تتحسس الخرطوم كثيراً كلما يثار موضوع المحكمة الجنائية الدولية أمام مجلس الأمن فتلجأ إلي المعاملة بردة الفعل التي تأتي دائماً في شكل تهديد ووعيد ويحضرنا في ذلك حديث وزير الخارجية إبراهيم غندور الذي القاه بعد وصوله من جوهانسبيرج بصحبة الرئيس البشير،حيث هدد غندور بأتخاذ مواقف حاسمة تجاه الدول الداعية لحظر البشير من السفر بسبب المحكمة الجنائية الدولية،حيث ظلت الخرطوم في كل منشط دولي تحرص علي شيطنة الجنائية مع التأكيد أنها محكمة غير عادلة وتستهدف القادة الإفارقة فقط.
مهددة للأمن:
في البيان الذي قدمه السودان أمام الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك قال وزير الخارجية إبراهيم غندور إن المحكمة الجنائية الدولية أصبحت عبارة عن ألية معيقة للأمن والإستقرار في أفريقيا وكل العالم.
تصعيد متجدد:
بين كل حين والأخر تصعد المحكمة الجنائية عملها ضد الخرطوم تذكرة لها بالقرارات التي صدرت ضدها فيما يتعلق بقضية دارفور حيث نشطت في وقت سابق مدعية المحكمة الجنائية (فاتو بنسودا) بأثارة قضية دارفور عبر تقريرها رقم 23 الذي قدمته لمجلس الامن وطالبته بمتابعة تنفيذ ما صدر من قرارات تجاه حكومة السودان فيما يخص الاوضاع بدارفور ،الشيء الذي أغضب الخرطوم كثيراً وجعلها ترد بأعنف العبارات علي لسان مندوبها الدائم بالأمم المتحدة عمر دهب حيث هاجم في مرافعته أمام مجلس الأمن المحكمة الجنائية ووصفها بتدبيج الأكاذيب حيال الأوضاع في إقليم دافور ودعا دهب مجلس الامن لنفض يده عن التقارير التي تقدمها مدعية الجنائية،وقال أن الدول الإفريقية تتعرض لمشهد اسوأ من الإستعمار بإنكار حق المساواة السيادية علي دولها.
تحييد أفريقيا:
مراقبون يرون أن ما يحسب للدبلوماسية السودانية أنها عملت علي تحييد كل الدول الأفريقية فيما يختص بالجنائية،وتصويرها كمحكمة سياسية تهدف الي أستهداف القادة الأفارقة فقط.
أستهداف أفريقي:
وفي وقت سابق رفضت المحكمة الجنائية طلب الاتحاد الأفريقي مستندة إلي توقيع عدد كبير من الدول الإفريقية وأعضاء الاتحاد على اتفاقية روما الخاصة بعضوية المحكمة والتوقيع على ميثاقها والذي ينص على عدة إجراءات من بينها مثول رؤساء الدول أمامها في حال اتهامهم بارتكاب أي جرائم ضد الإنسانية، من ناحية أخرى رفض عدد من أعضاء الاتحاد ما أثير خلال قمة الاتحاد حول الانسحاب من المحكمة مؤكدين علي الاستمرار في عضويتها، ومن بين هذه الدول بتسوانا وجنوب أفريقيا، الأمر الذي ربما يدخلهما في مواجهة مع إثيوبيا وكينيا على الطرف الآخر بما يؤثر علي مستقبل الاتحاد وتماسكه،من جانبه برر الاتحاد الإفريقي طلبه هذا بأن المحكمة لا تلاحق سوي الحكام الأفارقة مشيرا إلى أن 99% من المحالين أمام هذه المحكمة والمطلوبين للمثول أمامها هم من الأفارقة، الأمر الذي يشعر الأفارقة بالتفرقة الشديدة والتمييز، وهو ما أكده رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريم ديسالين، رئيس الاتحاد الأفريقي بقوله، إن الزعماء الأفارقة لفتوا إلى أن 99% من المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية أفارقة، و أضاف رئيس الوزراء الإثيوبي إن المحكمة الدولية تشكلت لإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب، لكن العملية تحولت الآن إلى نوع من التعقب على أساس العرق، وذكر أن المحكمة تطارد الرئيس الكيني يوهوركينياتا ونائبه وليام روتو على الرغم من أن المجموعتين العرقيتين كالينجين وكيكويو اللتان دخلتا في قتال عقب انتخابات 2007 م اتفقتا على التصويت لصالح الاثنين في انتخابات مارس الماضي.
نفي النفي:
في المقابل نفت المحكمة الجنائية الدولية تهم العنصرية الموجهة إليها، واعتبرت أن قرار الاتحاد الأفريقي ليس ملزما بالنسبة لها، مما يعني أنها قد لا تستجيب لطلب تحويل ملف كينيا، وقال متحدث باسم المحكمة لوكالة الأنباء الفرنسية: لا تعليق على قرارات الاتحاد الأفريقي، وأوضح أن 43 دولة أفريقية وقعت على اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الجنائية وأن 34 دولة صادقت عليها، مما يجعل من أفريقيا المنطقة الأكثر تمثيلا في تشكيل المحكمة، وأضاف المتحدث أن قرار الاتحاد لن يكون له أي مفعول إلزامي على المحكمة الجنائية التي تشكل كياناً مستقلاً، وأكد أن مجلس الأمن الدولي هو وحده الذي ترتبط معه باتفاق تعاون يمكن أن يطلب (تعليق) الدعاوى، ومنذ إنشائها وجهت المحكمة الجنائية تهما لثلاثين شخصا جميعهم أفارقة بتهم يفترض انها وقعت في ثماني دول أفريقية هي الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وأوغندا والسودان وكينيا وليبيا وساحل العاج ومالي.
عدم حياد:
من المعروف أن هذه المحكمة تأسست عام 2002 بغرض محاكمة الذين يقومون بجرائم ضد الإنسانية، ويعتبر دور المحكمة مكملا لدور المحاكم الوطنية، ما يجعل دورها يبدأ عندما تفشل المحاكم الوطنية في تحقيق العدالة أو ممارسة سلطتها كما ينبغي وتستطيع هذه المحكمة النظر فقط في الجرائم التي وقعت بعد تاريخ إنشائها في عام 2002م، ودخول قانون روما حيز التنفيذ، ومن الناحية النظرية تحظى هذه المحكمة بدعم عالمي، لكن كثيرا من الدول مثل الهند والصين والولايات المتحدة وروسيا ما زالت ترفض التوقيع على ميثاقها، في حين أن مئة وواحد وعشرين دولة وقعت على الميثاق وتسهم في تمويل المحكمة، وقد فتحت محكمة الجنايات الدولية منذ إنشائها قضايا في أوغندا الشمالية وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى، ودارفور، كما أصدرت مذكرات اعتقال بحق عدد من القادة الأفارقة، وذلك ما جعل بعض الدول تتهم هذه المحكمة بالتحيز والعمل من أجل تحقيق أغراض سياسية.
أفريقيا ليست اوربا:
فيما يتعلق باستهداف المحكمة الجنائية للقادة الأفارقة استنطقت (ألوان)، الخبير في القانون الدولي والمتابع للمؤسسات العدلية في أفريقيا الأستاذ صالح محمود، الذي ابتدر حديثه بأن القارة الأفريقية ليست كأوروبا وأمريكا فيها محاكم متخصصة للقضايا الجنائية، وإنما فيها فقط اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهي لجنة ذات طابع مدني فقط، ولم يكن لها أي اختصاص جنائي، لهذا السبب تحال القضايا في القارة السمراء إلى المحكمة الجنائية، لأن القارة بها محاكم مؤقتة كمحكمة (أروشا) وليست هناك محكمة جنائية دائمة.
قيمة سياسية:
وفي ذات المنحي قال القيادي بالمؤتمر الشعبي أبوبكر عبدالرازق أن السودان قد نجح في تحييد الدول الإفريقية تجاه المحكمة الجنائية الدولية وأضاف عبد الرازق في حديثة لـ(الوان) أن التحييد له قيمة سياسية وقد يكون السودان صادفه قدر من تحقيق النجاح في كثير من الدول حتي لا تصبح أداة من أدوات المحكمة في تنفيذ أوامر القبض عليه وعلي المتهمين منها ,وهذا لا يمنع أي من دول ألكبري ان تعترض جو طائرة فيها احد هؤلاء المتهمين وتجبرها علي الهبوط في أي مكان وتنفيذ أمر القبض علي المتهم وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية ,لكن واضح ان فضاءات السياسة تؤثر في اتخاذ مثل هذا القرار في أي من الدول ذات العضوية الدائمة لتصبح أداة من أدوات المحكمة وهذا ما جعل المدعي العام تعلن عجزها لتنفيذ أمر القبض وترفع تقرير بذلك لمجلس الأمن.
عايدة سعد
صحيفة ألوان