أعاد مخطط استهداف ملعب “الجوهرة” بمدينة جدة (غرب السعودية)، الذي أحبطته الأجهزة الأمنية السعودية مؤخراً، التذكير بما جرى في فرنسا وبلجيكا في مايو 2016 من التخطيط لقتل المئات من مشجعي منتخبي روسيا وبريطانيا، أثناء نهائيات أمم أوروبا التي استضافتها مدينة “سان دوني” الفرنسية، من قبل مهاجمين انتحاريين وباستخدام بنادق رشاشة “كلاشينكوف”، إلى جانب تحذير تنظيم “داعش” في 2014 من تنظيم مونديال 2022 في قطر. فما هي قصة العلاقة والانجذاب ما بين العمليات الإرهابية وكرة القدم؟
بين الإعجاب والتحريم
بين كرة القدم وبعض رموز الجماعات الأصولية حكايات تروى وتتنازع بين الإعجاب والتحريم، وصولاً إلى التفجير.
وتبدأ حكاية التحريم والإعجاب هذه من أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، فوفقا لتقارير استخباراتية كشفت عنها الأجهزة الأمنية الغربية في وقت سابق وتناولتها وسائل الإعلام الأوروبية، كان بن لادن مشجعا متيما بنادي آرسنال الإنجليزي، وقد حضر العديد من مبارياته الأوروبية على ملعب النادي السابق “هايبري” في قلب لندن.
ووفقاً لصحيفة “ميرور فوتبول” البريطانية، فإن بن لادن زار لندن أكثر من مرة، وحرص في إحدى تلك المرات على حضور عدة مباريات للفريق في مسابقة كأس الكؤوس الأوروبية عام 1994، حيث تابع مع بعض أبنائه وأصدقائه أولاً مباراة آرسنال أمام ستاندر ليج البلجيكي التي انتهت بفوز النادي اللندني بسبعة أهداف نظيفة.
أما أبو بكر البغدادي، خليفة تنظيم “داعش”، فكان بدوره من محبي لعبة كرة القدم، والرياضة الوحيدة التي يمارسها، بل كان – وفق صحيفة “التلغراف” البريطانية – أفضل لاعب كرة قدم ضمن فريق المسجد الذي كانت بدايته بإمامته في حي الطبجي في بغداد، نقلا عن أحد المصلين في ذلك المسجد.
وفي السعودية، كان زعيم تنظيم القاعدة عبد العزيز المقرن (قتل في مواجهة أمنية بالعاصمة السعودية الرياض 18 يونيو 2003، وهو مدبر ومنفذ عملية خطف وذبح المهندس الأميركي بوب مارشال جونسون في العاصمة السعودية الرياض، الذي أعلنت عنه القاعدة في 16 يونيو 2003)، ووفقا لجريدة “الشرق الأوسط” من محبي وهواة لعب كرة القدم، وحارسا لمرمى منتخب متوسطة “الإمام البيهقي” الكروي، حيث درس في حي السويدي غرب العاصمة الرياض.
كذلك في اليمن، كان جلال بلعيدي أمير تنظيم “أنصار الشريعة” فرع القاعدة باليمن، لاعب كرة قدم في أحد الأندية اليمنية في مرحلة الناشئين قبل صعوده لاحقاً للفريق الأول.
تحذير النساء من الزواج بلاعب كرة قدم
وتراوحت مواقف الأصوليين من لعبة كرة القدم ما بين تحريم وتكفير وحث اللاعبين على الاعتزال، وبين من حاول استغلالها لتجنيد الشباب في صفوف الجماعات الأصولية.
وبلغت حد تحذير النساء من الزواج بلاعب كرة قدم، كما جاء في إحدى الفتاوى على أحد المواقع الأصولية الشهيرة رداً على سؤال وجهته إحداهن.
فقد أتى الجواب كما يلي: “أنصحك ألا تتزوجي بهذا اللاعب المنشغل بالكرة حتى يقلع عنها، سواء أكان لعبه في أندية محلية أو خارجية، خاصة أن ذلك سيترتب عليه انتقالك للحياة معه في بلاد الكفر”.
ولطالما كان ضخ الخطاب الصحوي الأصولي بترسيخ نمط الرياضة الشرعية “كآلة معينة على الجهاد”، وما دون ذلك إنما يقع ضمن قائمة المحظورات الشرعية، وبحسب فتاوى الأصوليين: “لا يستثنى من هذا التحريم إلا المسابقات التي فيها التدريب على الجهاد في سبيل الله، أو التشجيع على طلب العلم ورد شبهات المشركين، فلا سبق سوى بسهم، أو إبل أو خيل، وهي كلها من آلات الجهاد “.
وللشعر نصيبه أيضاً
حالة إعلان الحرب على كرة القدم لم تقتصر على شيوخ ومنظري الجماعات الأصولية المتطرفة، أمثال المقدسي والظواهري، والمنظر القاعدي سليمان العلوان (الموقوف الأمني على ذمة قضايا أمنية)، بتحريم لعبها أوحتى تشجيعها والتصفيق لها، وإعلان البراءة من أحكام “الفيفا” الوثنية، وإنما امتدت إلى الشعر والأدب بنكهة أصولية أيضاً، كما جاء في قصيدة حملت عنوان “كرة القدم” للشاعر الأردني الإخواني “يوسف أبو هلالة”، أحد رفقاء عبد الله عزام، والتي جاءت بمناسبة فوز المنتخب السعوي بكأس آسيا في العام 1984 منتقدا الفرح بالفوز.
وقال في أبيات من قصيدته:
“عربات تدفقت تشبه الهائج الخضم… وعليها تكومت زمر طيشها احتدم … ماجت الأرض بالورود وداء الفحيط حم…فسألت والأسى يمضع القلب والألم…هل فلسطين حررت وقطاف العناء تم… قيل:لا بل فريقنا فاز في لعبة القدم”.
داعش: مقاتلون انتقلوا من حب الكرة إلى التنظيم
لكن لا شك أن الصورة الأكثر تجلياً لهذا التحريم، كانت مع تنظيم داعش الذي التحق بصفوفه عدد من مشاهير كرة القدم العربية والغربية، من بينهم الحكم المصري محمود الغندور 24 عاماً، والذي غير اسمه إلى “أبو دجانة الغندور”، ومحمد الموازي بريطاني الجنسية من أصول كويتية، وهو صاحب الوجه الملثم حامل السكين المخصص لنحر أسرى “داعش” والمعروف باسم “الجهادي جون”، بعد اعتزاله حب لعب كرة القدم، ومحمد حسن الكواش، لاعب كرة القدم في نادي الإفريقي التونسي 20 عاماً، اعتزل الكرة بعد إقصائه من تشكيلة الفريق في الدوري الممتاز، ليلقى حتفه بين صفوف مقاتلي “داعش”، وبوراك كوران اللاعب السابق في صفوف المنتخب الألماني للشباب، قبل انتقاله إلى سوريا والانضمام إلى تنظيم البغدادي، إلا أنه لقي حتفه لاحقاً في إحدى الغارات الجوية.
كذلك من ضمن لاعبي الكرة الذين تخلوا عن عشقهم القديم من أجل داعش، مايكل دوس سانتيوس، لاعب كرة القدم في فريق “فانسان” الفرنسي، وقد اعتزل لعب الكرة، واختار اسما “جهادياً” له “أبو عثمان” بعد سفره إلى سوريا، ومشاركته في نحر 18 رهينة.
كما برز من بين لاعبي كرة القدم “الدواعش”، لاعب آرسنال السابق سيلسو رودريغز دا كوستا البرتغالي، الذي انتقل إلى القتال في سوريا وأطلق على نفسه اسم “أبو عيسى الأندلسي”، ساخرا في إحدى تغريداته قائلا: “الحمد لله ستكون التمريرات البينية وركلات الترجيح بل وحتى الركنيات برؤوس المرتدين وضربات الجزاء برؤوس الصحوات”.
دحرجة الجماجم
لاحقاً، وبعد مضي فترة وجيزة على تغريدة لاعب الآرسنال الداعشي، ظهر عدد من مقاتلي التنظيم في صور تداولتها معرفات ومواقع متطرفة، متفاخرة بقطع رؤوس عدد من ضحايا “داعش” ودحرجتها بين أقدامهم كما كرة القدم.
ولم تقتصر محاربة تنظيم “داعش” لكرة القدم في استقطاب مشاهيرها من الشباب والاحتراف في صفوف مقاتليها، وإنما قامت بإصدار فتاوى محرمة بموجبها على مسلحي التنظيم لعب كرة القدم باعتبارها على حد زعمهم “لهوا مضرا لروح الجهاد”. وحملت الفتوى وعيدا وتهديدا لمن لا يلتزم بها تصل إلى حد جلد المخالف وطرده من التنظيم، وقد بلغت في أوقات أخرى حد القتل.
إلا أن اللعبة الشعبية الأولى في العالم أثبتت في النهاية أنها لا تهزم أمام كل التحديات، حتى وإن كانت بدرجة إرهاب “داعش” أو “القاعدة”.
فاليوم الخميس 3 نوفمبر تشهد “جوهرة” جدة انطلاق الجولة الثامنة من الدور الأول للدوري السعودي، في ظل توقعات بحضور جماهيري كبير، تزامناً مع الحملة التي أعلن عنها مشجعو كرة القدم بغرض تحدي الإرهاب.
العربية نت