أكثر ما استرعى انتباهي وشدني بقوة حتى الآن لمتابعة سلسلة “السودان حقنا كلنا” التي يعدها ويبثها وينشرها الدكتور صلاح الدين العتباني رئيس حركة الإصلاح الآن عبر “الصيحة” و”اليوتيوب”، أقول أكثر ما شدني في تلك السلسلة، الجزئية الخاصة باستقلالية القضاء وكيفية تحقيق العدل وكم أدركت أن البون شاسع بين واقعنا وما ينبغي أن يكون عليه الحال.
والحق أن الرجل تطرق لموضوع مهم وحساس للغاية وهو ضرورة فصل النيابات عن وزارة العدل بحيث تكون هذه النيابات مستقلة في عملها وماليتها وغير خاضعة لوزارة العدل، وبذلك تتحقق مقاصد ومبادئ الاستقلالية، ولعل هذه أيضاً من أهم التوصيات التي وردت وأجيزت في لجنة الحوار الوطني، لكن السؤال الجوهري: هل ستكون هناك إرادة سياسية للتنفيذ وتحقيق هذه الغاية..
وأقول إن وجود نيابات تابعة لوزارة العدل يجعل “العدل” منقوصاً وهو “تمكين” لـ”الظلم”، لأنه ببساطة شديدة فإن تبعية النيابات لوزارة العدل ستجعل هذه النيابات خاضعة لسلطان الجهاز التنفيذي وفي ذلك هزيمة كبرى لمبدأ فصل السلطات الثلاث (القضائية والتشريعية والتنفيذية) الذي تقوم عليه أسس العدالة والنزاهة، وأي مستوى حكم إذا لم يعمد إلى فصل السلطات الثلاث فلن يحقق عدلاً ولا رشدًا ولا حياة كريمة لشعبه، وقطعاً فإن تبعية النيابة للوزارة يتقاطع مع أهم مبدأ تقوم عليه أسس العدالة وهو الفصل بين السلطات الثلاث، فإذا لم يكن هناك فصل للسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في نظام حكم فإن هذا يعني بكل تأكيد أن النظام القائم شمولي دكتاتوري قابض، وفي هذه الحالة يتم تسييس الجهاز القضائي، فيأتمر بأمر رئيس السلطة التنفيذية التي يعين رئيسه وكبار قادته، ويتحول الجهاز التشريعي -البرلمان- إلى “كومبارس” يقوم بالتصفيق وترديد صوت الحكومة وتمرير قراراتها وما تريد بالإجماع “السكوتي”.
إذا لم تتمتع النيابات باستقلالية كاملة وتم فصلها تماماً عن وزارة العدل وأصبحت لها ميزانية مفصولة، فلن يتقق مبدأ العدل على النحو المطلوب… فهب مثلاً أن مسؤولاً كبيراً بوزارة العدل تورط في قضية فساد مالي أو قضية استغلال نفوذ، والمعلوم أن هذا المسؤول وبحكم موقعه تخضع كل النيابات لتوجيهاته، وبجرة قلم يستطيع أن يجري تنقلات هنا وهناك، ويوقف من يشأ أن يوقف من العمل، فهل سيجرؤ وكلاء النيابات ورؤساؤها أن يخضعوا ذات المسؤول للمساءلة والتحري معه …
أعود وأقول على وزير العدل إن كان هدفه تحقيق العدل فليمض في اتجاه تحرير النيابات من قبضة الوزارة وجعلها مستقلة تماماً عن أي جهاز تنفيذي وذلك منعاً لأية مؤثرات وعثرات تعوق سبيل تحقيق العدالة، اللهم إلا إذا كان لا يريد … وعلى الحكومة أيضاً إن كانت تريد تحقيق العدل أن تفصل النيابات عن الوزارة… ولا شك أن هذه التبعية ستكون بمثابة غطاء وعائق كبير يحول دون محاربة الفساد بكل أشكاله داخل الجهاز التنفيذي… اللهم هذا قسمي فيما أملك…
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
الصيحة