وجد حديث رئيس الجمهورية في الحوار الذي أجراه معه الأستاذ “حسين خوجلي” الصحفي المعتق، خاصة عندما قال السيد الرئيس إنهم أخطأوا بحل جهاز الأمن الذي كان يضم شباباً مميزين درسوا في جامعات خارجية، حديث رئيس الجمهورية هذا وجد صدًى طيباً في نفوس معظم منسوبي جهاز الأمن السابقين، وقد ارتاحوا لحديث السيد الرئيس نفسياً، الذي أعادهم إلى دائرة الوجود من جديد بعد أن كاد أن يطويهم النسيان والغم والغرف المغلقة.
لقد نجحت بعض العناصر عقب انتفاضة رجب أبريل 1985م، في تشويه صورة معظم المنسوبين إلى الجهاز، وكادت تقتلهم نفسياً باختلاق وفبركة معلومات غير صحيحة عن الأشخاص وعن المسؤولين بداخله. لقد نجح أولئك في الضغط على الحكومة الوليدة وأجبروها على حل الجهاز، ليس لأن كل الجهاز فاسد، ولا لأن المتعاونين معه باعوا ذمتهم ضد الوطن والمواطن، ولكن لأن الضغط كان شديداً والمسيرات والتظاهرات المستمرة عجَّلت باتخاذ قرار الحل، وضاعت كثير من المعلومات والملفات وفقدت البلاد العديد من عناصرها الجيدة والمخلصة، فهاجرت إلى العديد من الدول العربية والأوروبية واستفادت تلك الدول من خبرات تراكمية لمنسوبي جهاز الأمن الذين نالوا أرفع درجات في التدريب في المجال الأمني. لقد استفادت تلك الدول منهم وخسر السودان أموالاً طائلة صرفها على تدريب ضباطه وعناصره، وفقد جهاز الأمن خيرة أبنائه، أما الذين تم الاستغناء عنهم ولم يذهبوا إلى بلاد الاغتراب، فظلوا في حالة انزواء، لأن كل من يشار إليه بالانتساب إلى الجهاز قد ترمقه أعين البعض بالريبة والشك وعدم القبول، فآثر البعض أن ينزوي في ركن رشيد في منزله، أو آثر الصمت، أو حبس نفسه بعيداً عن جلسات القيل والقال.
إن اعتراف السيد الرئيس بخطأ حل الجهاز يجب أن يقابله عمل آخر يرد للمظلومين حقوقهم والعمل على تحسين معاشاتهم التي لا تكفي -الآن- شراء صنف واحد من الدواء، لقد شارك السيد الرئيس مع الفريق “الهادي بشرى” وآخرين في تصفية الجهاز، وهو بذلك يعلم كل صغيرة وكبيرة عنه، بل يعلم كل العناصر التي كانت موجودة سواء كانوا ضباطاً أو ضباط صف، أو المواطنين الذين تعاملوا معهم من أجل التراب، فنأمل أن يصدر السيد الرئيس قراراً لإنصاف أولئك الذين ما زالوا داخل الغرف المظلمة ليعيشوا باقي حياتهم آمنين مطمئنين.
{ همسة