اختزال الحوار في المزرعة

بعد مرور أيام على حوار السيد الرئيس التلفزيوني فإن الكثير من الذين شاهدوا أو لم يشاهدوا هذا الحوار نراهم الآن يختزلونه فقط في حديث السيد الرئيس عن مزرعته وراتبه الذي لا يكفيه.. وتحولت الإفادات الصريحة التي أدلى بها السيد الرئيس حول مزرعته وراتبه إلى موضوع جديد للجدل والنقاش داخل الأزقة الإلكترونية ومواقع التواصل .
ونعتقد أن ذلك يعود إلى سببين، الأول يتعلق بطبيعة المُحاور أستاذنا حسين خوجلي الذي يميل دائماً إلى حوارات الأخذ من المتناول والوخز الحميم وقطف الزهور ونظم القوافي.. حسين اعتاد على حوارات الفن والأدب والذكريات في الوقت الذي لم يكن الغرض من هذا الحوار التعريف بجوانب غير معروفة في شخصية السيد الرئيس أو شؤونه الخاصة أو التداعي الفلسفي أو أحاديث الذكريات .
الحوار جاء في وقت مهم جداً ودقيق وكان المقام مقاما جادا يتطلب طرح محاور مباشرة تساعد الضيف على تقديم أكبر قدر من المعلومات والتصورات لمرحلة ما بعد الحوار .
أما السبب الثاني فيعود بكل صراحة للمطبخ الإعلامي المكلف بالإعداد لهذا الحوار سواء أكان داخل مؤسسة الرئاسة، أو وزارة الإعلام أو إعلام المؤتمر الوطني أو جميع تلك الأطراف التي يمكن أن تتقاسم المسؤولية .
مينشيتات الصحافة السودانية كانت أكثر وعياً وتجنبت تماماً وضع عنوان أحمر بارز يمكن أن يستخرجه أي صحفي يريد أن يقدم مادة جاذبة للقارئ فيكتب بالخط الأحمر (البشير: راتبي لا يكفيني وأحتاج الى دخل إضافي) .
لكن تقريباً لم يكن هذا هو عنوان معظم صحف الخرطوم صبيحة اليوم التالي للحوار.
السيد رئيس الجمهورية ضيف الحوار يجيب عن أسئلة محددة يتم طرحها عليه على الهواء مباشرة وبالتالي لا يجد حرجاً في الحديث عن مزرعته لو تم توجيه هذا السؤال له بشكل مباشر خاصة وأنه حين يتحدث عن مزرعته فإنه لا يتحدث عن سر من أسرار الدولة أو أسراره الخاصة فالمزرعة معروفة وموجودة في إقرار الذمة الذي دفع به وتم نشره بالتفصيل في الإعلام .
وكما تحدث البشير في نفس هذا الحوار عن دستور 98 وقال إن الشيخ الترابي بإدخاله لمصطلح التوالي السياسي في متن دستور 1998 وما صاحب ذلك من جدل كثيف حول مصطلح التوالي السياسي، فإن ذلك الجدل حرم الكثيرين من الاطلاع والتقييم الموضوعي والمنصف لهذا الدستور واختزال تلك المرحلة داخل مصطلح واحد هو (التوالي)..
بنفس المستوى كان السؤال الذي طرحه حسين خوجلي للرئيس حول مزرعته واهتمامه بالزراعة قد أنتج حالة اختزال مماثلة جعلت حوار حسين الذي من المفترض أنه ناقش قضايا ما بعد الحوار الوطني جعلت عنوانه الإسفيري وعناوينه في مواقع التواصل الأوسع انتشاراً والأكثر تأثيراً هو (مزرعة الرئيس البشير) .

اليوم التالي

Exit mobile version