نشرت صحيفة «جيوبولس» الفرنسية تقريرًا؛ تحدثت فيه عن سكان منطقة تراقيا الغربية، شمال شرق اليونان قرب حدود تركيا، وهي منطقة تطبق الشريعة الإسلامية.
وتسري هذه الحالة منذ أوائل القرن العشرين في أوروبا، في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية.
فبعد توقيع معاهدة لوزان، بتاريخ 24 يوليو (تموز) 1923، تم إبعاد غالبية اليونانيين من تركيا إلى اليونان، فيما تم طرد المسلمين اليونانيين إلى تركيا، لكن تمركزت هذه الأقلية المسلمة، التي كانت تعدّ ما بين 120 ألفا و150 ألف شخص، في تراقيا الغربية.
وقررت السلطات اليونانية تطبيق نظام العدالة الطائفي والديني، الذي كان ساري المفعول منذ عهد الدولة العثمانية. كما قررت تفويض بعض صلاحيات السلطة القضائية إلى السلطات الدينية الإسلامية.
وفي هذا السياق، قال الباحث والأستاذ في القانون العام، «ستيفان بابي»، إن الأمر المثير للاهتمام هو أن القانون الخاص لا يزال مطبقًا في اليونان، في حين إن علمنة القانون التي فرضها أتاتورك في تركيا لا تعترف بهذا الوضع الخاص.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدستور اليوناني يمنح الحق بالعمل وفق التشريعات الدينية، بما في ذلك القضاء الإسلامي.
والمسيحية الأرثوذوكسية هي الدين الرسمي للبلاد؛ إذ يدين بها 97 في المائة من السكان. وكانت اليونان تدرج الانتماء الديني ضمن المعلومات المذكورة في بطاقات الهوية حتى سنة 2000، لكن تم إلغاء هذا الأمر؛ لأنه يتعارض مع مبدأ الحرية الدينية المنصوص عليها في الدستور اليوناني.
وعلى الرغم من أن القوانين اليونانية تحمي حرية المعتقد، وتمنح الحق في ممارسة الشعائر الدينية، إلا أنه لم يتم بناء أي مسجد، ولا تخصيص أية مقبرة إسلامية في العاصمة أثينا، على الرغم من تواجد قرابة 300 ألف مهاجر في تلك المنطقة.
وفي هذا السياق، يقول ستيفان بابي «معاهدة لوزان لسنة 1923 نصت في أحد بنودها على تخصيص رقعة من الأرض لهذه الأقلية، تمنح لهم الحق في حرية ممارسة الإسلام، واستخدام لغتهم الأم، وبناء مدارس إسلامية، كما فرضت المعاهدة ثلاثة مفتين في تراقيا يقومون بالبتّ في القضايا المتعلقة بشؤون الأسرة للمسلمين، مثل الزواج والميراث والوصاية».
ويقول الدبلوماسي السابق «ألكسندر فاروند»، إنه يتم العمل وفقًا لأحكام الشريعة في القضايا المتعلقة بالزواج والأسرة حتى يومنا هذا، ولكن على مدى العقود الماضية توسع دور المفتي إلى مناطق أخرى، غير يونانية وغير مسلمة، تتجاوز حدود منطقة تراقيا.
وذكرت الصحيفة أن النساء هن «ضحية» هذا النظام الذي تعمل به منطقة تراقيا اليونانية؛ لأن الرجال يحصلون بحكم الشريعة على العديد من الامتيازات مقارنة بالمرأة، مضيفة أنه يتم العمل أيضًا بأحكام الشريعة الإسلامية للفصل في النزاع بين المسلمين، حتى وإن طلب أحد الأطراف فض النزاع حسب ما جاء في القوانين المدنية اليونانية.
وبيّنت الصحيفة أن أحكام الشريعة الإسلامية التي كانت تعمل بها منطقة تراقيا اليونانية، قد أثارت جدلًا كبيرًا في المحاكم الأوروبية، وفي باريس التي انتقدت ـ بشدة ـ الوضع هناك. ومع ذلك، أقرت المحكمة العليا اليونانية، في سنة 2013، العمل بحكم الشريعة في القانون المدني لأعضاء الجالية المسلمة في قضايا الميراث. كما أيدت محكمة النقض قانون تنصيب المفتي كقاض شرعي بين المواطنين اليونانيين المسلمين أينما كانوا، سواء في تراقيا الغربية أو سانتوريني أو إيفيا، أو حتى خارج اليونان.
وفي هذا السياق، قال ستيفان بابي: إن الوضع في اليونان أصبح يشهد نوعًا من الازدواجية؛ إذ إن الأحكام الصادرة من قبل المفتين أصبحت تتوافق مع الأحكام القانونية، كما أن العديد من الأحكام المتعلقة بالطلاق وتعدد الزوجات لم تعد تُستخدم.
وبيّنت الصحيفة أن الكلمة الأخيرة قد تعود إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي ينبغي أن تفصل في قضية امرأة مسلمة من تراقيا، تدعى «شاتيزي الملا سالي»، رفضت العمل بقرار المحكمة العليا اليونانية، والتجأت إلى محكمة ستراسبورغ لحل نزاعها مع الدولة اليونانية.
ساسة بوست