لا تزال هناك ضرورة للحديث عن قيمة وثيقة الحوار الوطني والتعامل الخاطئ معها من بعض الأطراف بإطلاق أحكام نهائية عليها وعلى الحوار الذي تم ووصفه بأنه مجرد فرقعة سياسية عالية الصوت وقليلة الأثر وأنها فقط ترسم مشهداً مؤقتاً من تشكيلات الأضواء على سماء الساحة السياسية مثل الألعاب النارية لكن سرعان ما تزول هذه الأضواء وتختفي .
وقد استعان هاجس الشك والرفض لهذا الحوار ووثيقته بكل فعل أو قول يسعف منطقه مثل تصريحات دكتور نافع علي نافع القيادي بحزب المؤتمر الوطني وحديثه عن عدم ذهاب منصب رئيس الوزراء لغير حزب المؤتمر الوطني.. هذا التصريح التقطه المرتابون في الحوار ومخرجاته ووضعوه في قائمة المؤكدات والدلائل على طريقة (مش قلنا ليكم ؟؟!!) ما قلنا عن هذا الحوار .
وسنتوقع ترصداً مستمراً من الأطراف الرافضة للحوار لكل قول أو فعل يصلح للإضافة في قائمة المؤكدات والدلائل على صحة موقفهم .
ونقول لهؤلاء نتوقع أن تجدوا الكثير والمثير الذي يصلح للإضافة في هذه القائمة خلال الفترة القادمة لو ركزتم على نهج الترصد هذا لتأكيد الضعف وتركتم المفاتيح الأخرى الجديدة التي يمكن استخدامها لتقوية مخرجات الحوار وتعزيز مبادئ الوثيقة وعدم ترك مساحة للتملص من عملية إنفاذها لمصلحة الواقع السياسي في السودان .
كان من الممكن أن يمثل تصريح دكتور نافع حول منصب رئيس الوزراء عنصر حماس للممانعين للتقدم نحو وثيقة الحوار وتقديم إضافتهم عليها وإظهار جدية للالتحاق بها وليس العكس، لأن تصريح دكتور نافع بخصوص منصب رئيس الوزراء يؤكد حقيقة أن هناك تيارات أو قيادات داخل الحزب الحاكم غير متحمسة أو غير راغبة في تقديم الحزب للتنازلات التي تفرضها عليه وثيقة الحوار الوطني غض النظر عن نسبة تلبية هذه الوثيقة لطموحات الآخرين.. لكن وكشرط موضوعي لتثبيت ما حققته الوثيقة فإن المطلوب هو إشعار الحزب الحاكم بعدم وجود مجال للتملص وإشعاره بحجم النتائج التي تحققها تلك التنازلات وهذا الحجم يزيد بانضمام أكبر عدد من القوى المعارضة لهذه الوثيقة وتمسكهم بها لتحقيق محتواها الذي يحتاج إلى تشريعات جديدة ويحتاج إلى عمل كبير جداً لكي يتحقق بالشكل الذي يعكس واقعاً جديداً بالفعل في الساحة السياسية .
وبما أن هناك تيارا داخل الحزب الحاكم لا يرغب في تقديم التنازلات المطلوبة لإنفاذ الوثيقة بشكل يرضي طموحات القوى السياسية الأخرى فإن عزوف وامتناع القوى السياسية المعارضة عن التعاطي مع هذه الوثيقة ودعمها يتيح فرصة سانحة لمثل هذا التيار من التملص عن أداء استحقاقاتها .
الحريات التي التزمت بها الوثيقة والتزم بها السيد الرئيس في حواره التلفزيوني.. والدستور الجديد الذي سيشارك فيه كل من يريد أن يشارك في صياغته ومنصب رئيس الوزراء الذي يمكن أن يسهم كثيراً في إصلاح وتطوير أداء الجهاز التنفيذي.. وغير ذلك من بنود الوثيقة هي استحقاقات كبيرة يمكن أن تنتج واقعاً جديداً بشكل كلي وبضمانات تنفيذ قدمها السيد رئيس الجمهورية بالتزام قاطع.. وهذا الالتزام يبدو تحدياً صعباً ويحتاج إلى دعم ومساندة كبيرة للرئيس نفسه حتى ينجح في تنفيذه وأدائه في ظل وجود تيارات داخل حزب المؤتمر الوطني غير متحمسة للتغيير .
اليوم التالي