حين أعلن رئيس الجمهورية، قيادات ومنسوبي الحزب الحاكم (الاستعداد للمرحلة المُقبلة بالتخلّي عن الوظائف الدستورية في كل المستويات، لمنح الآخرين فُرص المشاركة)، تذكرت وزيراً في واحدة من الحكومات المنصرمة، أصيب بحالة اكتئاب حادة بعد مغادرته المنصب.
لم يكن صاحبي تنقصه الثروة ولا المجد الرفيع الذي جمعهما بـ (عرق لسانه) من مكتب المحاماة الشهير الذي يديره. قلت له مداعباً:
– انت زعلان مالك، ناقصك شنو؟!
قال:
– معقولة، بعد كنت ماسك البلد دي كلها، أبقى مسؤول من حتّة سوّاق وسكرتيرة بس؟!
تُرى كيف سيسدد الوزراء ومن في حُكمهم، استحقاقات الحوار الوطني (لمنح الآخرين فرص المشاركة) في كل المستويات؟!
خلّي بالك من عبارة: (في كل المستويات)!
ففي العبارة، تكمن قضية مجتمعية وصحية وسياسية واقتصادية جديرة بالدراسة.
كيف؟!
أحصى عبد الباسط سبدرات في كتابه الوثائقي (قبيلة السيد الوزير)، (1175) وزيراً تقلّبوا في نعيم الكرسي الصقيل، منذ الوزارة الوطنية الأولى في العام 1954م وحتى وزارة الانقاذ في العام 2013 (سنة صدور كتاب سبدرات).
لو اضفنا إليهم ذات العدد من وزراء الدولة، والوزراء الاتحاديين الذين صعدوا إلى الكراسي بعد العام 2013م، يكون العدد (2350) وزيراً، أضف إليهم (150) وزيراً طارئاً ومؤقتاً من عينة سكرتير نميري الراحل محمد محجوب سليمان الذي (ضاق) الوزارة لأربعة وعشرين ساعة فقط ولم يطقها. وانتهاءً بالدكتور منصور يوسف العجب الذي اعتذر عن التجارة الخارجية من الوزارة الأخيرة في يونيو 2015م.
عليه، سيقفز عدد وزراء السودان الاتحاديين إلى (2500) وزيراً!
أضف إليهم وزراء الولايات منذ الحكم الأقليمي الأول في العام 1981م، مروراً بالمرسوم الدستوري الرابع 1991م ودستور السودان 1998م، بمتوسط (20) ولاية بعشرة وزراء كل (24) شهراً، ليكون الناتج، نحو (3000) وزير، أضف إليهم (250) وزير محلي في عهد مايو، و(674) معتمداً من (5) دورات، يساوون (9120) معتمداً، قبل خفضهم إلى (134).
ولا تنس يا صاح، لقد أضفنا السادة المعتمدون والمحافظون للقائمة، لمواكبة عبارة الازاحة الشهيرة: (في كل المستويات)، وضربنا صفحاً عن مديري المديريات الذين انتقلوا إلى الرفيق الأعلى!
ما علينا..
يمكننا القول، وفقاً لحسبة بُرمة السياسة، إن (15000) إلى (2000) وزيراً ومعتمداً ووالياً يعيشون بيننا، وبمقدورهم صنع مدينة افتراضية جديدة متوسطة الحجم، يجب أن تكون أولى بنياتها التحيتة، مستشفىً للأمراض العقلية، تستقبل الحالات الباردة منها والساخنة!
خلّي بالك..
عقب تغيير وزاري قبل سنوات، ذهب رجل في (كامل ملابسه غير العقلية) إلى وزارة المالية، وأخبر الحراس بأنه الوزير الجديد ونجح في الجلوس على الكرسي، قبل أن يأتي الوزير (سيد الإسم)، ويسحب المريض إلى مستشفى الأمراض النفسية!
وجدي الكردي