انتشرت وتنوعت طرق السرقة في السنوات الأخيرة الماضية وباتت لديها وجوه كثيرة سواء في المنازل أو المحال التجارية، وبأسلوب لم نعتد عليه، لأنها كانت تحدث آخر الليل وعند ساعات الصباح الأولى، ويكون السارق خائفاً وجلاً، من عيون المصلين والمتربصين، وكونها تحدث وضح النهار أمام مرأى ومسمع الجميع، فهذا أمر جد مُحيّر، ماذا حدث وماذا سيحدث وما الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة الحرجة، وهل يمكننا تدارك الأمر حفاظاً على ممتلكاتنا قبل أرواحنا؟
يرى معالج نفسي بمستشفى التجاني الماحي – فضل حجب اسمه – أن السرقة مرض نفسي ينضم لقائمة أمراض عائلة (الوسواس القهري)، وقال: هذا النوع من المرض قابل للعلاج لأنه أحد الاضطرابات النفسية التي يكون فيها المريض مدفوعاً لسرقة أشياء زهيدة الثمن ليس بحاجة إليها، فضلاً عن أنه ليس بعاجز عن شرائها ويسرق بهدف القيام بالفعل فقط. وأضاف: في تلك اللحظة يشعر المريض وقتها بلذة سرعان ما تتبدد ويحل محلها إحباط وندم، هذا الندم يدل على أنه مريض ويساهم في العلاج بشكل مباشر، أما في حال عدم حدوثه يصبح سلوكاً وجريمة يعاقب عليها القانون لأنها فعل مستمر. وأشار المعالج إلى ندرة الحالات المرضية، لكنه أفصح عن وجود حالة واحدة لا تزال تحت العلاج. وقال: الاكتشاف المبكر والتوجه مباشرة للطبيب يساهم في التخلص من المرض نهائياً.
تفكك أسري
من جهته، عدَّ الأستاذ بقسم علم الاجتماع بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية إبراهيم فتح العليم السرقة جريمة وإحدى ظواهر المجتمع السالبة التي تتأثر بتعقد المجتمعات، كلما حدث تغيُّر اجتماعي داخل المجتمع وأنظمته، وقال: الفقر وفشل تنشئة الابناء الناتج من التفكك الاسري والاسراف أو عدم تلبية طلبات الأبناء أحد أسباب السرقة، بالإضافة إلى إدمان المخدرات والحاجة إلى المال، أو توفره في متناول اليد. وأضاف: أيضاً الهجرة من الريف إلى المدن وانتشار التكنولوجيا عززت من الفعل ولعبت دوراً كبيراً في التخطيط للسرقة بصورة منظمة، لذلك يؤكد إبراهيم ضرورة توخي المجتمع والأسرة الحذر باستخدام أساليب وطرائق جديدة في التعامل مع الأبناء وتلبية طلباتهم، وعلى الجهات الشرطية ومصلحة السجون والمساجد وسط الأحياء إعلاء أسلوب الخطاب الديني الوعظي والإرشادي ودعم السلوك الإيجابي داخل المجتمعات.
تخلف اقتصادي
فيما ترى الأستاذة بقسم الاقتصاد بجامعة القران الكريم د. إخلاص عبد القادر السرقة استحواذاً على ما يملكه الآخرون دون وجه حق، وعادة مكتسبة وليست وراثية أو فطرية وسلوك يعبر عن حاجات نفسية معينة، وهي أحد عناصر التخلف الاقتصادي، وتساهم في هدم البناء الاقتصادي لأن السارق عاطل عن العمل وعنصر غير فعال في المجتمع، لذلك يحدث خللاً مالي واقتصادي للعناصر الفعالة. وقالت: انعدام العدالة في الدخل والثروة يؤدي إلى سوء التوزيع بين أفراد المجتمع، فيعمق الإحساس بالغبن تجاه الآخرين، وتحدث السرقة، حتى وإن كانت بغرض سد الرمق أو إشباع ميل أو عاطفة أو هواية لكنها في نهاية الأمر تقود لنشر البغض والحقد بين الناس.
وتابعت: “من الضروري نشر مفهوم الملكية واحترامها وتعزيز الوازع الديني ومحاولة إقناعه بالقيم الدينية والأخلاقية وترسيخها في نفسه في المرة الأولى بدلاً من توبيخه وأهانته وضربه”. ونصحت د. إخلاص التربويين والاختصاصيين بدراسة الدوافع من وراء انتشار السرقة وتقديم الحلول المناسبة التي يمكن من خلالها الحد من انتشارها. وقالت: “من المهم التفاعل مع السارق وتكوين علاقات وصداقات وطيدة معه للتأثير عليه، وضرورة مراعاة حالته النفسية ومحاولة التعرف على الأسباب النفسية والاجتماعية والعائلية التي قادته إلى هذا السلوك، وتوفير التعويض اللازم حتى يتمكن من استعادته سليماً ومعافى للتعاطي والاندماج في المجتمع المحيط”.
أحكام حددها القرآن
وتقول د. إخلاص عبد القادر إن السرقة من الموضوعات الشائكة جدا، لذلك حدد القرآن الكريم أحكامها كقوله تعالى “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” الآية (38) من سورة المائدة، وفي السنة النبوية غلظ الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم على السارق وجاء في الحديث “وأيمُ اللَّهِ! لَو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمَّدٍ سرَقَت لقطعتُ يدَها”، من هنا يتبين العدالة والإنصاف في تنفيذ الحدود وتغليظها. وأضافت: حدوث السرقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة كـ (اختلاس الأموال) تعد خيانة للأمانة وتبديد لأموال الغير، كقوله تعالى: “لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل”.
الخرطوم – عرفة عبد الله الضو
صحيفة اليوم التالي