يعيش المغرب منذ أسبوعين على إيقاع حملة انتخابية ساخنة، استعدادًا للانتخابات التشريعية المقرَّرة في السابع من أكتوبر (تشرين الثاني) لهذا الشهر، تنخرط فيها الأحزاب بكل ثقلها السياسي والشعبي، أملًا في الوصول إلى سدة السلطة.
ولا يتردد المرشحون الحزبيون، في محاولتهم كسب أصوات الناخبين، من استعمال كل الوسائل الممكنة في سبيل ضمان المقعد بقبة البرلمان، الأمر الذي يحول الحملة الانتخابية في المغرب إلى حدث مليء بالتشويق والإثارة، لما يحمله من طرائف وعجائب تثير سخرية المتابع.
رئيس حزب يترشح باسم حزب آخر
تحفل الحملة الانتخابية بالمغرب كعادتها بالعديد من المفاجآت الطريفة، وكانت مفاجأة هذه الحملة هي ترشح رئيس حزب العهد الديمقراطي وكيلًا للائحة حزب العدالة والتنمية بمنطقة الحسيمة، معتبرًا ذلك يصب في مصلحة الحزب الذي يتزعمه. وهو ما أثار نشطاء حزب العهد.
في حين اعتبر المراقبون ترشح رئيس حزب معين باسم حزب آخر، خطوة غريبة عن العمل السياسي الحقيقي، قد تظهر أن طائفة واسعة من الأحزاب المغربية، التي يقارب عددها الأربعين، تشتغل «دكاكين انتخابية»، أكثر من كونها تنظيمًا سياسيًا له مشروع مجتمعي وقاعدة شعبية.
أساليب طريفة في الدعاية
لم يتوان المرشحون الانتخابيون في الذهاب بالدعاية إلى أقصى حدودها غير المعهودة، سعيًا لإغراء الناخبين، وفي هذا الشأن تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو، لرؤساء أحزاب كبرى يجوبون الأحياء الشعبية، في غير عادتهم، مُرتدين ملابس متواضعة، ويأكلون وجبات شعبية، ويتواصلون مع ذوي الحرف البسيطة.
غير أن محاولة قادة الأحزاب استمالة أصوات الناخبين بإظهار أنفسهم «متواضعين»، لم تنجح دائمًا، إذ تعرض بعضهم للطرد من قبل المحتجين، الذين اعتبروا هذه السلوكيات مجرد سياسة انتهازية، تهدف للوصول إلى المقاعد الوثيرة وبعدها يتم نسيان سكان تلك المناطق الشعبية.
وتفننت الأحزاب السياسية بالمغرب في أساليب الدعاية الانتخابية، إذ لجأت إحداها إلى توظيف أغنية الفنان المغربي، سعد المجرد، وعوضوها باسم شعار الحزب، «الكتاب ماشي ساهل…»، في حين جابت حملات حزبية أخرى الشوارع بالأهازيج والرقص الشعبي، أما أحزاب أخرى فذهبت إلى تنظيم الولائم للناس، أو ما يعرف في المغرب بـ«الزرود».
كما انتبهت الأحزاب المغربية فجأة بأهمية الترويج السياسي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ لإيصال أفكارها إلى طائفة واسعة من الشباب، إلا أن التعامل مع هذه الوسيلة جرى بطريقة سطحية، وأحيانًا مثيرة للسخرية، إذ تشن الجيوش الإلكترونية لبعض الأحزاب الكبرى حملات في خانة التعليقات بصفحات المواقع الإخبارية؛ للتأثير على اختيارات المتصفحين، في غياب تام لمحتوى سياسي يثير شهية النقاش مع المتفاعلين في صفحاتهم الحزبية.
لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصل ببعض المرشحين إلى تقمص صورة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد استبدال صورة وجه المرشح بوجهه، وآخرون اختاروا أسماء صفحات اجتماعية مشهورة عناوينَ لصفحاتهم الشخصية.
مهن موسمية في الحملة الانتخابية
يمثل الحدث الانتخابي بالنسبة للأحزاب فرصة لترويج برنامجها السياسي وتوسيع القاعدة الشعبية للوصول إلى السلطة، إلا أنه بالنسبة للعديد من الناس يعتبر فرصة مواتية لجني بعض المال.
وتذكر صحيفة الأيام الأسبوعية، في عددها الماضي، أن بعض الشباب يلجؤون إلى المهن الموسمية الخاصة بفترة الانتخابات، الذين يعملون وسطاء أو مروجين للملصقات الحزبية بالمناطق السكنية، مقابل ثمن قدره مائة درهم لليوم، وبعضهم يصرّح للصحيفة بأنه ينوي منح صوته لحزب آخر غير الذي يروج له.
ويرى المتابعون للمشهد السياسي في المغرب، أن اعتماد الأحزاب الوسطاء في تسويق حملاتهم الانتخابية بدل أعضاء الحزب والمتعاطفين معه، لا يخدم أغراض الحزب، باعتبار أن هؤلاء الوسطاء لا يملكون القدرة على شرح برنامجه والتفاعل مع الناس حول مشروع الحزب.
خطابات شعبوية وبرامج منسوخة
طغت الخطابات الشعبوية المتبادلة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة على الحملة الانتخابية في المغرب لاستدرار عواطف الناس، في غياب تام لطرح عقلاني حول الأفكار الممكنة لحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، التي يعاني منها المغرب، بعيدًا عن لغة الخشب.
وقال رئيس حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في أحد خطاباته المهرجانية مخاطبًا الحشد الموالي له: «أعطونا أصواتكم واتركونا نواجههم، وحملتنا الانتخابية حقيقية وصادقة ومستمرة وسنتوج بالنصر إن شاء الله»، ليرد عليه أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العمري؛ في مناسبة أخرى: «معركة حزبنا ليست موجهة فقط ضد حزب العدالة والتنمية، وإنما أيضًا مفتوحة في وجه جميع التيارات الإسلامية التي تدعم هذا التنظيم من داخل مؤسسات الدولة».
ويعقب المحللون أن مثل هذه الخطابات الشعبوية لا يمكنها إلا أن تزيد من تدهور المشهد السياسي في المغرب، ما يبعد الأحزاب عن المشاكل الحقيقية التي يشكو منها المواطنون المغاربة.
أما على مستوى برامج هذه الأحزاب، فيلاحظ أن جميعها تقريبًا متشابهة وتحمل وعودًا حزبية خيالية، إذ تَعِد هذه الأحزاب بمختلف ألوانها بتوفير مستوى رفاه من التعليم والصحة والعدالة، بل ولا يورع معظمها في الادعاء برفع مستوى النمو بأكثر من %5 وتوفير مئات الآلاف من مناصب الشغل.
ويصف الباحث في العلوم السياسية، عبد الكريم ساورة؛ الحملة الانتخابية في المغرب بأنها مجرد «كرنفال للفرجة والضجيج والصخب، وسوق مفتوحة للملاسنات والولائم والنشاط والغائب الأكبر هو تقديم البرامج، لأن الانتخابات تعتمد في مجملها على عنصر المال والقرابة والقبيلة والشخص، أما المنافسة بين الأحزاب حول البرامج فهذا يدخل فقط في الترف السياسي».
وفي ظل الخطابات الشعبوية والبرامج المعطوبة، التي تطبع الحملة الانتخابية بالمغرب، يتحول العمل السياسي بالبلاد إلى وسيلة لاغتنام السلطة وتوظيف الأقارب أكثر مما هو فضاء عمومي لإغناء الأفكار من أجل تحسين حياة الناس المعيشية، على مستوى التعليم والصحة والشغل والعدالة.
ساسة بوست