بعثت زوجة برسالة مؤثرة إلى زوجها، بعد عامين من انتقالها إلى عش الزوجية بمنزل أسرة الزوج، الذي بدأت فيه علاقتها جيدة مع أسرته، باستثناء شقيقاته ووالدته، ومع هذا وذاك ظل الزوج يولي ما يسمعه من بعض أهله اهتماماً بالغاً، مما ترك تأثيره السالب على نفسيات الزوجة، لتبدأ علي خلفية ذلك تدب الإشكاليات بينهما، بالرغم من أنه لم يمر على إتمام مراسم الزفاف سوى بضعة أشهر، ومع مرور الأيام والأشهر تصاعدت حدة الخلافات وأخذت أشكالاً والواناً ومنحنيات ومتعرجات، لم تكن تتوقعها الزوجة الصابرة علي الإبتلاء والإذلال، الذي وصل بها إلى مرحلة أن الزوج يأمرها بأن تخدم والدته وشقيقاته المتزوجات وبناتهن، وكانت الزوجة تتفادى أي اصطدام بهن من خلال تنفيذ كل ما يطلبه منها، هكذا ظلت تعمل نهاراً ليلاً دون كلل أو ملل وكأنه تزوجها لتكن (شغالة)، إلى جانب أن خصوصياتها منتهكة من جميع أفراد أسرة زوجها، وبالاستمرار على هذا النحو بدأ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺯﻭﺟﻬﺎ في التلاشي، فلم يكن أمامها، سوى أن تطلب من زوجها الاستماع إلى شكواها، وعندما فعلت رفض رفضاً باتاً، مما حدا بها أن تفكر في طريقة توصل بها ما يعتمل في دواخلها، فلجأت إلى كتابة رﺳﺎﻟﺔ كما يلي :-
إلى زوجي الحبيب، ها أنا أكتب لك بالرغم من أننا نسكن تحت سقف واحد، ها أنا أكتب لك بعد سنتين من الزواج، عسى ولعل تقع هذه الرسالة في يدك، وتقرأ القصة الرائعة، التي رأيت أن تشاركني فيها، خاصة وأنني خنقتني العبرة، عندما إنتهيت من قرأتها.
وتعود وقائع القصة التي تحمل بين طياتها دروس وعبر، إلى أن هنالك شابة على قدر من الجمال والاتزان والعلم والتدين والثقافة، ومن ﺃﺳﺮﺓ تمتلك الثروة والعلم، هذه الشابة اشترطت أن يكون ﺷﺮﻳﻚ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﻠﺘﺰﻣﺎً في حياته، بعد أن تقدم لها من لم يتوفر فيهم ذلك الشرط، مما حدا بها أن ترفضهم جميعاً، وظلت هكذا إلى أن تقدم لها شاباً رأت أنه الأفضل، فوافقت عليه، وبالمقابل سأل أهلها عنه وأسرته، فوجدوا أن الشاب ممتاز، إلا أن أسرته فيها البعض سيئاً، فتم أخبارها بما توصلوا له، إلا أنها ﻟﻢ ﺗﺄﺑﻪ بذلك على أساس أن شرطها لمن يرغب في الزواج منها وليس أسرته.
واسترسلت : عندما ازفت ساعة عقد القران، جاء إليهم أهله في منزلهم، فاتضح أن لديه أربع شقيقات متزوجات، يبدو على وجوههن عدم الرضا، نسبة إلى أن شقيقهم فرضها عليهن فرضاً، أي أنه لم يشاورهن قبل الإقدام على هذه الخطوة، وطوال فترة الخطوبة لم يكن حريصاً على أن يعرفها بأسرته، ويتواصل معها ومع أفراد أسرتها بالزيارات والإتصالات الهاتفية، ويعبر لها عن حبه العميق، مؤكداً أنها حلم حياته، الذي ظل يبحث عنه كثيراً إلى أن ﺗﺤﻘﻖ، وهكذا احبا بعضهما، وحينما قطعا موعد حفل الزفاف، طلبت منه أن تكون مراسم الزواج محصورة في نطاق عائلته وعائلتها، إذ أنها لم تكن تريد أن تنهك ميزانيته بالصرف على عادات وتقاليد لا تتوافق مع فكرها، فما كان منه إلا ورحب بالفكرة.
وفي الزمان والمكان المحددين جاءت عائلتها وعائلته، والأخيرة عبرت صراحة عن تزمرها من مستوي الحفل الذي كان متواضعاً، فقالوا للعريس : (إن هذا الحفل لايليق بك أو بمكانتك، وكان يفترض أن يكون زواجك مشهوداً، فأنت شاب وسيم وكل شابة تتمنى أن تكون فارس أحلامها)، إلى غير ذلك من الكلام الذي سمموا به الأجواء الفرائحية، مما سبب ذلك جرحاً غائراً للزوجة الحديثة، فيما حاول هو أن يخفف عليها، فقال لها مبتسماً : (فرحتي بالزواج منك لا تعادلها أي فرحة، والأهم ثم الأهم هو أننا متوافقان، وبلا شك التوافق هو سر السعادة الزوجية)، فخرجت العروس بتلك الكلمات من (التنشنة)، ثم خرجا من صالة الأفراح إلى إحدى الدول السياحية لقضاء شهر العسل، ثم عادا منها إلى منزل أسرته، الذي بدأت فيه شقيقاته إساءة إستقبال زوجته، فحاول تجاوز ذلك بجمع أفراد أسرته على مأدبة عشاء يرمي من ورائها إلى أن تتأقلم عروسه مع أسرته وتتعرف عليهم عن قرب، إلا أنه وللأسف الشديد واصلن شقيقاته حديثهن الجارح بقولهن : (هل تصدق أن أهلنا عندما شاهدوا زوجتك، قالوا إنها لا تستحق أن تكون زوجتك، لأنك أحسن منها بكثير)، فرد عليهن متسائلاً : هل زوجتي (مها) ليست جميلة في نظركن، وبما أنها كانت على قدر من الجمال لم يستطعن الرد، فقال لزوجته : لا تهتمي بما يقلن، فإنها نفس الطريقة التي طلقن بها زوجة شقيقي الأكبر، إلا أنهن هذه المرة لن ينالن مرادهن، ما قادهن للبحث عن طرائق أخرى، كاستفزازها للوقوع في الخطأ، إلا أن هذا الأسلوب لم يجدي معها نفعاً، مما حدا بهن أن يحاولن تشويه سمعتها، بأنها تتواصل عبر (الواتساب) مع أشخاص أغراب، وعلى هذا النحو واصلن الطرق على إذن شقيقهن إلى أن تمكّن من إقناعه، بعد أن انحازت إليهن والدتهن، التي ﺃﺟﺒﺮت الزوجة على خدمتها إلى جانب العيش مع أسرته خلق سلسلة من الإشكاليات، التي سببها تدخل الشقيقات في شئون شقيقهن وزوجته، لدرجة أنه أصبح يشاركهن في إظهار عيوبها، ويتجنب الالتقاء بها، كلما كان متواجداً في المنزل، الذي ما أن تطأ قدمها أرضه، إلا ويبدأ في صرف التعليمات، ومن ثم ينصرف عنها بتصفح النت و(الفيس بوك) و(الواتساب)، بالإضافة إلى أنه يقضي وقتاً طويلاً خارج المنزل، وحينما يعود إليه يتحاشي الجلوس معها ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻬﻤﺎ، وإذا دخل إليها يفعل لأخذ ملابسه، أو أن يأمرها بتنفذ طلبات والدته، وهكذا أصبحت الزوجة عبارة عن (شغالة) في منزل الأسرة، الذي لم تحظى فيه بالخصوصية أو أن تكون سعيدة في حياتها، وحتى الحب الذي كان بينها وزوجها قبل الزواج ﺃﺧﺬ ﻳﺘﻼﺷﻰ، فلم تعد تشعر أنه حريص على أن تكون سعيدة.
وعندما لم تحتمل استمرارية ذلك الواقع، اضطرت إلى أن تناقشه بعد عامين، إلا أنه رفض أن يستمع إليها، أو ماذا تود أن تقول، وخوفاً من نظرة المجتمع قالت في غرارة نفسها أن تصبر، إلا أنه ورغم صبرها استمر الحال على ما هو عليه، وكلما مر عليها يوم ازداد الجفاء والحرمان، ما دفعها إلى أن تكتب هذه الرسالة.
إلى زﻭﺟﻲ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ لابد أن تعرف أنني ﺃﺣﺒﺒﺘﻚ ﺣﺒﺎً ﻋﻈﻴﻤﺎً، لم أحبه أي إنسان على وجه هذه البسيطة، كما أن قلبي تعلق بك تعلقاً لا تحده أي حدود، وأن حياتي أضحت بدونك مستحيلة، لذا وبالرغم مما يجري معي، لا أريد إلا أن أكون إلى جنبك، فلا تندهش أو تستغرب، إذا قلت لك أنني كلما وجدتك أمامى أشم رائحتك.
زوجي الحبيب لقد أصبحت حبيسة ﺣﺒﻚ، الذي لم أعد قادرة على الخروج منه مدى الحياة، لدرجة أنني كلما نظرت إلى باب الشارع ينتابني الخوف من الخروج، فأنا لا أريد أن أفعل فقط أرغب في البقاء حبيسة حبك، بالرغم من كل العذاب، إلا أنه جميل في دواخلي.
زوجي الحبيب أن حبي لك، حب ذو طعم آخر، فأنا لم أعرف معنى الحب في حياتي، إلا معك، وعندما كن صديقاتي يروين لي قصص عن علاقاتهن وارتباطهن بمن يحببن، كنت اسأل نفسي هل سأكون في يوم من الأيام مثلهن، ولم أجد إجابة شافية، إلا عندما طرقت أنت بابي، ومنذ ذلك اليوم تعمق حبك في دواخلي، فأنت فارس أحلامي الذي كبر في عيني، وسيطر على قلبي وعقلي، فلم أعد أفكر في غيرك.
زوجي الحبيب ستظل خالداً في مخيلتي أتأمل فيك وأنت تبحر في دواخلي.
زوجي الحبيب أنتظرك كل مساء لتدخل علىّ، وحينما تفعل ينتابني إحساس ممزوجاً بالخوف والرهبة والحزن والفرح والنشوة والسعادة، لا تسألني كيف عشت كل تلك التناقضات.
زوجي الحبيب دعنا نقلب الصفحة بكل ما تحتويه من ألم وحزن وجراح ومرارات، ولنبدأ من اليوم وصاعداً صفحة جديدة من حياة مليئة بالحب والسعادة ونستعيد الثقة في حبنا الذي تلاشي مع تلك الأيام، وأن لا نبدد ما رسمناه من أحلام وأماني.
زوجي الحبيب بل أنت كل الحب لا بل أنت عمري لا بل أنت كل حياتي، لا بل أنت روحي، ها أنا أكتب لك بعد أن رفضت الإستماع اليّ، فأنت اتعبتني تعباً شديداً، فلا تدعني أمل الحب ومع هذا وذاك لم أذق طعماً له، لا تدعني أكرهه ، لا تدعني أخاف منه، فأنا لم أشعر به قبلاً، فما أصعب أن تحس هذا الإحساس القاسي، لذا أرجو أن لا تغضب مني، إذا قلت صراحة أن الحب الذي أتحدث عنه حب من طرف واحد، حب قادني مباشرة إلى أن ﺃﺷﻚ في حبك لي ، نعم أشك وفي نفس الوقت أشعر أنه (ﺧﺪﻋﺔ)، اوصلتني إليها تصرفاتك، والا ماذا اسمي تجاوزك لي منذ أن خرجنا من صالة الأفراح في تلك الليلة التي أذكر كل تفاصيلها وماذا قلت عندما هاجمني شقيقاتك، فبماذا أفسر عدم اهتمامك، السؤال الذي يفرض نفسه لماذا، أليس في صمتك هذا ما يدعني أفكر على هذا النحو السالب، أليس في ذلك إهانة.
زوجي الحبيب ارجو أن تجيب على تساؤلاتي خاصة وأنك على مدى سنتين تتجاهلني وتتجنب الالتقاء بي، وعندما تضطر إلى الجلوس معي احس بنفسي إنسانة بلا قيمة أو فائدة، وغيرها من الأحاسيس التي تشير إلى أنني لست موجودة، فأنت تحاول جاهداً إسعاد أسرتك على حساب مشاعري أنا زوجتك لماذا.. ثم لماذا. زوجي الحبيب كل ما أطلبه منك بعد المدة التي قضيتها معك وأسرتك ومازلت أن تعطيني مبرراً واحداً يجعلك تتعامل معي بهذه الصورة، ألم تحس بما أعانيه، ألم تشعر أنني إنسانة من لحم ودم.. إنسانة أحس وأشعر، أم أنك أدمنت أرضاء أهلك على حساب زوجتك المسكينة، وإذا كنت تعتقد أنك تمضي في الإتجاه الصحيح، فأنت مخطئ، ولكن في نهاية المطاف أنت حر في تحديد كيفية تعاملك مع الآخرين، إلا أنك بأي حال من الأحوال ليس حراً في أن تجرح مشاعري باستقلال حبي لك، والاجدي بك أن تتعامل معي على أساس إنني إنسانة أحببتها وتزوجتها، إلا أنها بمرور الأيام أصبحت إنسانة غريبة، فارحم عزيز قوم ذل في عش زوجيتك، أرحم إنسانة مظلومه ظلم الحسن والحسين.. مظلومه منك ومن أسرتك، ظلم أسرتك احتملته من أجلك، فأرجو أن تعاملني بقدر حبي لك، عاملني كرجل أحببت فيه الشهامة والمروءة، وأن لم تعاملني كزوجتك، فأرجو أن تعاملني كإنسانة غريبة عاشت معك في منزل أسرتك، فهل تصدق أن صبري نابع من انني أعرف أنك رجل واعي ومدرك، لذلك لن أتدخل في النهج الذي اخططه لحياتك، فهي ملك لك، وحياتي ملك لي بعد أن تقرر في كيفية استمرارية الحياة الزوجية بيني وبينك، ولولا نظرة المجتمع لطلبت منك الإنفصال، لأن عيشي معك تحت سقف واحد أصبح مستحيلاً في ظل الظروف المحيطة بي من كل حدب وصوب، فأنا في المقام الأول والأخير إنسانة تبحث عن حياة زوجية مليئة بالدفء والحنان والرحمة والمودة.. حياة خالية من إشكالية يختلقها أهلك حتى تطلقني، لذا أرجوك.. أرجوك أن تتقي في الله سبحانه وتعالي، وحررني من الاذلال الذي أتعرض له منك وشقيقاتك، إني لم أعد أحتمل العيش بهذه الطريقة.
زوجي الحبيب الشئ المهم، هو انني اعيش حياة بلا طعم بلا لون بلا رائحة حياة لم أألفها من قبل.. حياة ليس فيها طريقاً واحداً ممهداً للسعادة.. هكذا أعيش في دوامة بلا نهاية.. بلا أمل في واقع جديد.
زوجي الحبيب كلما فكرت في طريقة تعاملك اكتشف إنني إنسانة تائة.. إنسانة بلا مستقبل.. وبالتالي لم أعد قادرة على أن افرق بين قبولك لي كزوجة أو رفضك.
زوجي الحبيب كل ما أرجوه منك، هو أن تفكر تفكيراً جيداً في رسالتي هذه وتقرر بعدها، ماذا تريد مني، وتأكد أنني سأقبل بقرارك مهما كان قاسياً علىّ، فأنا وبالرغم مما كتبته لك في هذه الرسالة، إلا إنني مازلت أحلم بالاستمرارية معك واوهم نفسي بأن كل ما حدث مجرد سحابة صيف وستعدي، لذا مازلت أحلم بأن أنجب منك طفلا اطوقه بحبي وحناني، وإذا خدشت مشاعرك بأي كلمة في هذه الرسالة ارجو أن تجد لي العذر، فأنا اعتبرت نفسي جزء من حياتك وعاشقة مجروحة.
وماذا حدث حينما وقعت الرسالة في يد الزوج تأثر جداً ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮﺃ رسالة زوجته، بدأ في التغير تدرجياً بأن قلب ﺻﻔﺤﺔ سنتين، وفتح صفحة ﺟﺪﻳﺪة.
جلس إليها: سراج النعيم