قد يعتقدُ البعض أن نظام الرتب العسكرية للجيوش في العالم هو نظام حديث ظهر في القرن العشرين، ولكن في الحقيقة أن نظام الرتب العسكرية ظهر منذ العصر اليوناني، وتحديدًا منذ عام 501 قبل الميلاد، حيث كان يوجد في أثينا عددٌ من القبائل، يُقدَّر عددهم بعشرة قبائل، فكانت كلُّ قبيلة تقوم بانتخاب فرد منها؛ ليكون ممثلًا عنها في دولة المدينة الأثينية، وذلك في إطار تأسيس أول أشكال الديمقراطية حينها. وكان من يتم انتخابه يحصل على لقب «ستراتيجوس»، وهي كلمة يونانية تعني «قائد للجيش»، والتي تُرجمت فيما بعد إلى لفظ «جنرال».
تمثال لأحد جنرالات الجيش في اليونان القديمة عام 400 ق.م
ظلذَت الرتب العسكرية المختلفة متواجدة على مدار العصور، منذ ظهورها قبل الميلاد، وذلك إلى أن وصلت لشكلها شبه النهائي، الذي يشبه جدًا الشكل التي هي عليه في يومنا هذا. كان ذلك في نهاية العصور الوسطى في بدايات القرن السادس عشر تقريبًا، حيث تم تقسيم الجيش إلى ثلاثة أنواع من الأفراد؛ الضباط، ضباط الصف، والجنود، وهو ما تم النص عليه لاحقًا ضمن اتفاقات جنيف والتي تم عقدها على مدار مراحل مختلفة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
الرتب العسكرية في العصر الحديث
لا يوجد أي جيش في العالم بلا رتب عسكرية؛ لأن ذلك ليس اختياريًا. حاول فقط للحظة أن تتخيل جيشًا بلا رتب أثناء الحرب؛ مَن يقود الجيش؟ هل يقوم الجيش بالهجوم أم التريث قليلًا؟ هل تتقدَّم قوات الجيش أم لا؟ هذه وغيرها من الأسئلة ستظلُّ بلا إجابة طالما لم توجد أيَّة رتب أو درجات عسكرية.
جديرٌ بالذكر أن هذا الأمر حدث من قبل مثلما حدث في الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية، الذي تم إلغاء الرتب العسكرية فيه مؤقتًا؛ وذلك لوجود صعوبات في التحكُّم في الجنود المقاتلين. فضلًا عن جيش التحرير الشعبي الصيني الذي حدث معه الأمر نفسه. أحيانًا تكون الحروب عشوائية، ولكن ليس إلى هذا الحد الذي لا يوجد فيه قياداتٌ للجيش.
ويعتمد نظام الرتب أو الدرجات العسكرية على ترتيب هرمي متسلسل للمؤسسة العسكرية. آلية التنظيم الهرمي لم توجد فقط للمؤسسات العسكرية، وإنما تصلح لأيِّة مؤسسةٍ أخرى. ففي حالة المؤسسة العسكرية.. يتألَّف عادةً هذا التدرُّج من سلطةٍ فردية أو جماعية على رأس الجيش، ويليها مستوياتٍ متتالية متدرجة من السلطة؛ بحيث تكون الرتب الأعلى صاحبة الأمر، فهي التي تأمر، وتأتي الرتب الأدنى لتُأتمر.
وقد تختلف مسميات رتب الجيوش من دولة إلى أخرى، ولكن لا تختلف الترتيبات ولا المهام على الأغلب. ففي فئة الجنود يوجد رتبة الجندي، وتسمَّى رتبة الجندي أول. أمَّا في فئة ضبَّاط الصف، وهي فئة متوسطة أسمى في الرتبة من فئة الجنود، وأقل من رتبة الضباط. فتتدرج فئة ضباط الصف؛ لتبدأ من الأقل قوَّة، ويسمَّى بالعرِّيف، ثم عرِّيف أول، ويليها رقيب/شاويش، ثم رقيب أول/باش شاويش، ثم مساعد/صول، ثم مساعد أول. وتوجد بعض الدول، مثل لبنان لديها رتب أعلى من المساعد أول في فئة ضباط الصف، وهي رتبة المؤهل، ويليها رتبة المؤهل أول.
أمَّا الرتبة الأهم والأقوى، والتي تتحكم بشكلٍ أساسي في الجيش وعمله وغيره، هي فئة الضباط، والتي يحصل عليها كل من تخرَّج من الكليات والمعاهد العسكرية للدولة. وتتدرج من الأقلّ قوة إلى الأكثر قوة؛ فتبدأ برتبة الملازم، ثم الملازم الأول، ويليها رتبة النقيب، ثم الرائد، ثم المقدم، يليه العقيد، يليه العميد، ثم اللواء، ثم الفريق، ويليه الفريق أول، وأخيرًا رتبة المشير، والتي تعتبر أعلى رتبة على الإطلاق قد يحصل عليها أي ضابط في العالم.
«المشير».. الرتبة الأعلى على الإطلاق وإن اختلفت المسمَّيات
يقصد بالـ «مشير» لغةً، الحكيم الناصح، أي الذي ينصح ويهتدى برأيه، ويقصد بها اصطلاحًا، رتبة عسكرية فوق رتبة «فريق أول»، وهي أعلى رتبة عسكرية للجيوش في الوقت الحالي. وقد تختلف مسميات رتبة «مشير» من دولة إلى أخرى؛ ففي معظم الدول العربية توجد رتبة الـ«مشير» بمسماها الحالي، ولكنها تختلف فقط في دولةٍ مثل العراق؛ حيث تسمى «مهيب»، وأيضًا في سوريا يطلق عليها اسم آخر وهو «فريق». وأمَّا في بريطانيا وأستراليا فيطلق عليها لفظ «فيلد مارشال»، وفي ألمانيا يطلق عليها «جنرال فيلد مارشال»، وفي الولايات المتحدة يطلق عليها رتبة «الجنرال صاحب الخمسة نجوم» أو «Five-star General».
ويعود أصل تسمية «مارشال» بالإنجليزية إلى العصور الوسطى، وتحديدًا عصر الملوك الفرنجة. حيث إن التسمية مشتقة من التسمية الألمانية القديمة لحارس خيول الملك «مارشكالك» أو «Marh-scalc» التي تطورت فيما بعد لتصبح «مارشال» ثم «فيلد مارشال».
لماذا لا توجد رتبة «المشير» في كل الجيوش؟
في الوقت الحالي.. لا توجد رتبة الـ «المشير» في كل جيوش العالم؛ ويرجع ذلك إلى الشروط والمعايير العسكرية التي ينبغي توافرها في الضابط حتى يتمكن من الحصول على رتبة «المشير»، وهذه ليست قوانين منصوص عليها، ولكنها تعتبر كالعُرف في معظم جيوش العالم. ويُعد الشرط الأهم والأبرز هو قيادة الجيش في إحدى الحروب، والقيام بدورٍ فعَّال في هذه الحرب، مثل تحويل الهزيمة إلى انتصار، ونظرًا لعدم وجود حروب بين دول – بشكلٍ مباشر على الأقلّ – منذ عدَّة عقود، فإن عدد الحاصلين على رتبة «مشير» في العالم في حالة نقصان، ويقل عددهم يومًا بعد يوم؛ بسبب الوفاة نتيجة التقدُّم في السنّ.
وفي الوقت الذي لا يوجد فيه مشير على رأس الجيش، فإن رتبة «فريق أول» أو «جنرال» تكون أعلى رتبة في الجيش. وتتطلَّب بعض الجيوش عدم وجود أكثر من فرد يحمل أعلى رتبة في الجيش؛ وذلك لكون هذا الفرد هو قائد الجيش، أو القائد العام للقوات المسلحة، وبالتالي لا يجوز أن يكون هناك قائدين. ولذلك فلا يجوز وجود ضابطين يحملان رتبة «المشير» في نفس الجيش، وفي حالة وجود مشير واحد يكون هو قائد الجيش، ويجوز في هذه الحالة وجود أكثر من ضابط يحمل رتبة «فريق أول/جنرال». وأمَّا في حالة عدم وجود ضابط يحمل رتبة «المشير» على رأس الجيش، ففي هذه الحالة يجب أن يكون هناك ضابط واحد فقط يحمل رتبة «فريق أول/جنرال» ويكون هو قائد الجيش.
«المشير» حول العالم
لا يوجد عددٌ كبير من الضباط ممن يحملون رتبة «مشير» في العالم في الوقت الحالي؛ ففي تاريخ الجيش الأمريكي لم يحصل على رتبة المشير إلا خمسة ضباط فقط؛ وذلك نظرًا لجهودهم في الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية، بالإضافة إلى أربعة ضباط في البحرية الأمريكية، ولكن تحت مسمَّى آخر خاص بالقوات البحرية بالإنجليزية وهو «Fleet Admiral». وقد كان آخر من على هذه الرتبة هو الفيلد مارشال «عمر برادلي» عام 1950. وعلى غرارها فإن الجيش الألماني منح رتبة جنرال فيلد مارشال لحوالي مائة ضابط على مدار تاريخه، وخاصة في الفترة من عام 1806 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وأيضًا لا يوجد منهم أي فرد ما زال على قيد الحياة إلى وقتنا هذا.
أمَّا في المملكة المتحدة ومنذ بداية تكوين الجيش الهندي البريطاني عام 1895 حَصَلَ عددٌ كبيرٌ من الضبَّاط على هذه الرتبة؛ وذلك نظرًا لمشاركة هذا الجيش في الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ حيث إنه شارك في الحرب العالمية الأولى بحوالي نصف مليون جندي وضابط، وفي الحرب العالمية الثانية بحوالي مليونين ونصف جندي وضابط. ويُقدَّر عدد الحاصلين على رتبة «فيلد مارشال» على مدار تاريخ المملكة المتحدة بحوالي 141 شخصًا معظمهم حصلوا على هذه الترقية في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية.
ولكنّ المملكة المتحدة تمنح هذه الرتبة أيضًا لبعض أعضاء العائلة الملكية. وعلى عكس الولايات المتحدة وألمانيا، اللتين لا يوجد فيهما أي فرد على قيد الحياة في الوقت الحاضر حاصل على هذه الرتبة، إلا أن المملكة المتحدة يوجد بها في الوقت الحالي ستَّة أشخاص حاصلين على هذه الرتبة، وما زالوا على قيد الحياة، أبرزهم «الأمير إدوارد» دوق «كنت»، وحفيد الملك «جورج الخامس»، والذي حصل على الرتبة عام 1993، و«الأمير تشارلز»، أمير ويلز، وولي عهد المملكة المتحدة، والحاصل عليها عام 2014. وكان آخر الحاصلين على رتبة «فيلد مارشال» في المملكة البريطانية هو الضابط «مايكل ووكر»، والذي حصل عليها عام 2014.
ولم يختلف الوضع كثيرًا عن الولايات المتحدة وألمانيا في دول أخرى، حيث حصل معظم الضباط فيها على هذه الرتبة في أعقاب الحرب العالمية الأولى أو الثانية مثل النمسا والمجر أثناء الإمبراطورية النمساوية المجرية، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، والإمبراطورية العثمانية، ورومانيا، وصربيا، والاتحاد السوفيتي وغيرهم.
«المشير» في الوطن العربي.. رتبة كل حاكم
المشير عمر البشير
تستخدم رتبة «المشير» في الوطن العربي بثلاثة مسميات مختلفة؛ «المشير» في معظم الدول، و«المهيب» في العراق، و«فريق» في سوريا. ويوجد في الوطن العربي حوالي 50 ضابطًا حصلوا على هذه الرتبة من قبل، أبرزهم من الحكام العرب، سواء كانوا سلاطين، أو رؤساء، أو ملوك. ففي السودان حصل على رتبة مشير ثلاث ضبَّاط، كانوا جميعًا رؤساءً للسودان، ويبقى منهم على قيد الحياة الرئيس السابق «عبدالرحمن سوار الذهب» و«المشير عمر البشير»، رئيس السودان الحالي، والذي قاد الجيش السوداني في حرب أكتوبر 1973.
وفي اليمن يوجد ثلاثة ضباط من الحاصلين على رتبة «المشير»، وثلاثتهم أيضًا من رؤساء الجهورية اليمنية، ويبقى منهم على قيد الحياة «المشير علي عبد الله صالح»، الرئيس السابق للجمهورية اليمنية، و«المشير عبد ربه منصور هادي»، الرئيس الحالي للجمهورية اليمنية. أمَّا في عُمان فلا يوجد أحد يحصل على رتبة «المشير»، إلا المشير «السلطان قابوس بن سعيد»، سلطان عُمان والقائد الأعلى للقوات المسلحة العُمانية. وفي العراق يوجد ثلاثة ضباط حاصلين على رتبة «مهيب»، أبرزهم «المهيب صدام حسين»، رئيس الجمهورية العراقية. وفي مملكة البحرين يوجد ضابطان اثنان حاصلان على رتبة مشير، أبرزهم «الملك حمد بن عيسى آل خليفة»، الملك الحالي لمملكة البحرين.
حمد بن عيسى آل خليفة
وفي الأردن يوجد سبعة ضبَّاط حاصلين على رتبة «المشير»، منهم اثنان من ملوك الأردن، ويبقى منهم «الملك عبدالله الثاني بن الحسين»، ملك المملكة الأردنية الهاشمية الحالي، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية. وفي سوريا يوجد ضابطان فقط حاصلان على رتبة «العماد» «حسني الزعيم»، رئيس الجمهورية السورية الأولى، والذي أتى إلى الحكم بانقلابٍ في مارس (آذار) عام 1949، و«بشَّار الأسد»، رئيس الجمهورية السورية، الذي لم يقد أيَّة حروب في حياتهِ بالطبع. وفي تونس حصل على رتبة «المشير» عشرة ضباط، كان آخرهم «محمد الأمين باشا باي»، آخر البايات التونسيين، والذي حكم تونس حتى تاريخ إعلان الجمهورية التونسية عام 1957.
وفي ليبيا أعلن رئيس مجلس النواب الليبي «المستشار عقيلة صالح» يوم الأربعاء الموافق 14 سبتمبر (أيلول) من عام 2016، ترقية القائد العام للجيش «خليفة حفتر» إلى رتبة مشير، وذلك بعد عامٍ ونصف من ترقيته إلى رتبة فريق أول؛ ليصبح أول مشير في تاريخ الجمهورية الليبية، وبذلك يعتبر «المشير خليفة حفتر» أحدث الضباط العرب الحاصلين على رتبة مشير، وذلك بعد أن كان «المشير المصري عبد الفتاح السيسي» آخر الحاصلين عليها عام 2014.
أمَّا في مصر فيوجد تسعة ضباط حاصلين على رتبة المشير؛ اثنان منهم فقط على قيد الحياة؛ «المشير محمد حسين طنطاوي»، والرئيس الحالي «المشير عبد الفتاح السيسي»، وهو آخر من حصل على هذه الرتبة، والتي حصل عليها في يناير (كانون الثاني) من عام 2014.
وقد أثار منح المشير«السيسي» هذه الرتبة بقرار جمهوري جدلًا في الوسط العسكري؛ وذلك نظرًا لعدم خوضه أيَّة حروبٍ تذكر، وفي هذا الشأن، وقبل أن يتم الإعلان رسميًا عن حصوله عليها، أكد «الفريق حمدي وهيبة» في تصريحٍ لجريدة الشروق المصرية، بأنه لا يجوز للسيسي الحصول على رتبة «المشير» طبقًا للمعايير الدولية، وهو ما اتفق عليه أيضًا «اللواء يسري قنديل» في تصريحٍ له لموقع نجوم مصرية، بينما رأى «الدكتور عوض شفيق»، أستاذ القانون الدولي، أن السيسي خاض «حربًا ضد الإرهاب» ولذلك يحقُّ له الحصول على رتبة مشير، واتفق معه جزأيًا القائمون على «المنتدى العربي للدفاع والتسليح»، الذين يرون أن السيسي خاض حروبًا أخطر من الحروب الميدانية، وهي حروب الجيل الرابع! الجدل ذاته أثاره حصول «المشير عبد الحكيم عامر» الذي كان قد حصل على الرتبة عام 1958 بعد العدوان الثلاثي على مصر، وهي الحرب التي لم يحقق فيها أيّ انتصارٍ يُذكر!
ومن ضمن الضباط العرب الذين حصلوا على هذه الرتبة في بلاد غير بلادهم الأم كان المارشال محمد أمزيان، والذي يحمل الجنسيتين الإسبانية والمغربية، حيث حصل على هذه الرتبة من الجيش الإسباني عام 1970، بعد مشاركته في الحرب الأهلية الإسبانية في صفوف الرئيس الأسبق لإسبانيا فرانسيسكو فرانكو. أمَّا باقي الدول العربية فلم تستخدم رتبة المشير أو ما يعادلها قط، وفي أغلب الأحيان تكون أعلى رتبة في جيوشها هي رتبة الفريق أول، أو ربما تكون هناك رتبة مشير في جيوش هذه البلاد ولكن لم يتقلدها أحد، مثلما كان الوضع في ليبيا قبل ترقية «المشير خليفة حفتر» لرتبة مشير منذ بضعة أيام.
ساسة بوست