لو طلب الجنسية السودانية ومُنحت حق اتخاذ القرار لما ترددت لحظة في منحها أياه بل ولسمحت له بأن يكوّن حزباً سياسياً سودانياً يرأسه ويقوده ذلك أننا نحتاج إلى الأخلاق التي يتمتع بها في ممارستنا للسياسة.
إنه د.لام أكول أجاوين أستاذ الهندسة الكيميائية السابق بجامعة الخرطوم والذي كان متفوقاً في دراسته الأكاديمية وعندما تخرج في جامعة الخرطوم أختير مساعد تدريس ثم واصل أبحاثه الأكاديمية ليحصل على درجة الدكتوراه.
لام أكول أيها الناس لا يتعاطى أياً من المنبهات ويتمنع حتى من شرب الشاي والقهوة ناهيك عن أن يدخن أو يعاقر الخمر في بلاد تعتبر الخمر ثقافة راسخة وتقليداً قديماً بل وقوتاً يومياً.
عندما عُين وزيراً لخارجية السودان عن الحركة الشعبية خلال الفترة الانتقالية رفض أن يوظف المنصب لمصلحة الحركة، فقد قال إنه أدى القسم ليكون وزيراً لخارجية السودان ودفع ثمن ذلك تضحية بالمنصب الفخيم حيث أزيح من منصبه من قِبل أولاد قرنق باقان وعرمان وإدوارد لينو ورئيس الحركة الشعبية سلفاكير ليعيّن مكانه ذلك المراوغ الأشر وسيء الخلق دينق ألور الذي كان اسمه قبل أن يرتد عن الإسلام أحمد آلار والذي كاد كيداً عظيماً للسودان من داخل مكتبه في وزارة الخارجية السودانية مُوظِفاً منصبه لمصلحة الحركة التي كان همها الأكبر خلال الفترة الانتقالية إسقاط الحكومة التي تشارك فيها من الداخل في إطار مخططها العدواني لإقامة مشروع السودان الجديد الاستعماري العنصري الإقصائي.
لام أكول من الذين أصيبوا بخيبة أمل كبيرة شأنه شأن نائب الرئيس الجنوبي السابق د.رياك مشار وكل قيادات الجنوب ونخبه بمن فيهم حتى عدو السودان اللدود باقان أموم الذي لن تنسى ذاكرة السودان مقولته عند خروجه إلى موطنه الجديد : (ارتحنا من وسخ الخرطوم) و(باي باي للعبودية).
يا لسخريات القدر وتقلباته العجيبة.. لقد ذاق باقان من ويلات (العبودية) في دولته التي لطالما تاق إليها وحلم بها ممنيا نفسه بالنعيم المقيم والعيش الهانئ فقد سجن واضطهد ونجا بجلده بأعجوبة هرباً من المحرقة التي فتكت ولا تزال بدولته التي تمزقت شذر مذر وتفرقت أيدي سبأ.
لام أكول كان قد كون حزباً معارضاً عند عودته لدولته الجديدة بعد الانفصال سماه (الحركة الشعبية لتحرير السودان – التغيير الديمقراطي) ثم غيّر اسم حزبه إلى (الحركة الوطنية الديمقراطية) وها هو اليوم يتمزق بين المثال الذي رسمه في مخيلته للدولة الحلم التي لطالما اشرأب إليها وبين الواقع البائس الذي انزلقت إليه تحت حكم رئيسها الدموي الجهلول متواضع القدرات وسيء السلوك سلفاكير الذي يحكمها الآن بالحديد والنار .
قرأت تصريحات حزينة للرجل في صحيفة (ألوان) ثم في (السوداني) ولم أجد غير أن أعزي الرجل الذي تبخرت أحلامه الكبيرة كسراب اشتدت به الريح في يوم عاصف.
ما كتبت هذه الخواطر إلا لأخذ العظة والعبرة فمن أعظم من لام اكول ورياك مشار من حيث العلم فكلاهما يحملان درجة الدكتوراه في الهندسة التي درساها في أعظم الجامعات السودانية (جامعة الخرطوم) ..فهل ترانا أمام مثال صارخ للحكمة الساخرة التي تندد بالعلم المفتقر إلى الحكمة والنظر السديد والتي تقول 🙁 القلم ما زال بلم) أم أن الخطأ يكمن في استعجال بلوغ الأهداف الذي كثيراً ما يسوق أصحابه لحتوفهم ؟.
كنا نعلم أن الجنوب ليس ناضجاً لتكوين دولة متماسكة ذلك أن أبناءه لا تجمعهم هوية مشتركة وأن الجنوبي حتى لو كان مثقفاً يمنح ولاءه لقبيلته لا إلى وطن لم تنصهر مكوناته الاجتماعية لتكون نسيجاً ولحمة متماسكة.
ذلك ما كنا نجادل به دعاة الوحدة أن من يعجزون عن العيش مع بعضهم أعجز من أن يعيشوا مع عدو مشترك هو الشمال الذي يبغضون.
كنا نردد مقولة حكيمهم لادو لوليك.. أن الشمال يمثل (النشارة) التي تفصل بين أكواب الزجاج وأن الشمال إذا خرج من الجنوب سيجعل الجنوبيين يحطمون بعضهم بعضاً .
ذلك ما دعا المستعمر البريطاني يعمد إلى ضم الجنوب للشمال رحمة بالجنوب ونكاية بالشمال بل يعمد إلى تزوير أرادة الجنوبيين ليقرر زوراً وبهتانا أن الجنوب اختار من خلال مؤتمر جوبا (1947) الوحدة مع الشمال.
قلبي مع لام أكول ومع مشار اللذين أتمنى لهما توفيقا وفلاحاً في إنقاذ دولتهما المضطربة.
لكن هل ترانا نتعظ من درس نكبة دولة الجنوب ونعلم أنه من الخطأ العظيم بل من الخطر الداهم والقاتل أن نستعجل حصاد الثمار قبل نضجها ؟.
الصحية