الطريق إلى الله بعدد أنفس الخلائق أو كما قال نجم الدين كُبرى المعروف بصانع الأولياء من جهة، ومن أُخرى فهو الذي فزع لقتال التتار بسيف خشبي. وإن كانت مراجع الصوفية أنفسهم تعود بأصلهم إلى عهد النبي محمد، فلابد إذ ذاك من مراعاة أن ذاك العهد شهد بداية الصراع بين المُسلمين وغيرهم من العرب، بخاصة قُريش، على السلطة في الجزيرة العربية.
كان النبي محمد رسولًا من الله لهداية الناس إليه، وكما بُعث بالبيان فقد بُعث بالسيف أيضًا، الذي أسس لدولة المُسلمين الأولى، والتي خلفه في حُكمها صحابته الذين هُم عند الصوفية أوّلهم و”شموس سماء طريقهم”، أو كما يقول القُشيري في رسالته الموصوفة بأنّها دستور الصوفية: “اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية عَلمٍ سوى صحبة الرسول صلى الله عليم وسلم، إذ لا أفضلية فوقها؛ فقيل لهم الصحابة”.
وهؤلاء بينهم الخُلفاء الراشدون الأربعة، أُمراء المؤمنين، الذي قادوا الجيوش لغزو الإمبراطوريات المُجاورة وبسط السيطرة على أمصارها. ومما يُذكر في هذا الصدد، حروب المُرتدين، فكما هو معلوم لم ترتد كافة القبائل عن الإسلام، بل على العكس القليل منها من ارتد واتّبع مدعي النبوة، فيما أن الأكثرية هي القبائل التي رفضت دفع الزكاة إلى المركز والاكتفاء بتوزيعها بمعرفتهم في محيط بين أبناء قبائلهم، وهو أمر لم يرَ كبار صحابة أي غضاضة فيه، ومن هؤلاء عمر بن الخطاب. لكن أبا بكر أبى إلا قتالهم ولو على عقال بعير منعوه عنه، فيما كانوا يؤدونه لرسول الله.
وفي هذا الصدد كذلك تُذكر أحداث الفتنة الكُبرى بين الصحابيين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، والذي ظلّ أثره ممتدًا للآن.
إنْ كان هؤلاء هم أصل الصوفية كما يقول الأخيرون، فإنّ العلاقة بينهم وبين السلطة لها أصلها التاريخي، على مُنحنى جدلي، لا يُمكن قطعًا رؤيته على صورةٍ خطّية، كما يزعم البعض الآن على إثر مواقف صوفية من الحُكام والسلطة، بخاصة على ضوء الربيع العربي، ثُم عزل الجيش المصري لمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا، في الثالث من يوليو 2013.
وعلى هذا الاعتبار، فإنّ هذه المساحة الشائكة من علاقة الديني بالسياسي بين الصوفية والسُلطة، هي ما سنستفيض في تناوله في هذا التقرير.
هل للصوفية موقف رسمي جامع من السياسة؟
تكمن المشكلة في الإجابة على هذا السؤال، في إيجاد تعريف محدد ودقيق لـ”الصوفية”، فإن كان ثمّة تعريفات للتصوف كممارسة أو علم أو طريقة في الحياة، فإن تعريف الصوفية أو المنتسبين للتصوف هو أمر صعب. فمن جهة، اعتبار التصوف حركةً روحية في الإسلام أمرٌ يُعسّر من جمع دلائل عامة تُشير إلى الشخص كفرد من الصوفية أو مُنتسب للتصوف. ومن جهة أُخرى اختلاف مشارب المُتصوفة، وتعدد طُرقهم وانعدام مركزيّة حركتهم العامة، بالإضافة إلى ذاتية تجربة التصوف وخصوصيتها الفردية، ما يُؤكد صعوبة اجتماع كل المنتسبين للتصوف على أمرٍ واحد، وبالتالي صعوبة تحديد صفات الصوفية فتحديد تعريفهم.
وإن كان بعض الصوفية يؤكدون على أنّ حركتهم الروحية أصيلة أصالة الرسالة المُحمّدية، فإن آخرين من الباحثين يرون أنها رُبما أُدخلت على المُجتمع الإسلامي في إطار علاقات التفاعل بالحضارات المجاورة، بخاصة الهندية والفارسية.
على جانب آخر، فإنّ مُتصوفة آخرين يعتقدون في أن حركتهم الروحية المُتصلة بالإسلام ورسالة النبي مُحمد وبمرتبة الإحسان، هي امتداد لجملة حركات مُجابهة للنزوع البشري نحو الدنيوي، والتي هي حركات تاريخية قديمة قدم الوجود البشري والديانات والمُعتقدات. وهو قول قريب من الذي يرى التصوف باعتباره مفهومًا عامًّا مُرتحلًا، موجودًا في كل دين ومُعتقد، بخاصة الديانات الشرقية، أي أنّه “نزعة إنسانية لا تكاد تخلو حضارة منها”، بتعبير الباحث الأكاديمي محمد حلمي عبدالوهاب.
ومع أنّ كل هذا يجعل من الصعب تتبع البدايات الأولى لعلاقات التفاعل بين الصوفية والسُلطة ومن يُمثلها، إلا أنّه أيضًا يفتح لنا الباب لرؤية مُغايرة لهذا النوع من العلاقات، في ضوء التدافع البشري الطبيعي والمحكوم بالضرورة بعدد من السياقات المُختلفة.
على سبيل المثال، فإنّ شتيفان رايشموت – أستاذ علم الإسلاميات بجامعة بوخوم الألمانية – يرى الصوفية، على المُستوى الاجتماعي؛ باعتبارها “نوعًا من التنظيم المدني داخل الدولة، بحيث يُنظم الناس الذين هُم خارج نطاق القوة السياسية، حياتهم وفق المبدأ الصوفي”. وفي سياق حديثه، يَظهر أن رايشموت يتحدث عن الصوفية باعتبارهم مُهمّشي المركز إبان الدولة العُثمانية تحديدًا. وهو رأي في جملته قريب من تفسير المُستشرق الإنجليزي رينولد نيكلسون، لنشأة التصوف، بأنّه عائد لعوامل موضوعية تتمثّل في القطيعة بين السلطة والقرآن، وغياب منظومة العدالة الاجتماعية التي ضمنها النبي مُحمّد في عهده.
وَصْفُ رايشموت، بالإضافة إلى أنّه نظرية في تعريف الصوفية، يُمكن أيضًا اعتباره نظرية في نشأة التصوف الطُرقي، والذي كان بمثابة نقطة مفصلية في مسار علاقة الصوفية بالسُلطة.
التصوف الطُرقي.. هل هو مَأسسة من الدولة لحال العبد مع ربه؟
تتباين الآراء فيما يتعلق بالإجابة على سؤال نشأة التصوف الطُرقي، بين من يرى أنّه على التقريب بدأت ظاهرة الطُرق الصوفية ما بين القرنين الهجريين السادس والسابع، ومن يرى أّنها تعود إلى ما قبل ذلك، رُبما منذ القرن الثالث أو حتى قبله بقليل.
مُرجّحو الرأي الأول ينطلقون من أنّ أسماء صوفية بزغ نجمها في تلك الفترة أكثر من سابقاتها، مثل أحمد الرفاعي
وعبدالقادر الجيلاني ثُم أحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي، وهؤلاء الأربعة يُعرفون لدى المتصوفة باسم “الأقطاب الأربعة”. ويمتاز هؤلاء الأربعة بالتحاق أعداد كبيرة من المريدين إلى ركب مجالسهم العلمية والروحية. بعض المراجع التاريخية الصوفية تقول إنّ أعداد مريدي أحمد الرفاعي تجاوزت 100 ألفٍ في حياته. مع هؤلاء الأربعة أيضًا ظهر “الخلفاء”، وهم المريدون الذين يخلفون الشيخ الكبير في قيادة جموع المريدين من بعده، والذين ينتسبون في طريقهم الروحية إلى الشيخ الكبير.
وللطرق الصوفية ملمحان مُهمّان، الملمح الأوّل الانتساب للطريقة بالذكر، أي يَنتسب الشخص إلى طريقة مُعيّنة بالتزامه ترديد أذكار مُعيّنة تُنسب للشيخ الأكبر لهذه الطريقة. عادة ما يتلقنها عن طريق شيخ الطريقة في وقته الذي هو بمثابة خليفة سلسلة خُلفاء الشيخ الأكبر.
الملمح الثاني هو المُتعلّق ببنية الطريقة، والتي تفتح الباب لسؤال المأسسة. ويُشار إلى أنّه لا يُمكننا تحديد الفترة التي ظهرت فيها الطُرق الصوفية ببناءٍ تنظيميّ أقرب إلى الهرمية. لكن في الوقت الحاضر، ومنذ نحو 100 عام على الأقل، كانت ولاتزال ثمّة طُرق تعتمد هذا الشكل الهرمي في تنظيم المُنتمين إليها، بطريقة الشّيخ الذي عادة ما يكون خليفة للشيخ الأكبر مُؤسس الطريقة المُتوفى، ثُمّ خُلفاء هذا الشيخ في الأمصار والمناطق المُختلفة، وُهم بمثابة ممثليه في إعطاء العهود وتنظيم أمر الطريقة في منطقتهم، ثُم المُرشد وهو المسؤول عن مجموعة من المُريدين، وبدوره يكون له مُرشدٌ هو وغيره مسؤول عنه. هذا النمط معمول به مثلًا في الطريقة البُرهانية الدسوقية الشاذلية، ومنه استقى حسن البنّا تنظيم جماعته.
فكرة التصوف الطُرقي، وتحديدًا مع هذا النمط من بناء الطريقة، يرى البعض أنّه ساعد السُلطة على احتوائها، ورُبما في بعض الأحيان توجيهها، بسبب توفر عُنصر المعلومة عن المُنتمين للطريقة، خاصة بعد الطقوسية التي أدخلتها بعض الطُرق من حيث هيئة اللبس أو جزء مميز فيه.
في المُقابل يرى رايشموت أنّ الطريقة الصوفية باعتبارها “تنظيمًا مدنيًا”، إنّما هي مُحاولة لـ”التوصل لخلق حدود جماعية مُستقلة عن النظام السياسي المُهيمن”. بهذا المعنى، فإن تنظيم الصوفية في طرق، ساهم في تقوية استقلاليّتهم عن السّلطة، ما ساهم بدوره في اتخاذهم مواقف على يسار السلطة في أحيانٍ كثيرة، تمثّلت أغلبها في قيادتهم مُقاومة الاستعمار، في أوقات خضعت فيها الإدارات المحلية له، أو قلّت حيلتها في مواجهته.
للشافعي أيضًا رأي في مأسسة التصوف، ينطلق معرفيًا من أنّ الحاجة دفعت نحو الفصل والتحديد بين مفاهيم إسلامية مُتكاملة، كالتزكية الروحية والعلم الشرعي والعمل. فبمضي الوقت بات هُناك ما يُمكن اعتباره مُؤسسة لها سُلطتها على كل واحدة من هذه المفاهيم، التي هي “مهام نبوية” بتعبير الشافعي.
العلم الشرعي بات منوطًا به الفقهاء والمحدثون الذين مثّلوا مُؤسسته، فيما يُمثّل الحاكم مُؤسسة العمل التي تستقي من العلم. أمّا الصوفية فمثّلوا مُؤسسة التزكية الروحية. ويُؤكّد الشافعي على ما سبق وأوردناه، من أنّ التصوف لم يكن في البدء “مُؤسسة”/ طريقة بالمعنى الذي هو عليه الآن، والذي فرضته لاحقًا ضرورة تعدد المشايخ مع كثرة مريديهم.
خُطوة إلى الخلف: «طريق الحق مُفردة والسالكون طريق الحق أفراد»
ثمة عبارة تشتهر عند الصوفية، تُنسب لغير واحدٍ، بداية من علي بن أبي طالب، وقد أوردها محيي الدين بن عربي في مُؤلفه “رسالة الأنوار فيما يُمنح صاحب الخلوة من أسرار“. تقول العبارة: “الطرق شتّى، وطريق الحقّ مُفردة، والسالكون طريق الحقّ أفراد”. ولا شكّ أنّ العبارة جاءت في سياق الحديث عن التجربة الروحية، لكننا سنتجرأ بالانطلاق منها للوقوف على الفروقات بين تعاطي نوعي الصوفية: الفردية والطرقية، مع السلطة.
يؤكد العديد من الباحثين على أنّ نشأة التصوّف كحركة فردية في البدء تنامت وتعاظمت بمرور الوقت، كان ينطوي على دعوة ثورية على المُجتمع المُسلم ومؤسسات سُلطانه، بعد أن افترق القرآن والسلطان بتعبير رينولد نيكلسون. وربما يكون المنطلق هُنا من رفض الصوفية لأشكال البذخ والإسراف والانغماس في ملذات الدُنيا، ببعدهم عن كل هذا وتفضيل الانعزال عن المُجتمع، بما يتضمّنه أيضًا من صراعات سياسية مُتعددة الأوجه، أو تسلّط حُكام واكتنازهم للثروات، ما يُعد ابتعادًا عن صحيح الدين.
وفي هذا الصدد، يُمكن الاستعانة بقصة الصحابي أبي ذر الغفاري للتدليل على هذا القول. يُعد أبو ذر الغفاري من مؤسسي حركة الزهد في الإسلام، وقد قال فيه النبي مُحمّد: “من سرّه أن ينظر إلى زُهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر”. زُهد أبي ذر انعكس في رفضه لبعض تصرفات خليفة المُسلمين الصحابي عُثمان بن عفّان، وبعض ولاته بخاصة معاوية بن أبي سفيان.
من النماذج أيضًا التي يُضرب بها المثل في مُناهضة السُلطة اجتماعيًا وسياسيًا، الحُسين بن منصور الحلّاج الذي يصفه ابن النديم بقوله إنّه “كان جسورًا على السُلطان، مرتكبًا للفظائع، يروم انقلاب الدول”. وبصرف النّظر عن الشّدة في تعبيرات ابن النديم، إلّا أنّه قارب الصواب بوصفه الحلاج بالجسور على السُلطان، لمعارضته المُعلنة لممارسات السُلطة، بما فيها الصراع عليها بين أطرافها. وفي النهاية أُعدم الحلّاج بعد أن اتّهم بالزندقة.
ولم يكن الحلّاج أخيرًا، فقد لحق به بعد نحو قرنين، شهاب الدين يحيى بن حبش السُهروردي صاحب “حكمة الإشراق“. قُتل السهروردي بأمر من صلاح الدين الأيّوبي، بعد أن اتهمه بعض من فقهاء الشام بفساد مُعتقده.
هذه الأمثلة أوضحت موقف التصوف بصورته الفردية والذاتية تجاه السلطة. أمّا على الجانب الآخر حيث التصوف الطُرقي، يرى البعض، وبينهم الكاتب أسامة غاوجي أنّ “الأجسام الطُرقية” الصوفية، والتي يقول إنّها برزت بعد القرن السادس عشر؛ مثّلت أجسامًا اجتماعيّة مُستقلة عن السلطة مُحايدة تجاهها. وبذلك يتفق غاوجي مع رايشموت الذي اعتبر الطُرق تنظيمًا مدنيًا مُستقلًا عن النظام السياسي المُهيمن.
لكنّ رايشموت أيضًا يعتقد أنّ طبيعة الطرق الصوفية يجعل منها بالضرورة نوعًا من أنواع المُعارضة، وإن كان أكثر حياديّة تجاه السُلطة، بل قد يتقاطع معها في أحيانٍ عدّة. على سبيل المثال، مَثّل التصوف في بعض فترات الخلافة العُثمانية، الدين الرسمي للدولة. كما أنّه تدخّل كعامل هام في نشأة الإنكشارية، أقوى الفرق العسكرية وأكثرها نفوذًا في تاريخ الدولة العُثمانية.
ومن الأمثلة التي تُدلل على أنّ طبيعة الطُرق جعلت منها نوعًا من أنواع المُعارضة، على الأقل في فترة ما، عبدالقادر الجيلاني، الذي قيل عنه: “إن في بغداد سُلطانَيْن”. ويُذكر من مواقف الجيلاني أنّ الخليفة العبّاسي أبو عبدالله محمد المُقتفي لأمر الله، ولّى قاضيًا قيل أنّه ظالم، فقام عبدالقادر الجيلاني على المنبر وقال: “ولّيت على المُسلمين أظلم الظالمين! فما جوابك غدًا عند رب العالمين، أرحم الراحمين؟”.
ولعل المقصود هُنا من قبل رايشموت، بأن الطرق الصوفية اعتبرت نوعًا من أنواع المُعارضة؛ هو طبيعة استقلاليّتها عن السُلطة، حتى إن حدث تقاطع بينهما، تظل الطُرق خارج إطار الدولة كمؤسسات حاكمة، أو هكذا ظلّت لفترة طويلة. وهو – كما سبق وذكرنا – ما ساعدها على اتخاذ مواقف جذرية تجاه قوى الاستعمار.
هذا أيضًا ساعد بعضها على التفرّد بالسلطة في وقتٍ ما، وإنشاء الدول والممالك كدولة السنوسي في ليبيا، وقبلها بقرون دولة المُوحّدين، التي يُذكر أنّ إمامها مُحمّد بن تومرت كان شديد التّأثر بأبي حامد الغزالي. ومن قبلها أيضًا كانت دولة المُرابطين، حيث إنّ يوسف بن تاشفين المعروف بأسد المرابطين، يُذكر ضمن طبقات صوفية المغرب العربي، لما عُرف عنه من الزهد والتّقشف والخشوع بين أيدي العُلماء والوعّاظ. ويُضاف إليهم دولة السعديين التي حكمت المغرب حتى منتصف القرن السابع عشر. وقد بدأ السعديون دعوتهم عبر الطُرق الصوفية جنوب المغرب، انطلاقًا من زاوية الطريقة الجازولية، بمدينة سوس الأقصى. حتى أن المُؤرخ المغربي أبوالعباس الناصري، قد قال في السعديين، إنّهم “لم يدخلوا دار المُلك إلا من باب شيوخهم الصوفية الجازوليين”.
هل هي قطيعة مع سُلطة الدين السياسية؟
في الوقت الحالي، يلتبس موقف الصوفية من سُلطة الدين في السياسة، فعلى جانب يُعرف عن صوفية العصر الحالي، وبخاصة صوفية مصر، مُعارضتهم للإسلام السياسي أو الإسلام الأيديولوجي الحركي بتعبير حسن الشافعي. على جانب آخر، تُظهر مواقف بعض الصوفية بعد 3 يوليو 2013، وقوفهم – المدعوم بالسلطة الروحية وأحيانًا النصية للدين – إلى جانب عبدالفتاح السيسي، الذي صرّحت مشيخة الطرق الصوفية بأنّه “محب للطرق الصوفية، لأنّه صوفي الأصل”.
ويظهر هذا التأييد جليًا من وقوف مشيخة الطُرق الصوفية، فضلًا عن مؤسسة الأزهر الشريف التي يطغى تأثير المدرسة الصوفية عليها، إلى جانب عبدالفتاح السيسي ونظامه. وقوفًا حدا ببعض عُلماء الأزهر والمعروف بميوله الصوفية، أن يصف السيسي بالرسول الذي ابتعثه الله للمصريين!
وإبان الانتخابات الرئاسية في 2014، عقدت طُرقٌ صوفية عديدًا من المُؤتمرات الجماهيرية على مُستوى الجمهورية، في إطار دعمها للسيسي. امتازت تلك المُؤتمرات بالحضور الصوفي الغفير، وبشعارات على شاكلة “لا إله إلا الله.. السيسي حبيب الله”.
وفي المُقابل لهذا الموقف، يُمكننا رُؤية موقف الصوفية الأوائل الرافض لسلطة الدين السياسية ولمن سُمّوا بفقهاء السُلطان، مُتمثلًا في مقولة الإمام جعفر الصادق:
ووفقًا لمحمد حلمي عبدالوهاب، فقد كان الصوفية بمثابة الضمانة لحفظ الدين من استغلال السياسة له، ومن هُنا كان موقفهم المُعارض لفقهاء السلاطين، الذين بدورهم كادوا لهم في مُعظم الأحيان، ومن قصتي الحلاج والسهروردي نستقي العبرة.
ساسة بوست
محمد العتر