صديقي (المندعر) عادل الباز يبدو أنه لا يزال يحمل في نفسه كثيراً من الموْجدة جرَّاء خلافنا حول بعض القضايا السياسية والاقتصادية، كان آخرها معركته الخاسرة في الدفاع عن أيلولة (كنار) لأصدقائه وأصدقائي في شركة (زين) التي دافع عنها بالحق والباطل بأكثر مما دافعت به عن نفسها ولم أعرف حتى الآن ذلك السر (الباتع) الذي حمله على ذلك رغم إحساني الظن به.
في آخر (غزواته) شن الباز عليَّ حملة مضرية استخدم فيها كل أسلحة الدمار الشامل بما فيها الكيمائي والجرثومي، ولست أدري لماذا كل ذلك يا صديقي فهل تظنني من اتخذ قرار أيلولة (كنار) كما ظننت سابقاً ولاحقاً أني (أنا) الذي فصل الجنوب الذي لا أزال أحمد الله تعالى أنه ذهب إلى حال سبيله مُنْهياً نصف قرن من الدماء والدموع التي أرقناها بلا فائدة.
أودُّ أولاً أن أسأل في ردِّي على اتهامات الباز: هل أنا يا عادل الذي شق الإنتباهة أم أن مؤامرة حيكت بليل ممن وثقت بهم وشاطرتهم (الملح والملاح) لينتزعوها مني؟، لماذا سكتّ عن قول الحقيقة التي تعلمها مما حكمَت به المحاكم حتى العليا ولماذا تزوِّر الحقائق رغم علمك أنه (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ؟.
ثم قال الباز إن “منبر السلام العادل” تعرَّض لانشقاقات (متعدِّدة) حمَّلني مسؤوليتها، وأدعوه لأن (نتباهل) فنجعل لعنة الله على الكاذبين.. هل هناك حزب واحد موجود اليوم انشق عن “منبر السلام العادل”؟ أتحداه أن يقول لي اسمه إن استطاع.. نعم، لقد جرت محاولات لشقِّ الحزب الذي كان قبل المؤامرة التي سلبته صحيفته المموِّلة لأنشطته يعالج المرضى مجاناً في شتى أنحاء السودان بأيام صحية مشهودة ويُعلِّم (بتشديد اللام وكسرها) الأمِّيين ويفعل الخير كأول حزب سياسي سوداني يفعل ذلك ولا يزال “المنبر” متماسكاً وموحَّداً، لكن الباز يهرف بذلك القول عني وعن “المنبر” رغم علمه أن معظم الأحزاب والحركات الأخرى تشظَّت إلى عدد من الأحزاب ولكن متى كانت عين السخط تُبدي غير المساوئ حتى إن لم توجد مساوئ؟.!
ما حدث في “تحالف قوى المستقبل للتغيير” لو قرأه الباز بغير عين السخط والكراهية لربما كتب شيئاً مغايراً ولكن متى كانت عين السخط تحكم بالعدل والحق؟، أقول ذلك لأن (المكجِّنك في الضلمة يحدر لك). كما يقول المثل الشعبي المُعبِّر.
ربما يعلم الباز أن خروجي عن المؤتمر الوطني سببه أني جهرت برأيي حول مشكلة الجنوب مطالباً بطرح الانفصال كحل لمشكلة عطَّلت مسيرة السودان طوال نصف قرن من الزمان وقتلت أبناءه ودمَّرت منشآته وقلت إن كثيراً من الدول اختارت ذلك الحل بدون أن تُراق فيها قطرة دم واحدة فإذا بأمين عام المؤتمر الوطني وقتها، د. إبراهيم أحمد عمر، يخيِّرني بين الصمت عن طرح آرائي أو مغادرة الحزب فاخترت الانتصار لرأيي بعد أن قلت لإبراهيم إن الله لم يمنع من يخرج على دينه من أن يتخذ ذلك القرار الخاطئ الذي سيعاقب عليه يوم الحساب وإن الله تعالى قال في محكم تنزيله: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ). فكيف تكرهوني على ما هو دون الدين ولماذا تحرمونني وتحرمون المجتمع السوداني من رأيٍ قد يكون فيه حل لمشكلة السودان المزمنة؟.
يا عادل.. ليتك لو نظرت بعين الرضا ولو لمرة واحدة في حياتك لتشهد أنّي كنت آخر من وقف في قاعة الصداقة وحيداً ليرفض أمام “شورى المؤتمر الوطني” انشقاق الحركة الإسلامية والوطني في جلسة رأَسَها د.عبد الرحيم علي، وليقول أمام الصامتين جميعاً .. تجنبوا الانشقاق.. وفي اليوم التالي لذلك القرار الكارثي نشأ المؤتمر الشعبي منشقاً عن المؤتمر الوطني لتبدأ فترة الانحدار الكبرى في مسيرة الإنقاذ.
يا عادل.. ليتك لو شهدت بالحق لتتحدث عن رفضي لـ”مذكرة العشرة” ولبيان “الرابع من رمضان” الذي سعيْتُ فيه بين منزلَيْ الرئيس وشيخ الترابي في ذلك اليوم الذي تشاجرتُ فيه مع الرجليْن ورفعت صوتي في وجهيْهما، وليتك ترجع لعلي الحاج ولمصطفى عثمان إسماعيل ولعلي محمد عثمان يس ولحسن فضل المولى الذي طلبت منه عدم بث “بيان الرابع من رمضان” حيث كنت وقتها مديراً للتلفزيون.
الطيب مصطفى، يا عادل الباز، لا يدعو إلى الشقاق وليتك لو علمت بما جرى في “تحالف قوى المستقبل” وسعيي إلى الحفاظ على وحدة التحالف وليتك لو علمت أن قرار إسقاط عضويتي من المجموعة الأخرى سبق المؤتمر الصحافي الذي أقمته مع الأعضاء الآخرين الذين رعوا العهد الموقَّع مع اللجنة التنسيقية العليا للحوار ووقعوا الوثيقة الوطنية وانخرطوا في المؤتمر العام لكي يعملوا مع القوى الأخرى من أجل مشروع وطني ديمقراطي يُنهي الاحتراب ويحقق السلام وينقل السودان إلى مربع جديد من التراضي والتوافق الوطني ولولا ضيق المساحة لاستفضت وربما أعود إن كان في العمر بقية.
أكثر ما يشق عليَّ ويحرجني هو الحديث عن نفسي ولكن ماذا أفعل عندما أُرمى بالشنآن من المبغضين وبأحاديث الإفك ممن كنت أحسبهم من المحبين؟!.
لو صدق عادل لتحدث عن مسيرتي في (سونا) والتلفزيون والهيئة القومية للاتصالات.. كيف كان حال العاملين في تلك الهيئات خلال تلك الفترات من حيث الرضا والاستقرار الوظيفي؟ ولو أراد لسأل عمَّن كان ولا يزال يجمع قادة الصحف للتوافق حول ما ينفعهم ويحل مشكلات الصحافة ولو أنصف لسأل لماذا نجحت (الانتباهة) ثم (الصيحة)؟!.
بإمكاني أن أفيض حول سيرتي السياسية والتنظيمية التي سعى كثيرون لتدميرها فقد كنت أعلم حين (اتحزَّمْت واتلزَّمْت) للجهر برأيي حول قضية الجنوب، أنني مقبل على تحدٍّ يحتاج إلى شجاعة نادرة وقد واجهت من حملات التشهير والتجنِّي، خاصة خلال الفترة الانتقالية من الحركة الشعبية، ما كنت أتوقع بل أكثر، ولكن يؤذيني البُهتان من أمثال عادل الذي لولا علاقة امتدت مُذْ كان عضواً في مجلس إدارة التلفزيون وهو لمَّا يبلغ الثلاثين من العمر لشكوت ظلمه إلى الله ولكني لن أفعل.
أما ما أدهش الباز حول نصحي لقيادات الجنوب بفصل أعالي النيل فلا أرى فيه ما رآه فقد كان الجنوب جزءاً من السودان وكنت أقول من قديم إن الجنوب لن ينعم بالاستقرار بعد الانفصال وهذا ما تؤكده أحداث الجنوب الذي لا تجمع بين مكوناته القبلية المتشاكسة هوية مشتركة وهذا أمر يطول شرحه، وكما ثبتت صحة دعوتي حول حل الانفصال الذي أوقف الحرب بين الدولتين فإن الأيام كفيلة بإثبات ما قلته حول حل مشكلة الحرب في تلك الدولة الفاشلة.
صحيفة الصيحة