* ماذا فعل الأستاذ علي مهدي للمبدعين من الفنانين والشعراء والمسرحيين، حتى ينال مجلسه فرصة للتجديد مرة أخرى، ماذا فعل والأعداد الكبيرة من الفنانين أصحاب الغناء الهابط يملأون الساحة، كيف سمح له ضميره أن يسمح لأغنيات على شاكلة (خليت ليك الشارع ) و(حرامي القلوب تلب) تتسلل إلى بيوتنا سراً، لتعمل على كسر البراءة في عيون أطفالنا، وهو لا يسمع، لا يرى، لا يتكلم، أما شعراء الأغاني فإنهم كما قال عنهم الشاعر الكبير إسماعيل حسن (مجاريح الزمن)، هؤلاء الذين يكتبون الغناء بدمهم ودموعهم ولا ينالون في آخر الأمر إلا حفنة من الملاليم، أما الفنانون فإن ساعة واحدة في أي حفل وإن كان على طريق، نالوا فيها الملايين، ترى على مَن تقع مسؤولية هذا الظلم!!، أؤكد تماماً لو أن علي مهدي رفع كرتاً أحمر ضد هذه المظالم، لنال من كل شاعر أغنية تتغنى بمحاسن عمامته الخضراء وأنا على رأسهم.
* كلما قرأت كتاباً أعجبني تذكرت الوزير الراحل عمر الحاج موسى، كان هذا الرجل مغرماً بالقراءة، كان كأنه مكتبة تتكلم بجميع اللغات، كان يأتي إلى مكتبه باسماً كأنه عريس، ثم يغادر آخر النهار باسماً كأنه ذاهب إلى حفل يقام على طرف من سحابة، غادرنا هذا الحبيب (عليه الرحمة) فغادرت بعده مباشرة إلى هجرة لم أعد منها، إلا بعد أن أعلنت الأيام أن خيولي أصابها الرهق، وأنني مطالب بالعودة إلى وطني لكي أتمشى صباحاً على شوارع أصلها من الذكريات.
* ظل الفنان الراحل عبد المنعم حسيب على مدى سنوات يقطع الليالي سفراً بين أروقة الإذاعة، وذلك من أجل الحصول على فرصة واحدة في تسجيل أغنية جديدة، إلا أن الإذاعة ظلت بعيونها الناعسة تمنحه وعوداً من سراب تمزق بها قلبه، وهو صابر على دلالها، وذات صباح علمت أنه تعرض إلى حادث إليم أودى بحياته، إرتحل هذا المبدع الجميل وفي قلبه حسرة على أغنية جديدة تمنى أن تسعد بها جماهيره، ولكن الأيام لم تسمح له بتحقيق الأمنية، المدهش في الأمر أن الإذاعة سارعت في نعيه إلى جماهيره، وأنها لم تزل حتى اليوم أبوابها مغلقة أمام تسجيل الجديد من الأغنيات.
* قبل أعوام قرأت عموداً كان يكتبه الرائع السر أحمد قدور تحت عنوان (أساتذة وتلاميذ)، أشار فيه إلى أن الشاعر الضخم محمد المهدي المجذوب، قال له إن المقطع الذي أقول فيه في قصيدتي عصافير الخريف (ورجعت خليت الدموع يرتاحو مني وينزلو) ،هو مقطع فيه من الإبداع ما يجعلني أؤكد أن هذا الشاعر الذي كتب هذه الكلمات، سيكون له شأن عظيم في مسار الأغنية السودانية، وأنا أصدقكم القول أن هذه العبارة التي نطق بها المجذوب للسر قدور، منحتني من القوة ما جعلتني أبتسم أمام كل نقد يوجه لي، سواء أن كان شامة على الخد أو عتمة على العيون.
* كان الشاعر الراحل عثمان خالد مغرماً بأغنيتي (صفق العنب)، التي تغنى بها الفنان جمال فرفور، كان كل ما جمع بيننا لقاء في مجلس طلب مني أن أقرأها عليه، مما جعلني أسأله مرة عن السر في محبته لهذه الأغنية دون غيرها من العشرات من أغنيات كتبتها، فقال لي غداً ستعلم، بعدها غادرت إلى دولة الأمارات مغترباً، وهناك جاءت الأخبار تنعي رحيله، هل تصدقون أنني وحتى هذه اللحظة أتحاشى تماماً الاستماع لهذه الأغنية برغم جمالها، لأنها دائماً ما تذكرني بالراحل الحبيب وغرامه بها.
لو.أن – اسحاق الحلنقي
صحيفة آخر لحظة