ازدادت الهوة من جديد ما بين وزير المالية د. بدر الدين محمود وأعضاء البرلمان إثر النقاش الحاد في دهاليزه والذي اضطره لتقديم استقالته على الهواء مباشرة بعد ان حاصره النواب بشأن الضائقة المعيشية, فثار غضبه ورفض الحديث عن قفة الملاح وتبريره انها لم تأت ضمن السياسات العامة للموازنة. هذا غير بعيد عن التحفظات التي اُطلقت مؤخراً عن سياساته مقارنة برصيفه السابق في الوزارة علي محمود والتأكيد انهما لم يأتيا بحلول ناجعة لمشكلة الميزانية بل زادتها سوءاً.
من هنا ينطلق السؤال الذي يدور بذهن كل مواطن في المقام الأول وفئات المجتمع الأخرى, هل تنصل وزير المالية عن مسئوليته كانت السبب لتقديم استقالته ؟ في المساحة القادمة آثرنا ان نستقصي بعض الجوانب فيما ورد أعلاه وسط خبراء الاقتصاد والمواطنين الذين طالهم لظى السياسات المالية بشكل مباشر, فخرجنا بالتالي: ركود تضخمي تساءل أستاذ العلوم الاقتصادية بروفيسور عصام بوب عن استقالة وزير المالية وهل تمت بشكل رسمي أم لا؟. وأضاف: قال الوزير إنه لا يعرف «قفة الملاح» ولا علاقة له بارتفاع الأسعار وقد اخطأ بذلك في الحالتين, ولماذا يكون وزيرا للمالية إن لم يكن ذا صلة بهما؟ كيف ذلك ومعاش المواطنين يرتبط بكل قرار يتخذه الوزير من ناحية الضرائب أو زيادة السلع وكذلك المرتبات والأجور المخصصة في الاقتصاد الوطني.
وأوضح بوب أن استهلاك الأسعار هو الاساس الاقتصادي, ووجود السلع واستهلاكها بواسطة المواطن هو المحرك الرئيس للاقتصاد ودورته ما فيها من انتاج وتوزيع. والسلع يمكن ان تتوفر والمواطن غير قادر على شرائها فيما يعرف بظاهرة الفقر الاقتصادي اي وجود السلع وعدم القدرة على شرائها وفي هذه الحالة يتحول الاقتصاد الى ركود تضخمي بوجود السلعة وارتفاع سعرها وهي أخطر ظاهرة على اي اقتصاد عالمي, وهو خطأ الوزير وليس مدعاة للاستقالة والأحرى ان يتم اعفاؤه بتنصله عن مسئوليته بعد ان تم تجريب كل السياسات على السودان والتي للأسف غير صحيحة.
غياب الهيكلة التخطيطية في تعليقه على الحدث أكد الخبير الاقتصادي د. الفاتح محجوب عثمان ان القضية بالغة التعقد باكثر من مما حدث وكان الاولى ان يكون وزير المالية جزءاً من رؤية متكاملة لإحداث تنمية ونهضة في السودان ، ولكن ما يحدث الآن وحدث سابقًا هو غياب اية رؤية متكاملة لإحداث هذه التنمية, وهذا جعل وزير المالية المطالب دوما بتوفير الإيرادات لمجابهة مطالب الحكومة المترهلة جعله ينسى تماما إحداث التنمية والتي تنعكس ايجابا بتوفير فرص العمل وتحرير قطاعات الاقتصاد مما يؤدي الى إيقاف التضخم في حده الأدنى دون ارتفاع للأسعار. وقال ان ما يحدث فعليا من وزارة المالية الاجتهاد بتوفير المال لفصلي المرتبات والتسيير دون ان يكون ذلك مرتبطا بإحداث التنمية ، وغياب الجسم التخطيطي المسئول عن ادارة العملية الاقتصادية في البلاد هو الذي ادى للظرف الحالي.
ووصف الفاتح تهديد وزير المالية انه لن يستمر بتحصيل الحاصل لان الحكومة مقبلة على تغيير كبير مطلع يناير ومن المعلوم المؤكد ان المالية لن تكون من نصيب المؤتمر الوطني في ظل ما أعلن عنه الرئيس بتنازل حزبه عن معظم الوزارات والولايات المهمة ، وقطعا هذا يعني في المقام الأول وزارة المالية وبالتالي كل ما صرح به الوزير محاولة لاستباق إزاحته من المنصب بفعل التغيير القادم بحكومة الحوار الوطني وإعلان زهده في الوزارة، ولكن نستطيع القول ان الطاقم الاقتصادي تمكن من توفير الايرادات للحكومة في ظروف صعبه إلا انه فشل في إحداث تنمية وتوازن للاقتصاد بين الصادر والوارد فنتج ارتفاع معدل التضخم مما يعني ارتفاع الأسعار ومعاناة المواطن ذي الدخل المحدود. ضغوطات عليا وأوضح الخبير الاقتصادي د. عثمان سوار الدهب أن وزير المالية رجل مضغوط في بعض الأحيان تملى عليه السياسات نتيجة لخيارات إلا أنه أكد مسؤوليته حول معاش الناس بطريقة مباشرة وغير مباشرة, بدليل الزيادات التي تمت في بعض السلع كالغاز ورفع الدعم عن بعضها والتي أدت لزيادة الأسعار نتيجة للعرض والطلب.
أما فيما يختص بالمسؤولية غير المباشرة هي عدم التزامه بسياسات الاقتصاد الكلي حيث كان لها تأثير غير مباشر على الاقتصاد ككل والتي تؤدي إلى الضعف في الموازنة والناتج القومي والضعف في ميزان المدفوعات والميزان التجاري واسعار العملات بصورة خطيرة وهذا ما يحدث الآن, ولكنه إذا اتجه لوضع معالجات لسياسات الاقتصاد الكلي منذ البداية وعدم خلطها مع معالجات السياسات الجزئية لمختلف قطاعات الاقتصاد، اما الكلية فهى تعالج من حيث المبدأ والتي على اساسها تبنى سياسات البلد المستقبلية كتحديد حجم الفائدة والكتلة النقدية والتي لها تأثير مباشر على التضخم وانعكاساته تكون على السلع, فهذه تقع على عاتق الدولة ووضع السياسات وما يحدث في البلد, وقال قد يكون اتجه لوضع سياسات لكنها صعبة على الشارع السوداني لم يكن لها تأثير ايجابي, وأكد عدم مقدرة وزير المالية على معالجة مشكلة الاقتصاد السوداني.
وقال في حال استقالته من منصبه الحالي فان الوزير الجديد قد يطبق نفس السياسات وسيواجه ذات المشاكل السابقة وعدم اهتمامه بحديثه في ظل وجود ضغوط من جهات عليا في شكل قرارات دستورية وسيادية لا يستطيع الحديث عنها باعتبارها سياسة دولة فبالتالي يصبح عاجزاً عن التوفيق مما لديه من موارد ضئيلة وبين متطلبات الدولة في أعلى قيادتها ,في النهاية تستصعب عليه لاعتبارات سياسية وعالمية. مسؤولية الدولة ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي د. عصام الزين الماحي إن الدولة التي تتبنى الاقتصاد الإسلامي هنالك ثلاثة مستويات رئيسة, المستوى الاول مرتبط بما يسمى الضروريات والتي تشمل حفظ النفس والدين والعقل والنسل فهذه مسؤولية الدولة. والمستوى الثاني مرتبط بضروريات الحياة والتي تشمل الصحة والتعليم والسكن والمأكل . مشيرا إلى التحسينات والتي تعتبر المستوى الثالث وهى رفاهة المواطن والتي يجب ألا تكون خصما على المستويات الاولى خاصة الضروريات , ويجب أن تكون مبينة على عدم التقصير والإسراف, فهذه اساسيات الاقتصاد الاسلامي.
وحمل الدولة المسؤولية الكاملة على الإنسان وكل ما يرتبط به . حديث صادم وانتقد الخبير الاقتصادي أحمد مالك حديث وزير المالية أمام البرلمان ووصفه بالصادم. وقال ان التقارير التي تخرج من وزارة المالية صادمة لما تحمله من أرقام مخيفة فيما يختص بالعجز في الميزان التجاري, حيث يبلغ حجم الصادر ثلاثة مليارات والوارد تسعة مليارات فهذا ثلاثة أضعاف. وهذا يدل على عدم المقدرة على الصرف رغم انه يأخذ ضرائب وجمارك بمستوى عال جدا. ويقابل ذلك بدلا من توفر الخدمات نجد ارتفاع البطالة وانهيار الجنيه السوداني حيث اصبحت تكلفة طباعته أعلى من قيمته. ووصف وضع الاقتصاد بالمخيف. وأضاف في ظل تدهور كافة القطاعات وارتفاع الأسعار والعجز في كل المؤشرات الاساسية هذا دليل على فشل نظام حكم وزير المالية. وجه شبه وبالعودة الى وزير المالية السابق علي محمود كانت له تصريحات أثارت جدلا في حواره لصحيفة( الشرق الأوسط) بواشنطن والتي دعا فيها للتقشف والعودة لأكل (الكسرة)، وشكلت حينها مادة دسمة في مجالس المدينة ونقاشات المهتمين الخاصة ، البعض وصفها بغير الموفقة وبعثت على الخوف على معيشة المواطن خاصة بعد خروج البترول من الاقتصاد ووجود اتجاه قوي لرفع الدعم عن المحروقات والقمح والذي ينعكس مباشرة على شح الرغيف للمواطن .
في المقابل عد آخرون تصريحاته تلك ، ضربا من الحديث غير المسؤول لوزير يعي تماما ان البلاد ستفقد جزءا من نقدها الأجنبي بسبب فقدها المحتمل لكميات غير قليلة من البترول إثر انفصال الجنوب ، وهو أمر يتطلب مصارحة المواطنين ، وتبصيرهم بضرورة التقشف وزيادة الإنتاج بعيدا عن التطمين الكذوب بألا تأثير للانفصال. قفة الملاح أتت الطامة الآن بتصريحات الوزير الحالي بعدم إلمامه بقفة الملاح والتي هي من صميم أداء وزارته تحت ظل ظرف معيشي سيئ مع عدم كفاية الأجور لسد الفجوة التي تحدث ما بين الدخل والمنصرف.
ووجه الشبه يتمثل في ان تصريحات الوزيرين أتت تحت رزح زيادة المحروقات في فترة الاول, وامتداد تأثيرها بخروج الناس للشارع وآثاره السلبية على الصناعات وتقليله من قدرتها التنافسية بسبب ارتفاع تكلفة الانتاج ، وأدى لرفع اسعار كل المدخلات ذات العلاقة بالوقود، ثم تلاها الثاني بقرارات ارتفاع أسعار الغاز بشكل مفاجئ وسريع دون ان تكون هناك دراسات موضوعية لهذه الزيادات بعد ان أبدى قدرا من الزهو بموازنته مطلع هذا العام والتي كانت القراءات لها ان الافتراضات التي بنى عليها أرقامه غير حقيقية وعصية التنفيذ ، وأن عجزاً كبيراً سيضربها مع استمرار تدهور قيمة العملة الوطنية وتزايد حدة الغلاء واتساع دائرة الفقر.
التنحي دين مستحق وفي حديثه عن تهديد وزير المالية بالاستقالة ,اشار المواطن حسين النور من شرق النيل الى ان كل القرارات التي كانت تلوح بها المالية من وقت لآخر برفع الدعم عن المحروقات وارتفاع اسعار الغاز لم يسهم في معالجة عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات.
وعلى الدولة البحث عن حلول جذرية اخرى تسهم في زيادة الإنتاجية وتقليل الواردات حتى وإن كان من ضمنها إقالة وزير المالية من منصبه. احتياجات المواطن من جانبه تساءل الموظف كمال الأمين لماذا لم يقدم استقالته مسبقاً بعد ان جعل كل الأسعار تلتهب وتشوي الناس؟ كل السياسات التي تمت في عهده او علي محمود لم يقابلها رفع للأجور والمرتبات التي أصبحت لا تفي بتوفير احتياجات المواطن, اضافة الى ارتفاع الأسعار في الأسواق والذي يتحمله المسؤولون في المالية والبنك المركزي, ولم تسر في طريق الإصلاحات الاقتصادية ,بل هدمت الوضع الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
الخرطوم: رباب علي – إنصاف أحمد
صحيفة الإنتباهة