بهدوء شديد، انسربت إلى الوسائط الإعلامية معلومات مفادها أن بنك السودان المركزي، في طريقه إلى تحرير سعر الدواء. وما هي إلا هنيهات حتى جاء صوت المتحدث باسم المركزي مقروءا عبر الورق، كعادة حازم عبد القادر المياّل إلى تبيان مواقف بنك السودان المركزي من خلال التعميم الصحفي. وما أن ثبتت المعلومة وتثبّت منها الصحفيون حتى اندلق ماء التحليلات في اتجاهات شتى، فهناك من يرى أن قرارات بنك السودان وخاصة سياسة الحافز لشراء النقد الأجنبي، عبارة عن تحرير غير معلن لسعر الصرف، وهناك من يجزم أن تحرير سعر الدواء سيزيد الأسعار ويخلق قفزة في السوق الموازي للنقد الأجنبي من خلال الزيادة على المعروض، بعدما نفضت الحكومة يدها عن توفير اعتمادات استيراد الدواء، وبعدما سحبت النسبة المخصصة من الصادر لصالح دعم الدواء.
زيادة في التضخم
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان أن سياسة الحافز إذا قدر لها النجاح سوف تزيد التضخم، وربما زادت سعر الدولار في ظل التنافس مع السوق الموازي إذا كان الحافز مقنعاً، وقال لـ(الصيحة) أمس: من الأفضل لبنك السودان المركزي توجيه الحافز للصادر، لان ذلك أفضل للاقتصاد السودانى، حتى يضمن تحريكه، وحتى يضمن خروج السلع الموجودة بالمخازن لسنوات وتوجيهها إلى الصادر، لاعتبار أنها في حاجة إلى الدعم أكثر من حوافز المغتربين.
وكان بنك السودان المركزي قد أعلن – رسمياً – العمل بنظام “الحافز” مجدداً عند شراء النقد الأجنبي من السودانيين العاملين بالخارج، وألغى استقطاع 10% من حصائل الصادرات غير البترولية لصالح استيراد الدواء، وأقر تحويل فوائض مبيعات تذاكر شركات الطيران الأجنبية العاملة بالبلاد.
وبدروه رأى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير أن البنك المركزي يحتاج إلى احتياطي للتحكم في الأسعار حتى يمكنه ضخ عملات حرة، واعتبر في حديثه لـ(الصيحة) أن الحافز المقصود في شراء النقد الأجنبي هو الفرق بين السعر الرسمي والموازي.
عديمة الجدوى
ولفت الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان إلى أن فكرة المركزي لا معنى لها حيث يستورد السودان غالبية سلعه بأموال المغتربين وفقاً لقرار سابق يتعلق بالاستيراد “بدون قيمة”، وقال في حديثه لـ(الصيحة) إن أموال المغتربين جزء من دورة الاقتصاد الحالية. ولذلك لا توجد ضرورة لتحفيز المغتربين طالما هنالك سوق سوداء يعتمد عليها المغتربون والمستوردون. وأضاف: إذا استطاع المركزي تمويل الاستيراد فتصبح الفكرة مبررة من قبل المركزي، لافتاً إلى أن البنك استجاب لدعوات بعض الأصوات التي تنادي بمسألة الحوافز. واعتبر نجاح مسالة الحوافز فى دول مثل الغرب واثيويبا لا تصلح لأن تطبق في السودان باعتبار أن تلك البنوك هي التي تموّل عملية الاستيراد، وقال إن عدم نجاح المسألة نتيجة للعقوبات الاقتصادية التي جعلت البنوك تخرج عن دورها في تمويل الصادر والوارد وتخضع للسوق السوداء. وأضاف: طالما هنالك سوق موازٍ فتصبح الفكرة لا معنى لها خاصة، وأن الأموال المستهدفة جزء من الدورة الاقتصادية.
غير أن المتحدث الرسمي باسم بنك السودان حازم عبد القادر أشار إلى أن فتر تطبيق نظام الحافز كانت من أكثر الأوقات جذباً وحشداً للموارد من السودانيين العاملين بالخارج، وخاصة في العام 2010م وغيرهم، وأضاف: “مبلغ الحافز يجعل أسعار الشراء مجزية ومتطابقة مع أسعار السوق الحر”. بيد أن خبراء اقتصاديين قللوا من الخطوة، وأشاروا إلى أن نظام الحافز ظل يُعمل به في وقت يشهد فيه السودان تعاظماً في الاحتياطي النقدي ببنك السودان المركزي ولذاك استطاع من خلاله التحكم في عمليات الاستيراد والتصدير، إلا أن الفترة الحالية لا توجد مخزونات بالنقد الأجنبي حتى يتحكم المركزي في سوق العملة ويجذب مدخرات.
كما قرر البنك المركزي إلغاء العمل بمنشور حصيلة الصادر وألزم جميع المصدرين بيع حصائل صادراتهم للمصرف المصدر لاستمارة الصادر فقط، وفقاً لأحكام وضوابط المنشور الخاص بحافز استقطاب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج وتشجيع الصادرات.
وأدرج بنك السودان استيراد الأدوية البشرية والبيطرية والمواد الخام لصناعتها وتحويل فوائض مبيعات تذاكر شركات الطيران الأجنبية الناتجة عن بيع التذاكر فقط، ضمن مشتريات البنوك، وسمح بنك السودان للمصارف باستلام تحويلات حصائل الصادرات من بلدان أخرى غير التي يتم التصدير لها في حالة وجود صعوبة في تحويل حصائل الصادرات من البلدان التي تم التصدير لها.
وقال الناطق الرسمي باسم هيئة الطيران المدني الدكتور عبد الحافظ عبد الرحيم لـ(الصيحة) أمس إن إقرار تحويل فوائض مبيعات تذاكر شركات الطيران الأجنبية العاملة بالبلاد من شأنه أن يجذب مزيداً من شركات الطيران أجنبية إلى البلاد، وتوّقع دخول عدد منها خلال الفترة المقبلة.
وكان بنك السودان المركزي قد منع في وقت سابق شركات الطيران الأجنبية من تحويل مبالغها إلى الخارج بالعملة الصعبة، وخاصة بعدما عانى الجنيه العملة من التدهور بفقدان عائدات النفط بسبب انفصال جنوب السودان، بجانب العجز في الميزان التجاري وارتفاع التضخم. وهنا يشير الخبير الاقتصادي الدكتور حسن أحمد طه إلى إن “انفصال الجنوب أفقد السودان 89% من موارد النقد الأجنبي و40% من الإنفاق الحكومي”. وهو ما البلاد تعاني من خلل وعجز في الميزان التجاري حيث واردات الدولة أكثر من صادراتها ما يشكل ضغطاً متواصلاً على سعر صرف الجنيه ويؤدي لانخفاض مستمر لقيمته أمام الدولار. ومعلوم أن أسعار الدولار في السوق الموازي سجلت عدة قفزات منذ أبريل الماضي قبل أن يستقر في حدود 15.80 جنيه عقب الارتفاع الكبير الذي شهده في سبتمبر الماضي بوصوله إلى أكثر من 16 جنيهاً.
الخرطوم: عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة