يحتاج مريض الفشل الكلوي إلى ما يقارب الـ(1500) جنيه شهرياً لشراء الأدوية المصاحبة للغسيل الكلوي، فيما وضعت هيئة الإمدادات الطبية ضوابط مشددة لصرف حقن هرومون الايبركس المدعومة من ، والتي أكتشف أنها تهرب إلى دولة مجاورة وتباع فيها بأسعار مرتفعة مما خلق أزمة في توفر الحقن بالإمدادات الطبية والصيدليات قبل نحو ثلاثة أشهر.
وتعتبر حقن الايبركس من أهم الأدوية التي ينصح الأطباء مرضى الفشل الكلوي بأن يتم حقنها عبر العضل ولا توجد لها بدائل وتبلغ قيمتها (80) جنيهاً، وهو دواء يتم تصنيعه في أوروبا ويعتبر من أفضل الأنواع، تصرف عبر التأمين الصحي بربع قيمتها، أي ما يعادل (20) جنيهاً.
تقول الإحصائيات إن ولاية الخرطوم بها (32) مركزاً لغسيل الكلى، بواقع مركز غسيل لكل (300) مريض فشل كلوي، فيما تتوفر ماكينة غسيل واحدة لكل (23) مريضاً، مع أعداد تصل إلى (9800) مريض بالفشل الكلوي تحت رعاية ولاية الخرطوم
لفت انتباهنا بعنبر غسيل الكلى للأطفال بمستشفى جعفر ابن عوف، طفل في السابعة من عمره يشاهد التلفاز وقد احتلت علامات المرض محل حيوية طفولته، خلافاً لرفاقه الذين يجلسون على ماكينات الغسيل، كان الطفل عبد القادر محمد يركز بشدة على إحدى قنوات الأطفال، تقول والدته (تلك طريقته للانشغال عن آلامه عقب عملية الاستصفاء ومغادرته لماكينة الغسيل). يسرد الطفل عبد القادر محمد قصته المريرة مع مرض الفشل الكلوي الذي أجبره على ترك مقاعد الدراسة بولاية الجزيرة ليستأجر ذووه منزلاً بالعاصمة من أجل متابعة حالته التي تستدعي جلوسه للغسيل ثلاث مرات في الأسبوع، بواقع (4) ساعات للجلسة الواحدة.
حاجة أم محمد لنقود توفرها لعلاج ابنها دفعتها للتساؤل ونحن نهم بسؤالها عن معاناتهم مع المرض، فبادرتنا بسؤالها: (دايرين تدونا قروش؟)، وحين لاحظت تجمدنا بدأت توضح (أن طفلها أصيب بالمرض قبل عام، وذهبنا به لمستشفى الجزيرة وتم تحويلنا من الولاية لمتابعة الحالة وإجراء الغسيل بصورة دورية لتزداد المعاناة وتتنوع، حيث أجبرنا على استئجار منزل بمبلغ (1000) جنيه، خلاف الأدوية والمحاليل لتصل أقل تكلفة عند الغسلة الواحدة (350) جنيهاً، بجانب رسوم العربة التي نستقلها ذهاباً وإياباً).
ولا تقل حالة الطفل عبدالقادر عن حالة نسرين التي يروي والدها صلاح قصتها مع المرض والحزن يسيطر عليه، بعد تلعثم قال (يابني أنا جيت من الفاشر بعد أن بعت كل ممتلكاتي هناك منذ إصابة بنتي التي تبلغ من العمر 14 عاماً، قرر لنا الطبيب أدوية ومحاليل باهظة التكلفة تقدر بـ 550 جنيهاً أسبوعياً نوفرها رغم ضيق ذات اليد، وبعد كل هذا لم نجد العناية من المستشفى).
ويقول المريض (م.ع.ع ) إنه بعد انفجار الفستلة (الفراشة)، وتدهور حالته الصحية تم تحويله إلى مستشفى ابن سينا من مستشفى الجزيرة، ويسرد عليّ معاناته قائلاً: بعد أن رفضت إدارة مستشفى ابن سينا إجراء عملية عاجلة لعدم سدادهم رسوم العملية التي تقدر بحوالي (4500) جنيه، ويحكي بحزن (اجتهد أفراد أسرتي وأصدقاؤهم في توفير المبلغ وتم إجراء العملية وكتب لنا الطبيب الخروج من المستشفى بعدها مباشرة بسبب عدم توفر الأسرة وقلة الماكينات).
ويروي المريض محمد علي من مدينة القضارف رحلته مع المرض والذي أصابه وهو في الحادية عشرة من عمره في مرحلة الأساس، وتم تحويله إلى الخرطوم وبعد الفحوصات علمت الأسرة بأن ابنها يعاني من الفشل الكلوي وتم حجزه في مستشفى جعفر ابن عوف وبدأ فى الغسيل لفترة استمرت لسبعة أشهر، التقطت والدته الحديث وقالت إن ابنها حددت له جلسات للغسيل ثلاث مرات في الأسبوع، والأسرة مغلوب على أمرها وهي في أمس الحاجة للعون المادي وتضيف بحزن: (تكلفة الدواء ما يقارب الـ500 جنيه غير المصاريف الأخرى التي يمكن أن نحتاجها ونحن في المستشفى).
وفي مستشفى أحمد قاسم ومع دخولنا قابلنا المريضة مريم آدم التي من الواضح أنها معروفة لجميع الموظفين والأطباء والمرضى بالمستشفى، ورغم صراعها الطويل مع المرض إلا أن الابتسامة لا تغادر شفاهها وتقول: (استسلمت لقضاء الله وقدره وأصبحت من المداومين على العلاج في المستشفى حتى أصبحت معروفة لدى كل الموظفين والدكاترة)، وأضافت مريم قائلة: (في بعض الأحيان ينقصنا حتى حق الدواء لكن سرعان ما نجد أهل الخير أمامنا مقدمين لنا ما نحتاجه وفي مقدمتهم الدكاترة، ولو تطلب الأمر يمكن الواحد يطلع من مصروفه الخاص لكي يساعدنا).
مافيا الدواء :
وتقول طبيبة صيدلانية لـ(آخر لحظة) إن المشكلة الحقيقية التي تواجه مريض الفشل الكلوي هي انعدام الدواء وإن انقطاع الإمداد الدوائي لفترات طويلة، يرجع إلى سيطرة الوكلاء على سوق الدواء، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد ولجوء بعض شركات الدواء إلى الشراء بالعملة الصعبة من السوق الأسود، لافتة إلى وجود مافيا في تجارة الدواء.
ويوضح الصيدلاني عبد العزيز عبد الرحمن بأن مريض الفشل الكلوي يعطى دفتراً خاصاً يحتوي على أنواع الأدوية التي يتعاطاها والحالة الصحية للمريض، ويرى أن بعض الاأدوية عبارة عن مسكنات وقتية وأهمها حقن هرومون الايبركس وهو علاج مصاحب للمرضى الذين يخضعون للغسيل الكلوي، محذراً مرضى الفشل الكلوي من تعاطي بعض أنواع المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب المعالج، والتي تؤدي إلى تأخر حالة المريض الصحية وأحياناً تؤدي إلى الوفاة.
إحصاءات وأرقام:
ويقول مدير إدارة أمراض وجراحة الكلى بولاية الخرطوم المكلف د.معتز ضو البيت إن مرض الكلى المزمن أصبح يمثل هاجساً صحياً، ويقر بأن مريضه يحتاج إلى عناية متواصلة ودقيقة ومكلفة، موضحاً أن ولاية الخرطوم بها نحو (9833) مريضاً وفي مقابل هذا العدد الكبير من المرضى يوجد (32) مركزاً، يتم إجراء عمليات زراعة الكلى في (4) مراكز منها، ويبلغ عدد ماكينات الغسيل (433) ماكينة.
ويضيف أنه في العام الماضي تم إنشاء (6) مراكز للغسيل الدموي جديدة بمجمل (77) ماكينة غسيل كلوي يستفيد منها (690) مريضاً، إضافة لخدمة الطوارئ على مدار الأسبوع والتي تحتوي على (16) ماكينة لغسيل الكلي الحاد، منها (6) للحالات المعزولة. ويوضح ضو البيت أن برنامج الغسيل الكلوي بدأ بقرار من رئيس الجمهورية والقاضي بأيلولة برنامج الكلى للولايات، ويمضي بقوله: (حينها كان العدد 24 مركزاً تحتوي على 308 ماكينة غسيل كلي، بعدها تم تأهيل وزيادة السعة الاستيعابية بالمراكز، حيث كان في السابق يتم توزيع مرضى الفشل عبر دفاتر انتظار موجودة بطرف المراكز، حالياً التوزيع يتم عبر البرنامج الإلكتروني لضمان عدالة توزيع المرضى جغرافياً)، لافتاً إلى أنه تم تحويل بعض مراكز الغسيل الدموي بالقرب من مواقع السكن وذلك لتخفيف معاناة الترحال للمرضى.
مبادرات:
ولمساعدة مرضى الفشل الكلوي بادرت مجموعة من الشباب تعمل في مجال العمل الطوعي تحت شعار (عشانكم نحن)، وشرعت في عمل الخير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تأسيس الكيان الذي يهدف لمساعدة مرضى الكلى، حيث تم تقسيم العمل بين أعضاء المجموعة في كل أنحاء الولاية لتغطية احتياجات المريض، يقومون بجمع التبرعات عن طريق البرامج الثقافية والبرامج الرياضية لألعاب القوى والذين يمارسون النشاط الرياضي بالساحة الخضراء، والعائد يرجع لمرضى الكلى.
الخاتمة:
على الرغم من المجهودات التي بذلتها وزارة الصحة في تطوير وترقية مراكز الكلى، غير أن معاناة مرضى الفشل الكلوي تزداد يوماً بعد يوم، وذلك مع الزيادات في أعداد المرضى والتي تتضاءل في مواجهتها أعداد ماكينات الغسيل وتردي الأوضاع الصحية داخل المستشفيات والمراكز، متمثلة في انعدام الأسرة والعنابر والمحاليل، وتتفاقم المعاناة في ارتفاع تكلفة الغسيل والمحاليل والعقاقير، بجانب شكوى المصابين من ضيق ذات اليد وعدم دعم الدولة لهم.
تحقيق: عماد النضيف
صحيفة آخر لحظة