اقتصادنا.. هل سيواجه كارثة؟

تابعت مسيرة الاقتصاد السوداني عن كثب منذ قرارات التأميم والمصادرة عام 1970 ثم سياسة الدولة الرعوية الاشتراكية التي كانت كالثور في مستنقع الخزف تريد انجاز اكثر الامور استحالة في العالم في وقت واحد هي تنمية اقتصادية ودعم السلع للمواطن والسيطرة على الاقتصاد كانت نتيجتها الحتمية الفشل وبداية الكارثة في اقتصادنا ثم تابعت اقتصادنا في منعطفاته التاريخية منذ قرارات تخفيض الجنيه السوداني المستمر بداية بعام 1979 الذي تقرر فيه الدولار تسعة وسبعين قرشاً بعد أن ظل ثابتاً منذ الاستقلال على ثلاثة وثلاثين قرشاً ثم وقوع اقتصادنا في روشتة صندوق النقد الدولي ومصيدة الديون والاختلال الهيكلي في اقتصادنا داخلياً وخارجياً رغم أن بدأنا نتحول تدريجياً من الاقتصاد الاشتراكي بشكل تدريجي دون أن نتخلى عن الفكر الاشتراكي تحت شعار القطاع العام أولاً كقائد لاقتصادنا وتحولنا نحو المعسكر الغربي والخليجي..

ثم تابعت السياسات والقرارات الاقتصادية التي اتسمت بالتعسف وصلت حد الاعدام في حيازة العملة عام 1990 ثم قرار تبديل العملة بتعسف وتسرع وسياسة التمكين عبر تحكم أهل الولاء على الكفاءة وسيطرة قيادة (التنظيم) ومراكز القوى على القرار الاقتصادي والسياسي معاً فانتهينا الآن الى وضع اقتصادي ومعيشي أراه على شفا حفرة من كارثة محققة بمزيد من الفقر والبطالة والتضخم الجامح والركود والضعف الاقتصادي لبلد غني بموارده وثرواته وموقعه الجيواستراتيجي لن تنقذه القرارات الأخيرة لبنك السودان الذي أرى إن جوهرها تعويم الجنيه السوداني كما حدث في موضوع تسعير الدولار للأدوية عبر السعر الموازي بعد أن تم تعويمه ازاء جميع سلع الاستيراد الأخرى منذ فترة ولعل ذلك يعكس ضعفاً واضحاً في احتياطيات البنك المركزي وفي عدم حصول الدولة على دعومات خارجية كافية خاصة من الدول الخليجية التي نفسها بدأت تعاني بسبب ما يحدث حولها من حروب وفوضى وتدخلات خارجية ضارة بجانب استمرار وتمديد الحصار الامريكي على السودان الذي لن ينتهي كما نسمع إلا بتغيير واضح في الأحوال السياسية بالبلاد الى وضع متقدم ومقبول …ومن منطلق موضوعي دعونى أقول إن قرار التعويم هذا كان لا بد منه لكل تلك الظروف ولكنه جاء في الوقت الخطأ فلقد ظللت وغيري منذ المؤتمر الاقتصادي الأول عام 1990 نقول لا تتعسفوا في قضايا الاقتصاد ودعوا التعامل بالنقد الأجنبي حراً حتى لو وصل مائة جنيه وليس (عشرين جنيهاً!!). وكانت أوضاع دول الخليج حينها جيدة أضعناه بموقفنا الخاطئ في غزو صدام للكويت ثم حصلنا على أموال دولية هائلة مختلفة آخرها عائدات البترول لم نستفيد منها ضاعت بسبب الحروب الأهلية وفي إدارة دولة مترهلة مركزياً وولائياً وصرف بذخي سياسي وغيره لاداعي له البتة!!

المعضلة الكبرى الآن هو فقدان الثقة بين المواطن والسياسات الاقتصادية خاصة أهل الكسب والصنائع وأصحاب الأموال داخل وخارج السودان لا تدخل في شرايين الاقتصاد السودان حيث سادت ظاهرة عدم اليقينية في السلوك الاقتصادي فما هو خارج النظام المصرفي والرسمي أكثر من بداخلها وعدم الثقة ستستمر والأموال تنتظر والبنوك ستعاني خاصة مع استمرار عدم تسديد المالية وبنك السودان لآرباحها أو إعادة الأموال الأصلية فيما عرف بسياسة وعمليات السوق المفتوحة لها اللهم إلا إذا حدث تغيير حقيقي ولعله سياسي وسياسات اقتصادية تقوم على الصدقية والعدالة والكفاء والأمانة وعلى الارادة الحقيقية. الا نفعل ذلك فلن يندهش أحد إذا ساءت الأحوال أكثر وحينها…. حينها لات ساعة مندم.

قولوا حسنا – محجوب عروة
صحيفة الجريدة

Exit mobile version