصر لإنهاء بعض الأمور العائلية، وحصل على عطلة 6 أشهر من عمله في باريس، ومع وصوله كان الراحل كرم مطاوع سببًا في دخوله العالم الفني المصري: «كرم مطاوع عرض عليا دور رئيس في مسرحية دنيا البيانولا».
عن تلك الفترة يقول «جميل»: «كنت بشتغل بين مصر وفرنسا، بس ده خلاني في الأعمال التليفزيونية الجمهور العربي يتعرفوا عليا واكتسب شعبية»، وهذه الظروف دفعته إلى ترك بصمة كبيرة في الفن العالمي، بوصول مجمل أعماله في فرنسا إلى 75، منها 15 لأعمال أمريكية وإيطالية وغيرهما.
السمعة الطيبة لـ«جميل» في الفن العالمي دفعت كلًا من تونس والمغرب والجزائر لأن يطلبوه للعمل في بعض الأفلام في تسعينيات القرن الماضي، منها أفلام «كش ملك»، و«شيشخان»، و«ليلة القدر»، وكذلك تكريمه من «معهد العالم العربي» في باريس.
المصري لايت