تحرير التعليم.. سلعة جديدة تلحق بنظيراتها.. دعوة الحاج آدم

يحكى أن أحدهم اعتاد أن يرد البحر لغسل وجهه عقب انتهائه عمله، وذات مرة هجم عليه تمساح، ولحسن حظه نجا من قبضته، وقطعا قد سبب له الهجوم بعض الأذى، ما جعل أهل قريته يتوافدون لرؤيته، وبطبيعة حالهم يأتون مسرعين لموقع الحدث ليسمعوا تفاصيل الحكاية من ذا الشأن، وبالفعل توالت عليه الأسئلة من قبل الزوار وخاطبه أحدهم ماذا حدث لك ؟ أجاب “مشيت البحر أغسل وشي لمَّ فيني تمساح طقاني في رقبتي قرب يكسرها لي بس ربنا ستر”، واستمر الحال، كلما دخل عليه أحدهم سأله عن ذات السؤال، وهو مضطر لسرد القصة بتفاصيلها، وفي نهاية الأمر ضاق صدره جراء التكرار ورد ساخطا على أحدهم “مشيت البحر أغسل وشي لمَّ فيني تمساح طقاني في رقبتي يا ريته كان كسرها وريحني”.

كذا يقول المواطن لسياسة التحرير التي سممت جسد اقتصاد البلد وفق جرعات تدريجية، ووطدت اليأس والإحباط المستمر في دواخل المواطن، في ورشة قضايا التعليم العالي (الواقع والتحديات) طالب نائب رئيس الجمهورية السابق والبرلماني الحالي، الحاج آدم بتحرير العملية التعليمية في كافة مراحلها، من الروضة وحتى الجامعة، بجانب دعوته إلى توسيع مؤسسات التعليم العالي في كافة الولايات بإنشاء جامعة في كل محلية. وأكد ضرورة تحرير التعليم، مضيفا: على القادرين أن يدفعوا بتلقي التعليم، أما العاجزون عن الدفع فليتجهوا لجهات أخرى كوزارة الأوقاف وديوان الزكاة أو الصناديق الحكومية، وتساءل هل الدولة قادرة على إعالة التعليم حتى الجامعة؟ كما دعا إلى تصنيف المقتدرين عن غيرهم بالاستناد على البيانات الموضحة في السجل المدني.
في الصدد نطرح اقتراحات النائب السابق والبرلماني على طاولة الرأي العام واستطلاع آراء مختلفة حيال الواقع المعاش، ربما ندرك حقيقة الحاج وأمثاله وهم يصرحون بمثل هذه المتناقضات، وهل هم يقطنون معنا في ذات البقعة الجغرافية أم أنهم خارج حدودها كما أنهم خارجون عن منطق الحديث؟

البئر وغطاها
كانت ستكون كارثة إذا كنت تجلس على مقعد رجل الدولة الثاني إلى الآن وتصرح بمثل هذه الاقتراحات التي ربما تنسف بعملية التعليم تماما، كونك تعلم علم اليقين أن معظم الشعب تعدى مرحلة العوز، عبارة ابتدربها حديثة آدم حسن (موظف معاش) مضيفا: المؤلم حقا أن يكون الحاج عضواً في البرلمان، وبهذا الفهم المتدني، وتلك الأفكار المسممة لجسد السياسة، ويوجه محدثي سؤاله إلى الحاج: أنت ماذا فعلت لهؤلاء الفقراء والمعاشين أمثالنا وقتما كنت تجلس داخل القصر، حتى تطلب منا أن نطرق أبواب جهات لا تساند المرضى وهم أولى بها؟ الا تنضب ماء وجهك وأنت الآن بمعرفة أحوال رعيتك من خلال السجل المدني. وعلق ساخرا “ودي دايرة سجل مدني كمان انتو ماعارفين البئر وغطاها”. واستطرد: أنت من زمن الدولة التي تعول التعليم، والمدارس الحكومية تبتاع كهرباء تجارية، بجانب العجز في الكتاب المدرسي وغيره من بيئة مدرسية لا تصلح للتعليم، يا سيدي الفاضل استقطع من وقتك فقط ساعة ومر على المدارس الحكومية حتى ترى بأم عينك، هناك من التلاميذ من يأتون إلى المدرسة ولا يملكون ثمن وجبة الإفطار. وزاد: “التعليم لو مجان ما قادرين عليه”، وتساءل محدثي: أين ديوان الزكاة والجهات الداعمة التي تدعو إلى طرق أبوابها؟ أليس من مهامهم البحث عن الفقراء والمساكين في داخل الأحياء وليس عن طريق السجل المدني كما تقول؟

من ضل لضل
وفي مجرى الحديث أبدت مجموعة من الشباب آراءً مختلفة حول اقتراحات آدم حول تحرير عملية التعليم، وكان (الخريج) أكرم حمزة أكثرهم تجاهلا لماطرحناه، من دون أقرانه حتى تعمدت استنطاقه فتلعثم لسانه قائلا “وهسة انتو زعلانين في كلام الزول دا ليه، الاتعلم والما اتعلم راكبين سرج واحد فرق بشنو يعني انت ماشة بعيد ليه، نحن الشلة دي كلنا قرينا واتخرجنا زمان، وفي النهاية بقينا عواطلية من ضل لضل”.. حينها تملكني إحباط طال تفكيري، وتساءلت في ذاتي ماذا جرى لهؤلاء الشباب؟ ولماذا تعج نفوسهم كآبةً، ولما الاستسلام بهذا القدر؟ أين طاقاتهم وهمتهم كشباب ينضح حيوية؟ ألا توافقوني بأن أكرم وأمثاله على جرف هار؟، لا يزال الجدال يستمر بين المجموعة وتعالت الأصوات في قضية لا يسمح التلاعب بها حد تعبير نزار عبدالحليم أيضا (خريج) مردفا حديثه: التعليم أساس التنمية ولا يحتمل التنظير والفلسفة، أما ما قاله حضرة النائب السابق يدل على تصنيف المواطن إلى درجتين لا ثالثة لهما، الأولى ثرية ومتعلمة والأخيرة معتازة وبالتالي جاهلة، ربما جاء مفهومه هذا وفق تقديرات عشوائية توحي بأن معظم الأذكياء ينتمون إلى المدارس الحكومية والمجانية، وبلاشك هم صفوة فقراء المجتمع. وأستدل قولي بمعظم أوائل شهادة الصف الثامن والشهادة السودانية من أسر فقيرة لكنها عفيفة. وختم: لذلك في اعتقادي الخوف كل الخوف من عباقرة الفقراء والمساكين، أما ناجي وأحمد وهنادي وزحل جلهم لخصوا القول في عبارة “الماعارف يقول عدس”.

الخرطوم – خالدة ود المدني
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version