الذي يلقي نظرة – حتى عابرة – لبيان “قوى نداء السودان” الصادر أمس عن مكتبه السياسي، يدرك أن البون لا يزال شاسعاً بينه ونظام الحكم القائم، ويتيقن أن الهوة لا تزال على سعتها بين المعسكريْن ويزيدها “الهدام” اتساعاً – والهدام، لمن لا يعرفه، هو عملية هدم “قيف” البحر بفعل الأمواج العاتية – ونستخدم “الهدام” هنا على سبيل المجاز ونقصد به لغة التصعيد والملاسنات الإعلامية والسجال السياسي التي تزيد الفتق على نحو يستعصي على الراتق.. الحدة التي اختيرت للغة البيان تعكس بشكل واضح أنه مازال الذي بين فرقاء السياسة في بلادنا ما صنع الحداد.. صحيح قد نفهم أن لغة البيان هي واحدة من “التاكتيكات” السياسية الهادفة للضغط على النظام وتخويفه، لكنها في ذات الوقت يمكن أن تغذي لغة المواجهة والتصعيد على نحو يباعد بين الفرقاء في وقت يحتاج فيه الناس إلى خطاب عقلاني وموضوعي يبحث عن المشتركات ويعمل على تعزيزها، وهنا يمكن الإشارة إلى أن “نفس” الإمام الصادق المهدي غاب أو غُيِّب..
قادة المعارضة والنظام يفترض فيهم أنهم رجال دولة، والخطابات والمواقف والتصريحات التي تصدر عن رجل الدولة لابد أن تختلف عن خطاب وموقف الشخص العادي كأمثالنا.. رجل الدولة لابد أن يضع انطباعاته وانفعالاته ومرارارته الشخصية جانباً حينما يخاطب الرأي العام أو يعلن أمامه موقفاً ما.. هذه ملاحظتي على البيان الصادر من جانب “قوى نداء السودان”.. أما الموقف الحكومي فهو يمعن في التصعيد والاستفزاز ولكن بلغة مختلفة.. فالنظام عندما يمضي في حوار “الوثبة” و”بمن حضر”، ويجيز مخرجاته ويمضي قطاره نحو تشكيل حكومة “وفاق وطني” خلال ثلاثة أو أربعة أشهر دون اعتبار لقوى فاعلة ومؤثرة في الساحة السياسية مثل “قوى نداء السودان” فإنه يمعن في استفزاز خصومه ويعمل على التصعيد والمواجهة ولكن بطريقته المستفزة المعهودة من شاكلة “القطار ماضٍ ولن يتوقف لأحد”، و “المسيرة لن تتوقف لشخص”، ومن شاكلة “إلا من أبى” ،”ومن حضر”.. هذه كلها لغة استعلائية ومستفزة توغر الصدور وتوتر الأجواء.. أي صراع سياسي وأي أزمة سياسية لابد لها في النهاية من تسوية سياسية.. هذه التسوية لن تتحقق بقوة السلاح ولا قهر الغرماء ولا حشد الموالين ولا الاصطفاف والاستقطاب ولا استفزاز الخصوم، ولا الخطابات “الشتراء” بل لها استحقاق مركز دائرته هي التنازلات من الطرفين بشكل يضع مصالح البلاد فوق أي أعتاب.. وهنا تكمن المشكلة ويستعصي الحل..!!! قل لي كيف؟… نعم قل لي كيف؟ أقل لك ببساطة شديدة إن المؤتمر الوطني لن يتنازل عن هيمنته وقبضته الحديدية وسيطرته الأمنية من تلقاء نفسه، ليس طمعاً في مالٍ أو جاهٍ أو لمزيد من احتكار الثروة والموارد فقد “شبع” من لعاعها وعرضها الزائل لدرجة أنها تراءت له الآن “حراماً” تستوجب الإقلاع عنها فوراً.. المؤتمر الوطني الآن يرى أن ذات القبضة والهيمنة التي يأبى أن “يرخيها شوية” هي الضمان الوحيد من المحاسبة و”المرمطة” والانتقامات التي تنسرب من حين إلى آخر مع زفرات الخصوم المغالين وآهاتهم بل حتى خطاباتهم الرسمية أثناء هياجهم وفوراتهم، لذلك هو يريدها “درقة”، هذا والله أعلم.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
أحمد يوسف التاي
الصيحة