يتجاوز أحمد حلمى الرهان على اللحظة الراهنة، فهو يحمل بداخله بوصلة يستطيع من خلالها أن يتطلع للغد، يستشرف مفرداته المغايرة، لا تسكره الأرقام التي يحققها، وليس معنى ذلك أنه لا يعمل لها ألف حساب، يتأملها بدقة وبعدها يحدد خطوته التالية، لا يعتبر نفسه في سباق حواجز رقمى يصعد به من فيلم إلى آخر، فهو يبحث في كل مرة عن شيئين: الاختلاف والإضافة، وبعدها يقرر أن يشارك أو يعتذر، يتمنى بالطبع أن يتواصل مع الجمهور من خلال أرقام الشباك وما تسفر عنه، ولكن لا تخنقه الإيرادات ولا يُصاب بـ«فوبيا» الخوف من خذلانها، قد يخفق بالطبع في الاختيار، ولكنه لم يُحمّل أبداً الآخرين وزر الإخفاق، فهو دائما يقف في أول الصف لو فشل، وفى آخر الصف لو اقتنص النجاح.
قلة من الفنانين لديهم قدرة على استيعاب حق الاختلاف، أغلب نجومنا دائما ما تنشط بداخلهم أحاسيس النجومية المفرطة ويعتقدون أنهم فقط علامة الجودة وأن إبداعهم هو الذي يستحق درجة الامتياز ومرتبة الشرف من الدرجة الأولى، بينما «أحمد حلمى» أراه دائما ينصت أكثر مما يتكلم، ويراجع موقفه الشخصى والفنى والفكرى ولا يجد أدنى حرج في الاعتراف بالخطأ.
وفي هذا الحوار، يكشف لنا النجم أحمد حلمي أسرار حياته منذ البدايات وحتى النجومية، ليصبح وكما يحب الناس أن يلقبوه «البرنس»، حتى أن الممثل الشاب أمير صلاح الدين، تغنى له بنفس الصفة في فيلم «ألف مبروك» قائلا عنه: «برنس الليالي» مضيفا لها: «رمانة الميزان».
ألم تمارس التمثيل في المدرسة؟
إطلاقاً.. لكن كان ممكن أقول إيفيهات في العائلة.. لا شيء أكثر من ذلك.. ثم دخلنا شارع أكاديمية الفنون وقلت أنا أريد أن أكون هنا.. وإلتحقت بقسم الديكور.. وأحد أصدقائي قال لي إذهب إحضر مسرحية وكانت وقتها «وجهة نظر» لمحمد صبحي. وبعد ذلك إشتريت الكتب وكان متقدم 2800 لقسم الديكور وكانوا طالبين 18 فقط وقد كان ،وكنت التاسع !!.
■ متأكد بلا واسطة؟
إطلاقاً.. وكنت متفوق في المعهد في الرسم لكن المواد النظري لم أكن بالقدر الكافي وكانوا في المعهد يقولون لي «شد حيلك» لأنك ممكن تصبح معيد ولكن هذه لم تكن إهتماماتي أنا أحب الفن.. وأصبحت عايش داخل المعهد وشقتي مع جورج وأنا لا أخرج من المعهد أوقات نعمل وأوقات نضحك فنقضي معظم أوقاتنا هناك.. ورأيت عالم التمثيل ودراسة الدراما والقراءة وظللت أشرب منه حتى السنة الرابعة.. وكان مهرجان المسرح العربي ووقتها كنا نقوم بعمل مسرحية «الرجل الذي أكل وزة» لجمال عبدالمقصود إخراج محمد سعد لأنه قسم تمثيل وإخراج.
سعد لم يكمل دراسته ولكن كانت المسرحية من إخراجه وتمثيلة وكان فيها أحمد السقا وماجد الكدواني ورامز جلال وطارق الأمير وخالد النجدي، أنا كنت أقوم بعمل الديكور.. لا أتذكر من الذي اقترح أنني سأساعد سعد في الإخراج وأخذنا الرواية وقمنا بعمل البروفات وأنا أعمل ديكور العمل وأساعد في الإخراج ثم إكتملت كل الأدوار ما عدا دور شخصية «عباس حرشة» شاعر مجنون مسجون.
ذهبنا لدكتورة «سميرة محسن»، يا دكتورة لم يتبقى غير هذا الدور فنظرت لي وقالت حلمي يعمل الدور، فقلت لها أعمل ماذا، فقالت لي ح تمثل هذه الشخصية.. كانت ليست مجرد دكتورة وعلاقتنا جميعاً جيدة معها.. فقلت لها حاضر ومحمد قال لي يلا.. وعندما وقفت على خشبة المسرح «ركبني العفريت» جالي العفريت.. عفريت الإدمان لهذه الحكاية.. بالرغم من أنني أقف على المسرح لكن طول الوقت أعمل بالديكور أول مرة أقف أمام الجمهور، ومحمد سعد قال لي عندما يضيق بك الحال، نصحني أن أخرج صوت معين «صراخ» كنت أؤدي شخصية مجنون فالناس كانت ستصدقني.
بدأ يحدث عقبات، من لم يأت أثناء البروفات ومحمد عصبي بطبعه وأنا العفريت مجنني في إن المسرحية لازم تكمل فبدأت أكمل أطراف المسرحية كي تكتمل ولكي أقوم بعمل شخصية «عباس حرشة».
محمد سعد كان له جمهور عريض من شتى الجامعات، رغم أنه وقتها لم يعمل تليفزيون ولم يقم بأي عمل ولم يكن أحد يعرفه في البيوت ولكن لا يوجد جامعة لا تعرفه لأنه كان يعمل مسرحيات مع نادر صلاح الدين في تجارة خارجية وجامعة القاهرة.. وعملنا بروفات والمفروض أنا أول واحد يدخل المسرحية بين أثنين ويتركونني أقع بين طارق الأمير وشخص آخر.
عند بداية العرض المسرحي، سمعت صوتا غير العادي، فنظرت من خلف الستارة ورأيت الناس فوق بعضهما، واكتشفت أن محمد قام بدعوة الجامعة بأكملها بالدكاترة.. أستاذ جمال عبدالمقصود جالس مع الحضور والمسرح ليس به مكان وناس واقفة وناس على الأرض شيء رهيب.. حدث لي رعب داخلى.. فقلت «اجمد» ودخلت على المسرح وانتهت المسرحية، والدور كان حلو وكان يحدث أخطاء وكنت أقولها عادي ولكن قلت جائز أنا مطمئن لأن ده مسرح معهدي.. الجمهور يصفق، استشعرت ذلك في التحية، وبعد ذلك الدكاترة أشادوا بالعرض ودكتورة سميرة محسن قالت لي مش «قلت لك»، وجمال عبدالمقصود عجبته، وأنا قلت دي تجربة ليس أكثر.
ثم بعد ذلك قيل لي حوّل تمثيل.. تمثيل إزاي أنا في آخر سنه! وجاءت لي أدوار لطلبة مشروعات الدراسات العليا قمت بعمل عرضين أو ثلاثة ثم تخرجت.. وعملت بالدعاية والإعلان والديكور.. إلى أن التقيت بعادل صادق المخرج المعروف والد الفنانة وفاء صادق، فقلت إيفيه على سبيل الهزار.. وكان يقوم بعمل مسلسل.
وفاء كلمتني عند أحمد السقا في إسكندرية كان وقتها يقوم بعمل مسرحية على مسرح بيرم التونسي أو سيد درويش لا أتذكر اسمها «الحق خد لك قالب» بطولة ليلي طاهر.. وفاء كلمتني على تليفون البيت عند أحمد، وأنا كنت مع أحمد دائماً بالرغم أن بيتي في سموحة فقالت لي تعالى يا أحمد بابا عايزك حالاً، فذهبت له صباحاً على استديو العباسية.. أهلاً إجلس.. جلست.. أحضروا لي حلقات.. تعالا.. يلا.. إلى أين يا أستاذ عادل.. لقد قابلته مرة واحدة في حياتي.. وأخذني إلى إستديو الجيب.. خذ.. إجلس.. أنت ح تمثل ..ح أمثل؟ قال لي أنا أرى فيك شيء أنت ح تبقى حاجة مهمه.
نتيجة بحث الصور عن أحمد حلمي
■ كان هذا أول حضور لك أمام كاميرا تليفزيون؟
بالضبط.. لا يوجد برامج أطفال وقتها.. قال لي خذ هذا إقرأه الآن وعندما تذهب للبيت إقرأ باقي الورق.. ففوجئت بثلاثين حلقة وليس حلقة أو إثنين.. ثم أنظر فأشاهد من الممثلين.. أستاذ «كرم مطاوع» و«نادية لطفي» و«أمينة رزق» و«محمد عوض» و«أحمد بدير» و«عايدة رياض» و«عبدالمنعم مدبولي» و«إبراهيم خان» و«محمد رياض».. يعني أنا لحقت الأستاذ محمد عوض.
كان آخر عمل له تقريباً.. ورأيت نفسي أعمل مسلسل 30 حلقة وبعدها دخلت الجيش مباشرةً وتم عرض المسلسل وأنا في فترة الجيش.. وبعد أن انتهيت من تأدية الخدمة العسكرية عملت مرة أخرى مع أستاذ «عادل صادق» ليس كممثل، ولكن في عمل ماكيتات.
كان يقوم بعمل مسلسل اسمه «خضرة» وكان يحتاج إلى ماكيت للريف لمدينه تحترق كان حوالى 8 متر في 5 متر «حاجة عملاقة»، فقمت بعمله أنا وصديقي ناصر، كان مقطع على أجزاء، وذهبنا به وشاهده وصوره وكان جميل.. هذا كان ثاني تعاون معه.. وبعد الجيش كملت مرة أخرى في عمل الدعاية والإعلان وعملت في التليفزيون في برنامج للأطفال.
كنت في البداية مساعد مخرج وبعد ذلك عملت في برامج الأطفال ثم أخرجت أعمالا ثم بعد ذلك تحدث إليّ أستاذ شريف عرفة.. كان «لعب عيال» بدأ ينجح مع الناس، شريف كلمني عام 1999 وأنا قدمت المسلسل 1994 وفي خلال هذه الفترة كنت أعمل أشياء أخرى.
■ شريف رشحك بناءً على إيه؟
شاهد البرنامج لأن لا أحد يعرفني من 94 إلى 99 أنا لم أظهر مرة أخرى بعد المسلسل عرض عليّ أعمال ولكن كنت في الجيش.. قال لي شريف يا أحمد إحنا عندنا فيلم عاوز أعملك «كاستينج» فجلست أمام الكاميرا فطلب مني أن أغني فغنيت ثم قال لي غنيها كوميدي.. فغنيتها بطريقة «مونولجيست»، قال لي «أوكيه» تمام إذهب إلى مكتب الإنتاج «كان في خيالي إن أعمل مشهدين أو ثلاثة» فوجئت بمساحة كبيرة، وأخذت 5 آلاف جنيها وقتها.
كانت أم صديق لي «قرأت لي الفنجان» وقالت لي سوف يأتيك ورقة صغيرة.. إما صغيرة أو رقمها صغير لا ترفضها.. فمر الوقت بعد أكثر من شهر.. كلمني شريف.. فجاء في ذهني موقف والدة صديقي وما قالته.. وقالوا لي عاوز كام قلت 15 قالوا لي ثواني نقول للمنتج قالوا لي الدور ميزانيته 5.. قلت لهم أنا لا توجد عندي مشكلة ومضيت العقد.
أخذت الإسكريبت كي أقرأه وكان «عبود على الحدود» وبدأت رحلة السينما معي، ثم بعد ذلك جاء «الناظر».. كلمني شريف عرفة في الناظر،كنت أنا ومحمد سعد.. أعتقد دور «محمد سعد» كان مضافا للفيلم.. لم يكن موجود في الإسكريبت الأول ثم جاءت فكرة إن نأخذه ونذهب به لأحد «يصيعه» فأحمد عبدالله زرع هذه الشخصية في الفيلم وشريف قام بتطويرها لصالح الفيلم وجاء محمد سعد للفيلم و«فرقع» بعد هذا الدور.. ومن بعد الناظر طلب منيّ أن أعمل بطولة وأنا كان عندي ترمومتر خاص بفكرة البطولة «مقياس خاص بي»
■ هو الجزء العقلاني؟
أنا قلت اليوم اللي أقوم بدور البطولة إذا وصلت لهذه الدرجة من النجومية.. لازم أسمع اسمي كاملاً أو حتي الثنائي «أحمد حلمي» في الشارع من كل الناس ومن كل الطبقات.. يوم ما ألاقي نفسي سمعته سأقول أنني مؤهل الآن أن أقوم بأدوار البطولة.. هذا لو فيه طلب.. أنت ممكن توصل لكده وأنت لا شيء وتبقى معروف جدا ولكن لا يوجد شغف عند الناس ولا إقبال عليك كنجم محبوب يستطيع تحمل بطولة فيلم.. فبدأت أسمع اسمي من الأطفال ومن الناس.. إلى أن قابلت رجل في محل «موتوسيكلات» عنده 50 سنه يرتدي «جاكيت كاروهات» والكوفيه …. في الزمالك فأنا دخلت أتفرج على موتوسيكلات وهو كان في المحل بالداخل وأنا كنت وصلت إن معظم الناس عارفيني فابتدت ناس تشوفني من واجهة المحل الزجاج فينظروا عليّ.. فالرجل شاهد أكثر من شخص واقفين.
■ فقال يبدو أنك شخص مهم؟
لأ.. هو كان فاكرهم يشاهدون الموتوسيكلات ثم بدأ واحد في الثاني وثالث يسلموا عليّ ويتصوروا معي.. فقال لي هذا الرجل أنا آسف أعذرني من أنت؟ أنا رأيت الناس تتصور معك وكنت فاكرهم بيتفرجوا على الموتوسيكلات.. قلت له أنا اسمي أحمد حلمي الممثل.. قال لي أنا آسف أنا لا أشاهد التليفزيون.. قلت له لا خالص بالعكس أنت بذلك أخبرتني ان مازال هناك شخص لا يعرفني وهذا سيدفعني كي أعمل أكثر.. فضحك.
أنا كان دائماً هذا مقياسي.. إلى أن حدث شيء وأنا في طريقي لحضور فيلم في سينما كوزموس.. كنت أؤدي فيه دور ثاني.. فيلم «رحلة حب» فأنا داخل وأنا أرتدي كاب مسرعـاً، فــ ولد شاب على الرصيف لمحني فأمسك بي من يدي فنظرت له فقال لي «عرفتك».. ثم قال «يا أمي» فرأيت إمرأة عجوز جالسة على الرصيف ترتدي جلبابا أسود قال لها يا أمي أنظري أنظري مين.. قلت له اخفض صوتك كي أستطيع الدخول وسط الزحام.. فــ نظرت هذه المرأة إليّ فنزلت لها على الأرض.. منها أنزل لها ومنها أن لا أحد يراني.. فقلت لها ما أخبارك؟ فقالت بصوت مميز «يا حبيبي» فقال لي ابنها أمي عندها 80 سنه وجاءت كي تراك.. أنا الكلمة دي بالنسبة لي كانت الدنيا وما فيها.. فقلت لها قومي وأخذتها هي وابنها وأخذت ذراعها في ذراعي ودخلت بهم … ومن هنا قلت أنا مؤهل.
ابنها كان يحلف لي أنها أتت من أجلى وهي تقول لي أنا جئت كي أراك أنا بحبك قوي.. فهذا كان هو الترمومتر الخاص بي.. إن سيدة بائعة النعناع تحت المكتب عندها 80 سنه تقول لي وكانت لا تعرفني أنا فقط.. بل سألتني عن حسن حسني وقالت هو «حسن حسني ده إيه» ده شقي شقاوة وعندما ضربك بالخرطوم وعندما وعندما.. ففي ناس تعطيك طاقة.. أنا أشعر طوال الوقت أن هؤلاء البشر يظهرون في فجأة في حياتك وأوقات أشعر أنهم من المحتمل أن لا يكونوا موجودين من الأساس مثل موقف السيدة العجوز.. أشعر أنها أشياء يرسلها الله كي يُحدث تلك الخطوة، هذه هي الحسابات العقلية ولكن موقف هذه السيدة هز قلبي من الداخل.. هم بمثابة طاقة أو أمارة يبعثها الله لي كمؤشر.
صدى البلد