حينما أعلن الرئيس قبل أيام تحريم مال الدولة – الشعب – على الحزب الحاكم، ضمنياً كان ذلك إقراراً بحقيقة ظلت تنكرها على الدوام قيادات الحزب، أن هناك فصلاً تاماً بين مال الدولة والحزب، وإن كان الواقع الماثل لا يلتفت إلى هكذا محاولات، وأياً كانت الرسائل المراد بعثها من حديث فطام الحزب عن الدولة إلا أن الأمر كله ربما حتمه الوضع الاقتصادي الذي ينهار يومياً. أعلنت الحكومة رسمياً رفع الدعم عن كل السلع، وتحريرها كاملاً، في مشروع موازنة العام 2017م والذي تفصلنا منه شهور معدودة، وقد مهدت الحكومة لهذه الخطوة إعلامياً وعملياً، الآن سعر (رغيفتين) جنيه كامل، رغم أن القمح لم يشمله رفع الدعم الذي تم تطبيقه في سبتمبر 2013م، لكن ذلك تبعات الانهيار الجنوني للجنيه أمام الدولار، وهذا الانهيار لن توقفه إجراءات بنك مركزي ولا ملاحقة تجار عملة؛ ولا حتى وديعة خليجية، إذاً بحسابات الواقع؛ فإن الجنيه ربما يتردى ليصل 20 أمام الدولار بنهاية العام . فإن كان هذا الحال قبل الزيادة الوشيكة التي ستعلن بداية العام فكيف يصبح الحال بعد ما ترفع الدولة يدها بالكامل وتخرج من سوق القمح والدقيق، وتقف موقف المتفرج؟ إن الزيادة الوشيكة في أسعارالسلع، والقمح أبرزها سوف يتم تنفيذها دون تردد..هذه الخطوة التي تزعم الحكومة أن لا خيار غيرها سوف تكون بمثابة خطوة انتحارية..الحكومة التي تضعف وتعجز أمام محاسبة منسوبيها وتفشل في استرداد مليم واحد من المال العام؛ وتلجأ إلى تحميل المواطن ما يحتمل وما لايحتمل، لن تتغير باتجاه الأفضل لأن يدها مغلولة عن أن تُصلح حالها. الحكومة التي ترى أن حل الأزمة السياسية يكمن في توزيع الوزارات والمناصب والتسويات القبلية، لن ترى أن حل الأزمة الاقتصادية في تشغيل عجلات الإنتاج المتوقفة وتصميت ألسن منسوبيها التي لا تتوقف من التبشير بسطحية بحل الأزمة الاقتصادية، الحل ليس في المزيد من زيادة الأسعار تارة ورفع الدعم تارة أخرى، الحل في إعادة ترتيب أولويات الصرف وتبديل أرقام الموازنة، فالذي يذهب للأمن والدفاع؛ وحيث لا أمن ولا دفاع، ينبغي أن يُوجه إلى قطاعات الإنتاج المتوقفة، وهذا لن يتم إلا بوقف الحرب، ووقف الحرب لن يتم إلا بخلق واقع سياسي جديد، حينها لن تحتاج الدولة إلى هذا الكم من الإجراءات المُجربة وأثبتت فشلها، بل أثبتت أنها ليست جذور الأزمة، اعتماد حلول مثل رفع الدعم لن يقدم إنما يؤخر، ومحاصرة تجار العملة لن تُعلي من قيمة الجنيه، الحل سياسي بالدرجة الأولى.
شمائل النور
التيار