يعتبر الصراع في جنوب السودان في جوهره صراعاً عِرقياً، وأن العنف الجنسي بات سلاحاً مألوفاً بسبب الأعمال العدائية العِرقية في البلاد، وقد يحدث بعض هذا العنف تحت سمع وبصر قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة.
فقد قالت الأمم المتحدة، إنه كانت هناك على الأقل 120 حالة عنف جنسي واغتصاب في عاصمة جنوب السودان جوبا منذ اندلاع الاقتتال قبل عدة أسابيع بين القوات الموالية للرئيس سلفاكير ميارديت وأولئك التابعين لنائب الرئيس رياك مشار.
وقالت وكالة “الآسوشيتد برس”، إن جنود الحكومة اغتصبوا عشرات النساء والفتيات من قبيلة النوير على مقربةٍ من معسكر الأمم المتحدة وخارج المعسكر الذي أنشئ لتوفير المأوى لحوالى ثلاثين ألف مدني، وأضافت الوكالة أن اثنتين من ضحايا الاغتصاب ماتتا بسبب الإصابات الناتجة عن الاغتصاب.
وفي واحدة على الأقل من حالات الاعتداء الجنسي التي وقعت في يوليو، شاهد جنود قوات حفظ السلام النيباليين والصينيين عملية الاعتداء الجنسي من على برج الحراسة وإحدى المدرعات.
حيث قال شاهدٌ منهم لـ”آسوشيتد برس”: (لقد رأينا عملية الاعتداء الجنسي وكل واحدٍ منا رآها حيث كانت المرأة تصرخ صراخاً شديداً وتقاوم لكن لا تجد مساعدة، فقد كانت تصرخ من أجل المساعدة).
حماية المدنيين
لقد أشارت نانسي لندبورج رئيسة المعهد الأميركي للسلام -وهو مجموعة فيدرالية مناط بها تحليل الصراعات- إلى قرار صادر من الأمم المتحدة في مارس 2014 يقضي بتغيير التركيز على عملية بناء الدولة إلى التركيز على حماية المدنيين.
وقالت نانسي لصحيفة “الكرستيان ساينس مونيتور”: (أنا لا أثق في أن قوات حفظ السلام هذي قد أُعدِّت إعداداً كاملاً ودُرِّبت تدريباً وافياً لتنفيذ ذلك التفويض).
وأضافت قائلة: (لقد أتت تقارير الانتهاك الجنسي والجرائم الأخرى من داخل بعض معسكرات الأمم المتحدة التي كان مئات الآلاف من المدنيين يلجأون إليها طلباً للمأوى.
إن القوات في الغالب لم يتم إعدادها كي تنجز ما طُلب منها إنجازه في جنوب السودان الآن).
وأشارت نانسي إلى أن قادة البلاد غير راغبين في كبح جماح الجنود المسؤولين عن الانتهاكات أو هم عاجزون عن كبحها.
مخازن الأغذية
وقال موقع “ديلي بيست” الإلكتروني، إن جنود الحكومة منعوا الأمم المتحدة من الوصول إلى مخازن الأغذية وقطعوا الطرق المؤدية إلى العاصمة بل إنهم نهبوا الإمدادات مسببين نقصاً إمدادياً في المعسكرات.
ووفقاً لإفادة أنجلينا دانييل سيكا المدير الإقليمي لمجموعة حقوق الإنسان المحلية الموسومة بـ”إنهاء الحصانة والإفلات من العقاب”، فإن ذلك يوضح لماذا تغامر النساء اللاتي يخرجن بحثاً عن الغذاء.
ودعت أنجلينا سيكا القادة العسكريين إلى وضع حدٍّ للاعتداءات الجنسية التي يقوم بها جنود الصف، إذ قالت في تصريح لها: (لا يمكننا بعد ذلك أن نتحدث عن العنف الجنسي الذي ارتكبه مسلحون مجهولون، فالذين يرتكبون هذه الانتهاكات معروفون ويمضون في سبيل حالهم من غير أن تطالهم المساءلة، فأنا أريد من القادة العسكريين توجيه الجيش بإيقاف هذا النوع من العنف الجنسي الذي يمارس ضد النساء).
من ناحيتها، قالت الأمم المتحدة إنها تبحث في مزاعم فحواها أن قوات حفظ السلام لم تقم بمساعدة المواطنات المدنيات اللاتي تم الاعتداء عليهن جنسياً.
ربيع وصيف
وتعهدت الأمم المتحدة بردودٍ قوية إذا صحت المزاعم المذكورة. إن الصراع الدائر هو استئنافٌ لحربٍ كان فيها الاغتصاب مستشرياً.
ففي فترة عمرها خمسة أشهر -في ربيع وصيف عام 2015- عندما كانت الحرب مشتدة، سجلت الأمم المتحدة أكثر من 1300 تقرير حول الاغتصاب في ولاية الوحدة وحدها التي تعتبر واحدة من عشر ولايات في البلاد.
من جانبه، قال أليكس دي وال المدير التنفيذي لمعهد السلام العالمي بجامعة تافتس، إن العنف الجنسي يعكس الوضع الشاذ لمؤسسة الجيش.
فقد قال دي وال في حوارٍ أجرته معه صحيفة “المونيتور”: (إن جيش جنوب السودان ليس جيشاً مهنياً، فهو ائتلاف من المليشيات العِرقية التي تدين أي وحدةٍ عسكرية فيها بولائها لقائدها المحدد.
فالمقاتلون لا ينظرون إلى مهمتهم بكونها تنحصر في إلحاق الهزيمة بقوات الجانب الآخر بل بكونها تنحصر في ممارسة المعاملة السيئة على المجموعات الموالية للجانب الآخر وإلحاق الخسائر المادية بها).
وتقول نانسي لندبورج: (كثيراً ما يُسمح للجنود بارتكاب عمليات الاغتصاب عوضاً عن تلقي أجورهم ومرتباتهم، وأن الضحايا يقايضون في بعض الأوقات عملية الانتهاك مقابل الإبقاء على حياتهم فيصبح الأمر وجهاً من وجوه المعاملات للحفاظ على الحياة).
شبكة الشروق