في نهار قائظ من العام 2007 وبينما كنت أقوم بتحقيق صحفي لصالح صحيفة (الرأي العام)، استوقفني مشهد رهيب في ذلك اليوم؛ لم أنسه قط ، ولا أعتقد أني سأنساه.
حيث كنت أُجري بعض المقابلات الصحفية مع عدد من الأطباء في (مستشفى الذرة) حول السرطان وأنواعه ومعدل الإصابة ونسبة الوفيات وخلافه.
في ذلك اليوم استوقفني مشهدٌ لامرأة قادمة من إحدى ولايات غرب السودان؛ كانت مصابة بسرطان في الفم، وانتقل المرض إلى باقي الوجه؛ فكان خدها الأيمن منتفخاً ومتورماً ومتقرحاً حتى أنها كانت تحمل ورقة (فلوسكاب) في حجم a4 وتضعها تحت وجهها حتى لا تتسخ ملابسها بما يتساقط من وجهها من صديد؛ ولحم وسوائل؛ من تلك القروح والمضادات. وكانت حالتها حرجة جدًا وتتألم بشكل رهيب، وعند إدخالها إلى الطبيب حاول الطبيب أن يفتح فمها بإدخال قلم (bic) كان يحاول فقط إيجاد طريق إلى فمها ولكن محاولاته باءت بالفشل. لقد بلغ السرطان منها مرحلة خطيرة لا أمل في شفائها، حينها التفت الطبيب إليّ قائلا: شوفتي الناس بجونا بعد يصلوا أي مرحلة) .
تذكرت هذه الحادثة؛ ونحن نعيش هذه الأيام الاحتفالات العالمية والمحلية بالفحص المبكر لسرطان الثدي، أو ما يعرف بشهر الشريط الوردي. وإني على يقين أن كثيراً جداً من النساء لم يذهبن إلى ذلك الفحص لعدة أسباب، ربما منها الكسل، اوعدم المبالاة، أو الإحساس بأن الإصابة بعيدة عنهن، أو لربما لا يعلمن أصلاً أن هناك فحصاً يتم…وعلاجاً مبكراً وحلولاً ناجعة لهذا المرض في حالة الاكتشاف المبكر.
وفي الأسابيع الماضية نشطت حركةٌ دؤوبةٌ من أجل الكشف المجاني لسرطان الثدي في كثير من المراكز في ولاية الخرطوم؛ ولكن حجم الإقبال لم يكن بنسبة عدد النساء في دائرة الخطر. ولمن سمع أو لم يسمع؛ علينا جميعاً أن نقود مبادرات، كل على مستوى أسرته (أمك… زوجتك… أختك… ابنتك…خالتك) كل النساء حولك وحولي وحولهن؛ يجب الإسراع بهن وإخضاعهن للكشف المبكر لسرطان الثدي … فالسرطان لا ينتظر. وقد سجلت خلال العامين الماضيين20 ألف حالة كان سرطان الثدي الأعلى بينها بنسبة تراوحت بين 30-34%. وهو رقم كبير ولا يستهان به. هذا طبعاً غير الأرقام التي لم ترصد، أو الوفيات والتي تحدث دون تشخيصها بأنها سرطان. إن النعومة التي يدخل بها السرطان إلى الجسم تجعله في تصنيف الخبثاء؛ لأنه لا ينبهنا لقدومه، فقط يجتاحنا ويباغتنا ويكشر عن أنيابه بعد أن يمسك بتلابيب عافيتنا .
صديقة لنا كانت مهجّسة تجاه هذا المرض لا تترك معلومة إلا وتطلع عليها، ودائمة الحديث عنه، قبل أكثر من عام أحست بتورم خفيف في إحدى ثدييها، وكان بحجم حبة اللوز، ولكنها أهملت الأمر تماماً ولم تعره أدنى اهتمام. وكانت تقول بالحرف إنها تخشى إن ذهبت إلى التحليل أن تكون النتيجة سرطان. وبعد محاولات كثيرة من زوجها ذهبت للفحص فوجدت أنه ذات السرطان، وقد تمكن من ثديها الأول وتحول إلى الآخر.. كانت مفأجاة وصدمة أفقدتها صوابها.
خارج السور:
لذا إن عزوفنا عن الفحص المبكر لا يعني أننا أصحاء، وذهابنا إلى الفحص يعزز فرص القضاء على المرض في وقت مبكر، والوقاية خير من العلاج. أو كما يقول المثل الدارج “كتلوك ولاجوك جوك”.
سهير عبدالرحيم
التيار