بذكاء سياسي كبير ومعرفة بطبيعة شخصية الإمام الصادق المهدي السياسية أجرى دكتور غازي صلاح الدين اتصاله الاستباقي مع الصادق المهدي قبل وصوله إلى البلاد.
غازي الذي كان قد وقع اتفاقاً مفاجئاًمع الصادق في القاهرة قبل شهور يعرف أن مواقف الصادق المهدي في الآونة الأخيرة بها الكثير من الصلصالية والقابلية للتحول والتغيير جزئياً أو كلياً.
غازي أيضاً يعرف أن مواقف الصادق تتأثر بمزاج وأجواء المكان فقرر تعزيز اتفاقه السابق مع الإمام في القاهرة من خلال هذه المهاتفة الذكية في وقت كانت فيه وسائل التواصل ومجموعات الوات ساب تتبادل تعليقاً ساخراً لا يخلو من الطرافة الغليظة الجارحة أطلقه الدكتور أمين حسن عمر في الإجابة عن سؤال تلفزيوني من الزميلة لينا يعقوب في قناة الشروق حول استعداد المؤتمر الوطني لعودة الصادق المهدي فقال: “يعني نغني ليهو طلع البدر علينا؟”..!
هذا التعليق الجاف لم يكن مناسباً أو متسقاً مع خطوط التواصل التي ظل يحرص المؤتمر الوطني على مدها وتنشيطها في التعامل مع حالة الصادق المهدي وبشكل استثنائي برغم كل ما يحتفظ به الصادق من مواقف تجاه النظام وبرغم كل تحالفاته الخارجية وحركته التي من المفترض أن تكون مزعجة للمؤتمر الوطني لكن الحزب الحاكم والحكومة لا يزالون يعتبرون أن استعادة موقف الصادق المهدي للحوار وللخانة الأقرب إليهم من خانة الشعبية وحملة السلاح سيكون مكسباً كبيراً. وبذلك تكون عبارة دكتور أمين ناشزة لو كانت تعبر عن موقفه هو فقط ومفاجئة لو كانت تعبر عن موقف الحزب الحاكم.
نعم لن تغنوا للصادق المهدي طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. لكن كان من الممكن استحسان عودة هذا المعارض السياسي إلى البلاد.. لأن معارضته من الداخل في حد ذاتها خطوة كبيرة في اتجاه تصحيح مسار موقفه المتقارب مع كتلة التمرد وحاملي السلاح.
قرار الصادق المهدي بالعودة لأم درمان وممارسة نشاطه المعارض من الداخل كان يستحق لغة ترحيب أفضل من تلك التي تحدث بها دكتور أمين حسن عمر.
لأن وضعية الصادق حتى هذه اللحظة خارج حسابات التسوية والمشاركة في السلطة وبالتالي لا داعي لأن يكون الخطاب معه خطاباً تكتيكياً يثير المغالطة حول الحجم والوزن والتأثير وأهمية العودة من خلال عبارة دكتور أمين حسن عمر.
بل وضعيته الآن وضعية تحييد مطلوب لموقف رجل سياسي من الوزن الثقيل تحول موقفه بعد بداية الحوار تحولاً حرجاً من أقصى يمين الحوار الى أبعد نقاط الحدة في الموقف والتحالف مع حملة السلاح.
(طلع البدر علينا) – مجازاً وليس مقاربة أو مقارنة بأصلها التاريخي – هذه العبارة هي لسان حال السياسي الذكي دكتور غازي صلاح الدين الذي هاتف الإمام لتعزيز وتأكيد حجزه المسبق له عبر بوابة دخول غير تلك التي يفترض تفتحها الحكومة له على (الهاي وي) المؤدي إلى قاعة الصداقة.
اليوم التالي