تقول صفحات التاريخ السياسى فى السودان ان عمر الديمقراطية فى تجارب حكمها الثلاث كا ن قصيرا جدا لاسباب موضوعية ..كانت اول التجارب الديمقراطية فى الفترة من (56-1958م )وبلغت الثلاث اعوام الاشهرا ونصف الشهر , استطاعت فقط ان تحقق سودنة الخدمة المدنية من براثن الاستعمار , ودخلت احزابها فى حسد ومكايدات لدرجة ان الديمقراطية نفسها الممارسة فى السودان فى ذلك الزمن الجميل سلمت قيادها للمؤسسة العسكرية وقالت لها (تعالى امسكى السلطة )
التجربة الثانية كانت فى الفترة من (64-1969م ) وبلغت اربعة اعوام ونصف العام ,والمنجز السياسى الوحيد الذى يحسب لهذه الحقبة كان منجزا خارجيا حينما استطاع السودان ان يتوسط ما بين المملكة العربية السعودية ومصر وانهاء الخلاف الذى كان وقتها ما بين الراحلين الملك فيصل بن عبدالعزيز وجمال عبد الناصر عشية انعقاد قمة اللاءات الثلاث الشهيرة فى العام 1967م والتى قال فيها العرب لاتفاوض ولاتصالح ولاسلام مع دويلة الكيان الصهيونى ..ولم تحقق التجربة الثانية الديمقراطي ما يثبت اركانها قوية فى الشارع السياسى لذلك لم تعمر كثيرا ومضت .
التجربة الثالثة كانت فى الفترة من (86-1989م) سبقتها فترة عام انتقالية ما بين عهد المشير جعفر نميرى والديمقراطية الثالثة , والتى واجهت كارثة انسانية لم يشهدها العالم من قبل وهى (الجفاف والمجاعة ) التى ضربت السودان ضمن الدول الافريقية التى اصابتها الكارثة الطبيعية فى مقتل ..ثم كارثة ثانية (السيول والامطار والفيضانات) التى ضربت السودان فى العام 1988م واذا استثنينا فترة العام الانتقالى فأن عمر التجربة الثالثة الديمقراطية تكون عامين وشهر , كانت فيها الاطراف الحدودية تتأكل بفعل ظهور التمرد الثانى الذى قاده جون قرنق , وبالتالى انعدم الاستقرار السياسى بحيث شكلت الحكومة ثلاث مرات . ما بين حزبى الامة والاتحادى ثم ما بين الامة والجبهة القومية الاسلامية ثم بين الامة والاتحادى, وقاد عدم الاستقرار السياسى الى نشؤ استياء عام وظهور رأى ساخط على الممارسة الديمقراطية التى كفر بها الشعب وكان مهيئا لاستقبال عهد عسكرى ثالث وقد كان .
مما تقدم من سرد موجز تتضح ملاحظتان حول براءة المؤسسة العسكرية من تهمة الاستيلاء على السلطة الديمقراطية ..الاولى حينما طلبت الديمقراطية من العسكرية استلام السلطة فى نوفمبر 1958م والثانية حينما سلمت العسكرية الديمقراطية السلطة فى ابريل 1986م بعد نهاية الفترة الانقالية , ولكن اليوم اذا اعتبرنا الانقاذ مازالت عسكرية فهاهى تعبد الطريق نحو الديمقراطية الرابعة , نعم الطريق صوب الديمقراطية فى تجربتها الرابعة بدأ منذ اطلاق الرئيس البشير وثبة الحوار الوطنى منذ عامين مضيا سراعا , وتمخضت الوثبة مؤتمرا استغرق عاما بحاله واصبحت مخرجاته وثيقة وطنية تؤسس لحكم ديمقراطى راشد , تبسط فيه الحريات وتعدل فيه القوانين والتشريعات لتلبى كل النواقص المطلوبة من اجل ممارسة ديمقراطية حقيقية , لاهيمنة فيها لحزب حاكم وحكومة حزب واحد وانما حكومة وفاق وطنى شاركت معظم احزابه وحركاته المسلحة التى كانت معارضة فى صياغة وثيقة وطنية تعتبر مرجعية لمن ارتضى , وستجد غطائها الدستورى بعد اجازتها من البرلمان الوطنى والبداية ستبدأ بالموافقة على منصب رئيس الوزراء .
لكن السير فى طريق الديمقراطية الرابعة لابد من الترويج له وتكثيف الاعلام عنه وحوله , ذلك لان المرحلة الحاضرة تستلزم استنفارا وطنيا وليس حزبيا محددا , الشأن شأن السودان كله الذى يسع الجميع لايستثنى احدا لايقصى فردا وبالتالى لابد من تغيير لغة الخطاب من الاحادية الى الجماعية , من الحزبية الضيقة الى رحاب (كلنا ونحن واننا ) وحينما تتحدث الكوادر الحزبية عليها ان تتناول شأنها الاحادى ولاتتناول دولاب الحكم من منظور حزبى لان الجهاز التنفيذى له اهله من الوزراء والمسؤولين , لذلك المرحلة تحتاج الى تغليب مصلحة الوطن على غيرها من المصالح الضيقات , وطالما سار الناس على الطريق نحو الديمقراطية الرابعة فأن الوطن سينعم بالاستقرار والخير للجميع , ويمكن جدا ان نصبح النموذج الثالث بعد تونس وتركيا اللتان نجحتا فى ايجاد صيغة وطنية متصالحة ما بين الوطنية والايدولوجية .
كتب- سعيد الطيب
(سونا)