لا أحد يستطيع أن يحمل الدبلوماسية السودانية مسؤولية تجديد العقوبات الأمريكية والحصار الاقتصادي على السودان والذي يتم تجديده بشكل روتيني سنوياً برغم كل ما نشهده من جدية ورغبة وخطوط تواصل وإنعاش للعلاقات الثنائية بحملة سياسية ودبلوماسية وشعبية ترجو من أمريكا رفع هذه العقوبات الأحادية.
لأن وزير الخارجية غندور لم يقطع بنهاية وشيكة لجهوده أو قرب صدور قرار من جانب أمريكا برفع العقوبات عن السودان، وهذا يشير إلى ارتفاع قدرات ومهارات غندور في التوقع والتنبؤ والتقييم الدقيق لملفه الخارجي وتحديداً ملف علاقات السودان مع الولايات المتحدة.
المشكلة أن جميع وزراء الحكومة وكل مسؤول يزور أمريكا يريد أن يمارس مهام وزير الخارجية أو يرتدي عباءته.. وقد ظهر هذا من خلال تصريحات أطلقها وزير المالية بدر الدين محمود الشهر الماضي بعد عودته من امريكا ومشاركته في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليعلن أن الولايات المتحدة الأمريكية سترفع العقوبات الأمريكية عن السودان في ديسمبر المقبل، تماماً مثلما اعتاد أن يعلن عن كبح جماح الدولار وتخفيض سعره خلال أسبوعين وشهرين.. إلخ..
بدر الدين حتى ولو منح نفسه الحق ليمارس مهام وزير الخارجية دون إذنه فإن ممارسته لهذه المهمة أكدت الآن وبعد أن جددت الولايات المتحدة أمس العقوبات لسنة قادمة أن الرجل لا يتقن أيضاً مهارة التوقع والقدرة على التنبؤ الموضوعي.
وأفشلت الخطوة الأمريكية التي قدمتها السفارة لنا في باقة من زهور الأمل على طريقة (الصفع والتقبيل) أفشلت هذه الخطوة توقعات الكثير من المسؤولين الذين خاضوا في سيرة العقوبات وقدموا توقعاتهم برفعها قريبا.. كذلك أفشلت الخطوة توقعات شخصيات طالما ظلت تكتسب أهمية وجودها تحت الضوء من خلال توقعاتها وتنبؤاتها وتحليلاتها للأمور السياسية الداخلية والخارجية مثل الدكتور حسن مكي الذي كان قد توقع جازماً في يوليو الماضي رفع العقوبات الأمريكية نهاية شهر أكتوبر وقبل موعد الانتخابات الأمريكية وقال إن رفع العقوبات سيتم بموجب مصفوفة الاتفاق الذي وقع بين الحكومة الأمريكية والسودان، وذكر أن المصفوفة نصت على أن تنجز الحكومة بعض الأشياء في مجال الإرهاب والسيطرة على الحدود مع جنوب السودان.
وحسن مكي ليس ملاماً على اجتهاده إن أصاب أو أخطأ مثل اللوم الذي يقع على من يمثل الحكومة بل هو مراقب ومحلل سياسي، يقول ما يقول.. لكن المشكلة في خوض المسؤولين في هذا الملف بشكل ربما لا يخدم الملف أكثر مما يضره حيث أن أمريكا هذه إن لم نقل إنها ستمتلك حجة إضافية على السودان على مستوى مؤسسية الدولة باعتبار أن هناك غيابا للمؤسسية من خلال استقبالها ورصدها لتصريحات وأحاديث من جهات رسمية بشكل عشوائي من كل حدب وصوب وبالتالي فإنها قد تعتقد أن التزامات وزارة الخارجية في حوارها معها لا تتوفر فيها ضمانات للتنفيذ.
هناك وزارة خارجية في السودان يا سادة، وهي الجهة الوحيدة المعنية بمعالجة هذا الملف والمعنية بالحديث الرسمي عن العلاقات الخارجية مع أمريكا أو غير أمريكا، وكما قال غندور قبل أيام في تعليقه على أحاديث وتوقعات حول موعد رفع العقوبات الأمريكية “نحن لا نتحدث عن وعود أمريكية، نتحدث عن علاقات بين بلدين لا تخضع للوعود التي ربما يتراجع عنها من يعد بها”، وأضاف: “نمضي خطوة بخطوة وعندما تظهر النتائج ستعلنها وزارة الخارجية”.
نعتقد أن الاندلاق والارتماء الكامل في حضن السيدة أمريكا بعد رصيد من مخزون الشتم والعداء ليس فقط هو لا يخدم ملف تحسين العلاقات ورفع العقوبات بل يسهم في إطالة أمد العقوبات ويغري صاحب هذا الموقف برفع سقف الحل وتعقيد شروطه واستثمار الرغبة المندلقة تلك بأعلى درجة ممكنة تضمن له أكبر مكاسب وفوائد يمكن أن يقدمها السودان نظير تحقيق حلم رفع العقوبات عنه.
اليوم التالي