ذهبت بعد صلاة المغرب أبحث عن دواء راتب – صندوقه به عشر حبات وسعره 51 جنيه. استغربت عندما وجدت الصيدلية التي تفتح 24 ساعة مغلقة. ذهبت لأخرى فأخبروني أنه غير موجود. سألت البائعة هل تمت زيادة الأسعار فقالت لا. يوم الأحد القادم, ذهبت لصيدلية ثالثة فقيل لي موجود وكان فعلا موجودا بكميات كبيرة. فرحت فزيادة الأسعار يوم الأحد القادم. أخرجت 51 جنيه فقالت البائعة سعره الآن 122 جنيه. قلت لكن زيادة الأسعار يوم الأحد القادم. قالت صاحب الصيدلية أمرنا أن تبدأ اليوم. قلت حتى إن سلمنا بذلك لماذا تضعون السعر الجديد على بضاعة قديمة حصلتم عليها بنظام الدعم السابق. قالت الجميع يفعل ذلك ويبرره بأنهم سيشترون البضاعة الجديدة بالسعر الجديد وهم يحتاجون لمال إضافي ليتمكنوا من دفع السعر الجديد. قلت بمعنى آخر أنتم تريدون أن يشارك المرضى في تحمل رأس مال جديد لصيدلية هم ليسوا من بين ملاكها. هل عندما تأسست هذه الصيدلية طالب صاحبها المرضى أن يشاركوا في رأس مالها؟ هل سمعت بقصة السيدة البريطانية العجوز في محطة بادنغتون للمترو بلندن التي كانت تبيع قطع شيكولاتة بسعر 18 بنس للقطعة – قصتها التي نشرها سوداني في الصحافة السودانية – سوداني يعيش في لندن؟ قالت لا. قلت كان قد تعود أن يشترى منها قطعة كل صباح قبل أن يركب القطار في طريقه لعمله. وفي ذات مرة لحظ أنها عرضت بعض الشيكولاتة بالسعر القديم 18 بنس وبجانبها بعض أخر بسعر 20 بنس. سألها هل الشيكولاتة ذات السعر الأعلى أفضل؟ أجابت لا ، فقط المنتجون في غرب إفريقيا رفعوا سعر الجملة فأصبح سعر البضاعة الجديدة بواقع 20 بنس للقطعة الجديدة. قال لها السوداني لماذا لا تجمعي القديم والجديد معا وتبيعي الجميع ب 20 بنس ؟ إحمر وجه السيدة البريطانية وارتجف جسمها واقتربت منه وسألته: هل أنت لص؟ هل فهمت مغزى هذه القصة؟ قالت نعم لكن صاحب الصيدلية أمرنا بذلك وقال لنا الجميع يفعل ذلك وعندما أبديت إستيائي قال لي يمكنك أن تتركي العمل هنا ؟ قلت ولماذا لم تفعلي؟ قالت والدتي مريضة وتعتمد علي … قلت ولكنك الآن تشاركين في عمل لا يرضي الله. قالت أعلم ولكني أرجو أن يغفر الله لي بسبب ظرفي الذي شرحته لك. قلت أرجو ذلك فهو غفور رحيم. دفعت 122 جنيه فأنا مضطر … زيادة 71 جنيه على دواء كان سعره بالأمس 51 جنيه. زيادة 139% . استدرت لأذهب. سارعت فقالت لي :لكننا لسنا وحدنا الملومين. عرفت ماذا تقصد. قلت لها كيفما تكونوا يولى عليكم. ذهبت وفي النفس أسى وحسرة على مجتمع بأكمله ضاع. حسبنا الله ونعم الوكيل.
بروفيسور.
عبدالملك محمد عبدالرحمن،
المدير الأسبق جامعة الخرطوم.