تُصنّف ضمن مسببات الأمراض الخبيثة الزيوت المهدرجة.. الخطر يتربص بالجميع

هيئة المواصفات: السودان من أكثر الدول استيرادًا للمهدرجة

خبراء: القضية تحتاج لاهتمام أكثر وجدية من الدولة

الصدمة كانت أكبر من كل التوقعات المتشائمة، فحينما خرّ “أيمن” طالب الهندسة ساقطاً على البساط الأخضر لملعب الكلية التي يدرس بها، رجح كثيرون أنه تأذى من الإجهاد الذي بذله في كرة القدم، خاصة أنه من أصحاب الوزن الثقيل، بينما خمّن آخرون أنه تعرض إلى عملية بلع لسان، لكن التشريح مضى إلى نواحٍ غير تلك التكهنات والتخمينات، فقد ثبت أنه تعرض إلى ارتفاع نسبة الكولسترول، ما قاد إلى ظهور تعقيدات صحية في قلبه، ارتفعت وتيرتها مع المجهود الذي بذله في الرياضة والركض، بل إن الفحوصات المعملية جرّمت الزيوت المهدرجة ووضعتها في خانة القاتل بالاشتراك، ذلك أن “أيمن” دأب على تناول المأكولات والمعجنات ذات الصلة الوثيقة بتلك الزيوت التي انتشرت بصورة كبيرة صنعاً واستخداماً.

وتُعرّف الزيوت المهدرجة بأنها عبارة عن زيوت نباتية تتم إضافة الهيدروجين إليها تحت درجة حرارة عالية، وهو ما يقود إلى تغير صفاتها كلياً، الأمر الذي يتسبب – بصورة كبيرة جداً – في جلب المتاعب والمصاعب الصحية لمن يتناولنها، مثلما حدث مع “أيمن”.

ناقوس الخطر

أخيراً.. دقت هيئة المواصفات والمقاييس ناقوس الخطر الذي ظل يحذر منه عدد من المختصين ويؤكدون ضرورة التفات الجهات الرسمية إليه، والخطر الذي أشار إليه الجميع يتمثل في الأحماض الدهنية المتحولة في الزيوت النباتية المهدرجة. وما زاد من أهمية هذا الأمر أن بعض المختصين حذروا أمس من ظهور زيوت غير صالحة للاستخدام في الأسواق. وهنا نطرح التساؤل لماذا أطلق الجسم الحكومي المسؤول عن ضبط الجودة والمختص بالمعايير والمواصفات نداء التحذير، وفيم تتمثل خطورة هذه الزيوت، وما هي استعمالاتها وكيف يمكن الحد منها، ومن المستفيد من ضرر المواطن السوداني، وهل غاب دور الجهة المسؤولة عنها، وهل يملك المواطن القدرة على محاربة المنتجات التي تصنع بها، خاصة أن هذا الخطر في نظر مختصين يعتبر المتهم الرئيس في تفشي السرطان.

مكمن الخطر

يبدو أن هيئة المواصفات والمقاييس لم تتمكن من السيطرة على انتشار هذه المنتجات، ولمحاربتها رفعت عدة شعارات منها “اعتنِ بنفسك”،”الزيوت النباتية المهدرجة خطر على الصحة العامة”، وبجانب ذلك فقد رفع مختصون درجة التحذير، وأشاروا إلى منتجات تستخدم الزيوت المهدرجة تتمثل في عدد مقدر من السلع الغذائية التي تجد رواجا واسعاً وتسجل نسبة استهلاك مرتفعة، وأبرزها المخبوزات الدسمة مثل الخبز والكيك وغيرها، بالإضافة الى البسكويت والكوكيز، علاوة على المعجنات والفطائر، وجاءت الحلويات والشوكلاتات ضمن القائمة، وغير بعيد عنها كذلك رقائق البطاطس والمقرمشات التي تصنع من الدقيق الأبيض والسكر، بالإضافة الى شرائح البطاطس المقلية والنصف مقلية والمنفخات والمجمدات، ولبن البدرة، ومبيض القهوة، زبدة الفول السوداني، المارجرين، وما يدخل في صناعة اللحوم والمواد التي تستخدم في تغطية الدواجن المقلية، ويشيرون الى احتواء هذه المنتجات على نسبة (50,5%) أحماض دهنية متحولة من النسبة الكلية للدهن المكون للمنتج وهي تختلف من دولة إلى أخرى.

الأحماض الدهنية

وتشير الخبيرة في الزيوت الدكتورة أحلام أحمد إلى أن الأحماض الدهنية تنقسم إلى مشبعة، وغير مشبعة ومتعددة، والأحماض المشبعة هي سلاسل من ذرات كربون ترتبط برابط واحد مع ذرات الهيدرجين التي ترتبط بكل ذرات الكربون في السلسلة، وتكون صلبة في درجة حرارة الغرفة. أما غير المشبعة فتوجد بشكل طبيعي بكميات قليلة في اللحوم ومنتجات الألبان من الحيوانات المجترة، أما الدهون المشبعة الطبيعية فلها تأثير سلبي على صحة الإنسان خاصة على القلب والشرايين، ولكن تأثيرها أقل من تأثير الدهون غير المشبعة المصنعة (المهدرجة).

وتمضي الدكتورة أحلام في حديثها، وتشير إلى أن الدهون الحيوانية جزء أساسي في إنتاج المخبوزات، غير أنها توضح أن فترة صلاحيتها قصيرة، ولها بعض المضار الصحية وإنتاجها قليل، وإنها تمت محاربتها من قبل الكثير من المستهلكين في الدول المتقدمة، وعلى إثر هذا تقول الدكتورة أحلام أن المستهلك لجأ إلى استخدام الدهون النباتية الطبيعية من بعض ثمار الأشجار التي لها فوائد صحية، ولكنها تنتج بكميات قليلة لا تكفي حاجة المستهلك.

صفات الزيوت المهدرجة

وتواصل الدكتورة أحلام شرحها العلمي لأنواع الزيوت، وتشير الى أن الزيوت المهدرجة تتكون من سلسلة كربونية طويلة من ذرات الكربون والهايدروجين وترتبط كل ذرة كربون بذرتي كربون أخرى وذرتي هايدروجين، وتحتوي هذه الزيوت على خليط من الأحماض الدهنية وهي سيز وترانس، وتتميز بسعة تخزينية عالية ومقاومة لدرجة الحرارة أي لها فترة صلاحية عالية ومناسبة لصناعة كل الأطعمة، وتصنع الزيوت المهدرجة بطرق مختلفة وتتصف بميزات متعددة لتلائم كل أنواع صناعة الأطعمة، وتكون صلبة أو شبه صلبة أي روابطها مشبعة أو شبهة مشبعة.

وتقول إن الهدرجة تشبع الروابط المزدوجة غير المشبعة في الزيت وبالتالي تزيد من فترة صلاحيته ومقاومته لظروف الترحيل القاسية فيدخل في صناعة كثير من المنتجات الغذائية، فيزيد فترة صلاحيتها مثال المخبوزات والمعجنات والبسكويتات والكيك والفطائر وزبدة الفول السوداني وغيرها، وتؤدي الهدرجة الى إنتاج دهون ذات روابط مشبعة تقاوم درجات الحرارة العالية لفترة طويلة لذا تستخدم في القلي (التحمير).

مضار الهدرجة

لتنتقل بعد ذلك الدكتورة أحلام أحمد للحديث عن مضار الهدرجة وتضيف: تقضي عملية الهدرجة على الفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة والدهون غير المشبعة وعلى الكيفية الصحية التي تمتلكها الدهون النباتية الطبيعية غير المشبعة في التعامل الصحي مع خلايا الجسم وأنسجته وشرايينه، يضاف غاز الهايدروجين الى الزيوت عند درجة حرارة عالية وضغط مرتفع في وجود عامل مساعد (النيكل أو الحديد) يتكون حمضا سيز وترانس وهما ضاران بالصحة، بالرغم من الدهون الدهون الحيوانية (الألبان واللحوم) تحتوي على الأحماض الدهنية المتحولة ولكنها بنسبة قليلة والجسم تعود عليها، وهي دراسات إنجليزية عام 2006م، ومن الأضرار ايضًا أن الأحماض الدهنية المتحولة في الدهون المهدرجة صناعياً لها مضار صحية منها ارتفاع مستوى كثافة البروتين منخفض الكثافة، وانخفاض مستوى البروتين عالي الكثافة، مما يؤدي الى أمراض القلب والشرايين، وتؤكد أن البحوث أثبتت مضار الأحماض الدهنية المتحولة التي تتكون أثناء عملية هدرجة الزيوت النباتية تؤدي إلى ترسيب الدهون في الجسم وتصلب الشرايين وأمراض القلب والكلى والكبد وغيرها.

تجارب سودانية فاشلة

وحول تجارب السودان مع الزيوت، أشارت الدكتورة أحلام الى إنتاج السمن النباتي من زيت بذرة القطن بطريقة الهدرجة في الشركة العربية للزيوت والدهون النباتية في الستينات، ولكن لم تستمر طويلاً، وقالت:”تم إنتاج السمن النباتي بطريقة الخلط بين المركز القومي لبحوث الأغذية بشمبات وشركة الحبوب الزيتية الخرطوم ولكن لم ينتج صناعياً وهو قيد الانتظار والتجربة، كانت في عام 2003م، وأجري بحث آخر لإنتاج المارجرين بطريقة الخلط بالمركز القومي لبحوث الأغذية أعطى نتائج طيبة .

توصيات وقوانين

وأوصت الخبيرة الدكتورة أحلام أحمد بضرورة تدارس وتفاكر أصحاب القرار حول الأحماض الدهنية المتحولة الضارة حتى يتمكنوا من إصدار قرار حاسم فيها فضلاً عن أننا مستوردون ولسنا مصنعين، ويجب عدم الإفراط في الأكل وتجنب الأغذية غير الطبيعية أي المصنعة خاصة الدهون، ويجب على الأمهات الاهتمام بتغذية أبنائهن وتجنب الوجبات الجاهزة، وعلى كل شخص مراجعة الديباجة الموضوعة على عبوة الأغذية للتأكد من المكونات وفترة الصلاحية، وعلى الموردين والتجار اختيار المواد الغذائية بمقاييس ومعايير ذات جودة وسلامة عالية حتى يقدموا للمستهلك غذاء سليما وآمناً ليتحقق لهم الرزق الحلال.

آثار صحية قاتلة

وهنا يبرز السؤال: ما هي أضرار هذه الزيوت، الإجابة جاءت على لسان الخبير في مجال الزيوت والأغذية الدكتور تاج السر محمد سليمان الذي أشار إلى أنه ومن خلال الدراسات، فقد تبين أن للأحماض الدهنية المتحولة أثراً صحياً سالباً على الإنسان خاصة المرتبطة بأمراض القلب، وقال إن بعض الدول عملت على تحديد نسب الأحماض الدهنية المتحولة المسموح بها في الغذاء، وقال إن من الدول التي أوقفت تواجد الأحماض منها الدنمارك عام 2003م وسويسرا عام 2008م، وولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة أوقفتها عام 2005م.

معرفة متأخرة

من ناحيته أشار عدنان قاسم الدومة عضو اللجنة الفنية للزيوت والدهون، الى أن الأحماض الدهنية المتحولة صناعياً لم تعرف إلا بعد بدء هدرجة الزيوت النباتية في مطلع القرن الماضي في الولايات المتحدة وبريطانيا، ولفت إلى أن ما تم إنتاجه أول دهن مهدرج (من زيت بذرة القطن) وهو دهن جامد تم تسويقه تجارياً باسم كريسكو ومن ثم انفتح الطريق لإنتاج أنواع عدة من الدهون المهدرجة كالسمن النباتي، تتميز الدهون المهدرجة بمختلف أنواعها بفترة صلاحية أطول من الزيوت النباتية والدهون الحيوانية، مشيراً إلى أنها تسمح بفترة تخزين أطول لتقليلها من عملية التأكسد والتزنخ، وتمتاز بدرجة انصهار عالية وتتحمل التسخين في درجات حرارة عالية لفترة أطول من الزيوت والدهون العادية مما يجعل تلك الدهون المهدرجة مثالية في عمليات القلي (التحمير). منوهًا الى أن هدرجة الزيت ليست كبيرة مقارنة بشراء نفس الكمية من الدهون الحيوانية .

دراسة أمريكية

أثبتت دراسة قامت بها جامعة هارفارد بالولايات المتحدة عام 1993م أثر الزيوت المهدرجة على صحة الإنسان وتؤدي الى ازدياد أمراض القلب عند مستهلكي الدهون المهدرجة، وأجمعت دراسات أخرى قامت بها الهيئات ومراكز البحوث العلمية المعنية بصحة الإنسان في أوربا وأمريكا على أن المضار الأساسية للأحماض الدهنية المتحولة تتمثل في زيادة الكلسترول غير الحميد وخفض نسبة الكلسترول الحميد، والإصابة بمرض تصلب الشرايين وظهور ترسبات الكلسترول في الشرايين يؤدي إلى انسدادها وبالتالي إلى أمراض شرايين القلب والسكتة الدماغية، وتؤجد إشارات الى علاقة تلك الأحماض الدهنية بأمراض السرطان والسكري واختلال وظائف الكبد، وتجرى الآن دراسات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا عن علاقة الأحماض الدهنية بالعقم.

ويؤكد عدنان قاسم الدومة أن كل البحوث والدراسات التي أجريت حول الأحماض الدهنية المتحولة لم تثبت أن لتلك الدهون فائدة صحية أو غذائية للإنسان مما قوى حجة المنادين بعدم السماح بوجودها(الدهون المتحولة الناتجة عن عملية الهدرجة) في الغذاء إطلاقاً.

افتقاد القانون

ومضى الدكتور عدنان الدومة في تشخيصه لهذه القضية، مشيراً إلى أن السودان لم يصدر حتى الآن قانوناً يحدد الحدود القصوى للأحماض الدهنية المتحولة في الطعام، ويكشف عن أن الجهد الوحيد الذي بذل هو قرارات الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس بعدم مطابقة المنتجات التي تدخل في مكوناتها الدهون المهدرجة للمواصفات السودانية، واستندت الهيئة في ذلك إلى توصية اللجنة الفنية للزيوت والدهون التابعة لها بحظر استخدام الزيوت المهدرجة كالسمن النباتي أو الدهن النباتي الجامد (شورتنينج) الذي يستخدم في صناعة البسكويت والمخبوزات خاصة، وأوصت اللجنة المختصة بهيئة المواصفات والمقاييس باستعمال السمن النباتي والدهن النباتي المصنع بطريقة خلط الزيت النباتي مع دهن الاستيرين بدلاً عن الدهون. وأردف: المثير للدهشة أن السودان لا يصنع الدهون المهدرجة، فهو يستورد كل ما يحتاجه منها كالسمن النباتي والمارجرين والشورتنينق، وبالتالي ليست هناك صناعة هدرجة زيوت تحتاج للرعاية سواء بالسماح بالإنتاج أو إعطاء المصنعين فترة سماح قبل منع إنتاجها، أما الجانب الأهم طالما أنه ثبت ضرر الأحماض الدهنية المتحولة على صحة الإنسان فليس هناك مبرر لاستيرادها وتعريض المستهلك السوداني لأية مخاطر صحية خاصة وأن البديل الخالي من تلك الآثار وهو مخلوط الزيت النباتي مع الاستيرين متوفر عالمياً،وأوصى عدنان الدومة بأن تصدر الجهات المختصة قانوناً أو لائحة لها نفاذ القانون بمنع استيراد الزيوت والدهون المهدرجة والأغذية التي تحتوي عليها أو تصنيع أغذية تحتوي على زيوت نباتية.

52 لجنة فنية

بدورها، أكدت مدير إدارة المواصفات القياسية سناء زين العابدين،أن تنظيم ورشة خصيصاً بهدف إلقاء الضوء على خطورة الزيوت المهدرجة فإن هدفها رفع الوعي والاستفادة من النقاش المثمر، وقالت إن إدارة المواصفات القياسية تدير أعمالها عن طريق 52 لجنة فنية مختصة في هذا المجال، لافتة إلى أن اللجنة الفنية أصدرت العديد من القرارات التي تصب في هذا الإطار مثل قرار الدهون النباتية المصنعة.

اعتراف وتأكيد

وأكد نائب المدير العام لهيئة المواصفات والمقاييس زكريا محمد أن ملاحظات الخبراء في هذا الجانب ستجد كامل الاهتمام، وقال خلال ورشة أقامتها الهيئة عن الزيوت المهدرجة أن السودان يعتبر من أكثر الدول المستهلكة للزيوت المهدرجة، كاشفا عن توصلهم إلى خطورة الزيوت المستوردة وعن ضرورة حماية المواطن منها، وأشار إلى سعي السودان إلى الانضمام لمنظمة الفوسفا العالمية التي تنشط في حماية المواطن صحياً.

الخرطوم: أحمد سعيد المصيرف
صحيفة الصيحة

Exit mobile version