الثراء الحرام

ليس كل من أثرى ثراءً حراماً أو مشبوهاً بالضرورة أن يكون منتسباً أو موالياً للنظام، أو عضواً في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، فإننا نعلم يقيناً أن هناك منتسبين للنظام، ومن أهل جلده ورأسه، وهم فقراء، ونعلم أن هناك “بكريين” في الحركة الإسلامية، ومن ثقاتها وأهل حلها وعقدها، وقد انخرطوا في نظام الإنقاذ بكلياتهم وأبلوا بلاءً حسناً، ومع ذلك هم الآن يعيشون فقراً مدقعاً..

وبالمقابل، فإننا نعلم يقيناً أن هناك عناصر انتهازية لا تعرف حتى معنى “انتماء” خدعت النظام والحزب بولاء زائف وتحت لافتة هذا الولاء الزائف استباحت كل شيء، وسطت على كل شيء، ونهبت وسرقت ولم تستبق شيئاً، بل تقدمت الصفوف وقادت وهيمنت ومدت نفوذها وأرجلها إلى داخل مراكز صناعة القرار، ولعل هؤلاء ما عناهم أمين حسن عمر ذات غضبة مضرية. أقول ذلك ولا أعني أن كل المنتمين بحق للنظام هم أبرياء من دم المال العام الذي ذبحوه بـ”قزازة ميتة” وتفرّق بين قبائلهم…

هذه المقدمة أراها ضرورية للحديث عن مشاهد الثراء الحرام والمشبوه الذي أصبحت تنبيك عنه غابات الاسمنت والبنايات الشاهقة والشركات العملاقة والاستثمارات الضخمة والمجمعات السكنية الفاخرة، والحياة المترفة التي لا تشبه حتى حياة أغنى أغنياء السودان المعروفين، ثراء مشبوه صاعد بقوة لا تحده حدود، تتحدث عنه مجالس المدينة صباح مساء.. فأين مبدأ وقانون من أين لك هذا؟!

قبل بضعة أشهر تكرم وزير العدل، وبعد صمت طويل إزاء هذه الظاهرة وحدثنا عن 150 شكوى خلال عام واحد فقط بشأن حالات الثراء الحرام والمشبوه، و25 حالة تحلل، و10 فقط من تلك الشكاوى وصلت المحاكم و33 تم شطبها، و29 تم حفظها لعدم متابعة الأطراف للإجراءات..

في رأيي أن المسؤولية الكبرى في هذا الأمر تقع على المواطن الذي يجب أن يبلغ عن أية حالة ثراء مشبوه خاصة وأن المبلّغ لا يظهر أمام المحاكم وتضرب إدارة مكافحة الثراء الحرام عليه سياجاً من السرية وتتولى الإدارة عملية التحري عن صحة الحالة، ثم تواصل إجراءاتها القانونية، ولهذا يكون مقدم الشكوى في مأمن ولن يظهر ضمن شخوص المشهد.

الحكمة في إخفاء مقدم الشكوى هي تجنيب “المحتسب” الذي يقوم بالتبليغ من أية مواجهة أو خطر أو أذى قد يتعرض له بسبب التبليغ أو رفع للحرج الذي قد يحدث كما أن أمر التقاضي وكثرة الإجراءات لو تُركت للمبلغين، فإن الإدارة ستصبح بلا أعباء كما أن المواجهة قد تدفع الشاكي المحتسب للإححام عن القيام بهذه المهمة لما يترتب عليها من تضييع للوقت في ردهات المحاكم والنيابات والمشكلات الأخرى، خاصة وأن المتهمين بالثراء الحرام والمشبوه في الغالب هم أصحاب سطوة…

اللهم هذا قسمي فيما أملك.

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.

احمد يوسف التاي

الصيحة

Exit mobile version