الأزمة منظومة!!

يَصر كَثيرون على اختزال الأزمة في الشخوص، كمن يُطالب بعضهم باستقالة وزير الصحة بولاية الخرطوم مامون حمّيدة على خلفية إضراب الأطباء الذي يتمدد يوماً بعد يوم. أو أن يُطالب بعض البرلمانيين وزير المالية بالاستقالة على خلفية انهيار العُملة الوطنية.
إذا استقال وزير الصحة بالولاية أو حتى الاتحادي مثلاً، فهل حُلت أزمة القطاع الصحي التي تشمل كل السودان، وهل تتبدّل ميزانية الصحة بذهاب أبو قردة أو سمية أُكُد؟ وهل يتعافى الجنيه السوداني بذهاب وزير المالية دون مُخاطبة أُس الأزمة؟
أزمة الصحة والاقتصاد والتعليم وغيرها أكبر من وزير اتحادي أو ولائي، فما المنصب إلاّ تنفيذٌ لسياسات وضعتها المنظومة التي تحكم، وليس معقولاً أن ينفذ التنفيذي سياسات تخصه وإن حدث ذلك فبعلم الذي أتى به وزيراً.. بعضهم يعيب على وزراء بعينهم أنّ لهم أعمالاً خَاصّة يُديرونها من مكاتب الدولة، وكأن الدولة لا تعلم أو لا تسمح بذلك، بل أنّ بعضهم تمّ اختيارهم لهذه المناصب لأجل هذه المَنفعة، هكذا تعمل المَنظومة.
التغيير المطلوب ينبغي أن يبدأ من أعلى القمة حتى أدناها، لأنّ الأزمة شاملة تتجاوز الشخوص، وحلها لا يُمكن أن يتم بهذه البَسَاطة عبر تبديل الوجوه وتقديم وتأخير أخرى، وزيادة مَنَاصب.
القضية لا تنحصر في وجوهٍ بعينها، هي منظومة كَاملة تمدّدت في كل شِبرٍ، فماذا ينفع لو ذهب فلان وظلّ النظام وسياسته ومنهجه باقياً، وهل بالإمكان أن يحدث تغييرٌ حقيقيٌّ إذا ذهب شخصٌ واحدٌ أو اثنان أو مائة وبقيت المنظومة كاملةً، ينبغي أن لا تُربط الحُلول بذهاب الأشخاص فقط، تغيير المنظومة بأكملها هو التغيير الحقيقي، أزمات السُّودان المُركّبة تَجَاوزت حُلولها الوقت الذي يَنبغي، وسَوف تَستغرق المَزيد إذا ما استمر اختزال الأزمة في أشخاصٍ أو تبرئة وإدانة أشخاصٍ بعيداً عن المنظومة التي يعملون تحت تغطيتها.. والمُؤكّد أنّ كَثيراً من الذين يجعلون أُس الأزمة في شخصٍ ما تحركهم الصراعات أكثر من الإرادة القوية للتغيير الحقيقي.
ما يمر به السُّودان الآن ليس في من يكون الرئيس أو الوزير، وإنّما في كيف يكون، وكيف هذه هي التي تُحدِّد ما سيكون عليه الوضع مُستقبلاً، إنْ كَانَ تَغييراً قليل التكلفة، أو تغييراً باهظ الثمن يَعصف بما تبقى.
في وقتٍ مَضى، نَقلَ أحد قيادات الشعبي حينما قابل حزبه الرئيس البشير، حينما كان الحوار الوطني في بداياته، نَقلَ عن الرئيس أنّه يخشى إن لم يتغيّر الوضع بالحوار، أن يتغيّر بطُرق أُخرى.
في هذه الأثناء تبدو الفرصة وكأنّها تتبدّد وتلحق بالسابقات. المَنظُومة التي تحكم الآن استحقت بامتياز أن تُمنح جائزة عالمية في تبديد الفُرص، لن يفيدها منصب أو اتفاق سلام وهمي يُعزِّز اشتعال الحرب من جديد..!

شمائل النور

التيار

Exit mobile version