يأخذ الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، على جنرالات جيش الولايات المتحدة أنهم في حرب الموصل التي يقودونها من الخلف، تجاهلوا مبدأ أساسياً في استراتيجيات الحرب التقليدية، وهو “عنصر المفاجأة”. وخلال الحملة الانتخابية، جعل ترامب من إعلان القيادة العسكرية الأميركية مسبقاً، قبل أشهر عدة، عن نية التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بشن هجوم على معقل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في الموصل، فقرة ثابتة في خطاباته. وأخذ يكرر الحديث عن هذا الإعلان بطريقة لا تخلو من السخرية، بهدف إضحاك جمهوره وتخفيف ثقل السياسة على أنصاره من الشباب والعمال وأبناء الأرياف من الأميركيين البيض.
استراتيجية “عنصر المفاجأة” التي تعلمها نجم تلفزيون الواقع من قراءاته ومشاهداته عن الحروب العسكرية الكبرى، أكسبته حتى الآن، كل المعارك التي خاضها منذ إطلاق حملته الانتخابية. وبعد فوزه بالرئاسة، تعزز أكثر دور عنصر المفاجأة في سلوكه السياسي وفي إدارته للمرحلة الانتقالية، ومنها تشكيل فريق إدارته وتسمية المرشحين الذين سيرافقونه إلى البيت الأبيض.
وجاءت التعيينات الأخيرة التي أعلنها الرئيس المنتخب متناسقة تماماً مع أهداف حملته الانتخابية والشعارات التي رفعها في الأشهر الماضية. لكنه اعتمد تكتيك المفاجأة والمناورة السياسية في التقديم لها ربما لامتصاص الحركة الاحتجاجية “الديمقراطية” على انتخابه، والتي أعقبت مفاجأة فوزه في الانتخابات. وكان هدفه التكتيكي أيضاً يتمثل في تجنب عداوة خصومه المتربصين به في “الإستبلشمنت” الجمهوري.
ومباشرة بعد خطاب النصر الذي قال فيه إنه سيكون رئيساً لكل الأميركيين، ممن انتخبه وممن لم ينتخبه، عيّن ترامب رمز اليمين الأميركي المتطرف، ستيفن بانون، مستشاراً استراتيجياً في البيت الأبيض. وفي مبادرة تهدف إلى تهدئة الانتقادات على التعيين الذي استفز الأقليات، بدأ سلسلة اجتماعات ولقاءات مع أبرز خصومه في الحزب الجمهوري. هكذا أوحى من جديد أن لديه النية بتشكيل فريق حكم توافقي.
لكن المفاجأة كانت بتعيين ثلاثة صقور من معسكره، هم: الجنرال الأميركي مايك فلين مستشاراً للأمن القومي، والنائب الجمهوري مايك بومبايو مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، والسناتور جف سيشن وزيراً للعدل. والثلاثة يمثلون وجهة النظر المتشددة إزاء الإسلام الراديكالي، والاتفاق النووي الإيراني، والمهاجرين غير الشرعيين من أميركا اللاتينية.
أربعة تعيينات من أصل خمسة هي “ترامبية” بامتياز. أما الشخصية الخامسة فأتت كإرضاء للجمهوريين، إذا تم التسليم بأن الأمين العام للحزب الجمهوري، رينيس بريبوس، الذي عينه الرئيس المنتخب مديراً للموظفين في البيت الأبيض هو حقاً ابن “الإستبلشمنت” وحليف أخصام ترامب السابقين. فضلاً عن ذلك، فإن لوظيفة بريبوس طابعاً إدارياً وليس سياسياً، إذ تتعلق بتنظيم الجدول اليومي لنشاط الرئيس.
تقوم العقيدة السياسية للرئيس الاميركي المنتخب على مبدأ اقتصادي أساسي، هو الربح والخسارة بالمفهوم الرأسمالي. ولا يخفى أنه اكتسب هذا المذهب في الحياة من خبرة رجل الأعمال الذي يسعى دائماً إلى مراكمة مزيد من الأرباح. ولأن ثقافة الربح وجمع الأموال هي جزء من المجتمع الرأسمالي، يعد ترامب الأميركيين بالربح الدائم والانتصارات المستمرة. يعدهم بالوظائف والازدهار الاقتصادي وبأن بلادهم ستربح مجدداً “وتعود عظيمة”، كما كانت، وأنه هو رجل الأعمال الناجح الوحيد القادر على الربح وجعل أميركا تربح مجدداً.
ونجحت استراتيجيته في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. وتغلب تباعاً على 17 مرشحاً جمهورياً للانتخابات الرئاسية. ونجح الأمر أيضاً في معركته مع مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون. وحصلت كلينتون على تأييد شعبي أكبر، لكن ترامب هو من ربح الانتخابات. وتدل جميع المؤشرات على أن ترامب سيمضي في الاستراتيجية نفسها بعد وصوله إلى البيت الأبيض، طالما أنها استراتيجية رابحة. والخطاب الانتخابي الذي كانت وظيفته السابقة التعبئة والحشد الجماهيري من أجل الفوز في يوم الاقتراع، بدأ يأخذ طريقه إلى التنفيذ والتحول إلى سياسات حكومية ملموسة، مدعومة من الغالبية الجمهورية في الكونغرس. هذا ما سيحصل وفق المعطيات الراهنة، إلا إذا اختارت مفاجآت ترامب مساراً آخر، تصعب معرفة من سيكون الرابح فيه.
الجديد