في حوار أجرته صحيفة “ديلي بيست” الأمريكية مع المصورة ليزيا باتاجاليا، استهلت الضيفة كلامها بأنها تشتم رائحة الدم وتسمع الصياحات اليائسة التي سببها غضب المافيا في صقلية.
وقالت الصحيفة: رغم بلوغها من العمر 81 عاماً، مازالت هذه المصورة الاستثنائية تتذكر ليس فقط لحظات الرعب التي شاهدتها، بل ما كان يحدث خارج الصورة من الأصوات في الخلفية، وما فعلته عندما طُلب منها الهرع لمسرح الجريمة، ومازال بمقدورها أن تصف هذا بكل وضوح ودقة.
بدأت ليزيا حديثها قائلة: “لم أكن خائفة في هذه اللحظات، ولكنني كنت مليئة بالغضب لأنه ليس معقولاً أن يقتل رجل آخر، ما حدث في باليرمو كان حرباً، والعدو لم يكن من الخارج وإنما كان الأخوة يقتلون بعضهم البعض”.
يذكر أن كتابها الأبيض والأسود الذي أسمته “انثولوجي”، والذي نشر من قبل دار دراجو، سيوزع في الولايات المتحدة هذا الشهر، وقد تمكنت من اختيار 168 صورة من ضمن 600000 أرشيفية، منها صور لقضاة المافيا وشرطة المافيا، وكذلك الكثير من القتلى في سياراتهم والدماء الطازجة تسيل كالماء، وهناك أيضاً صور من حياة الصقليين اليومية، من ضمنها أطفال صغار يلعبون في الشارع وسيدات ثريات يرتدين الفراء ويشربن الشامبانيا.
وقد عرض معرضها في نيبال تحت عنوان أمبفاجليتا”، والذي أقيم الأسبوع الماضي، في أعمال مصوري النزاعات في جميع أنحاء العالم، كما ستعرض أعمالها بمعرض في روما، والذي سيقام في متحف ماركو للفن الحديث لاحقا هذا الشهر.
مازالت المصورة المخضرمة تلتقط الصور، إلا أنها تركز الآن علي الجمال والشباب، ورغم ذلك مازالت السنون التي قضتها وراء الموت تطاردها حتى الآن.
واستطردت: “أتذكر عندما كانت تأتي مكالمة هاتفية. اجري، اجري.. هناك شيء يحدث في هذا الشارع أو ذاك. كان لدينا دراجتنا البخارية، ولم نكن نعلم لماذا نجري، كنا نعلم فقط أن هناك شيئاً ما يحدث، عندما أفكر في الأمر الآن أشعر بالغثيان الذي كنت أشعر به كل مرة قابلت فيها الموت، وقد حدث هذا آنذاك مرات عديدة. القتل العنيف كان رهيبا، وليس هناك شيء يقارن برائحة الدم الطازج لضحية قتل عنيفة”.
تزوجت باتاجليا وعمرها 16 سنة، وكان لديها ثلاث بنات قبل عيد ميلادها الـ 21. عندما أكملت الـ 30 من العمر طلبت الطلاق وقررت أن تبدأ مهنتها.
كان ذلك في العام 1965، حيث كانت تقع باليرمو تحت قبضة كوستا نوسترا (المافيا الصقلية).
وكانت تحلم أن تصبح كاتبة، ولكن عندما حصلت علي أول مهمة، سألها محررها عن صور للموضوع. اشترت كاميرا وتوجهت للخطوط الأمامية في حربها طويلة الأمد مع المافيا.
كانت “باتاجليا” السيدة الوحيدة التي تعمل كمصورة آنذاك، وتلقت تهديدات وتحذيرات، ليس فقط من المافيا ولكن من السياسيين ورجال الأعمال المتورطين في الفساد.
في العام 1993، عندما اصطدم رئيس الوزراء الإيطالي جليو أندريتي بالمافيا، استولى البوليس على أرشيفها ووجد صورتين تربطان رئيس الوزراء الأسبق بالمافيا، إلا أنه تمت تبرئته رغم صور الإدانة.
لكن باتاجليا حصلت على جائزة عن عملها، وكانت أول امرأة تحصل علي منحة دبليو جين سميث للتصوير الإنساني، وحصلت أيضا على العديد من الجوائز من الولايات المتحدة وأوروبا على مدار تاريخها المهني.
وأضافت باتاجاليا أن المافيا بمرور السنين تغيرت: ” لقد أصبحت أسوأ. إنها خطرة كداعش وليس مثلما يصورها مسلسل سوبرانوز أو أفلام الأب الروحي”.
وأردفت: “توجد الآن مخدرات وكوكايين وتهريب سلاح. والمافيا لا تقتل الآن القضاة والشرطة كما في السابق. لم يعد الأمر يتعلق بالدم الآن ويرجع ذلك إلى الفساد، والذي يتخذ أشكالاً عديدة أسوأ”.
وأثناء تقليب صفحات كتابها، تتذكر باتاجليا كل صورة، وكأن حس الصورة يستحضر نفسه: “الشعور بالشارع، رائحة الجثث والأحياء، وطعم الهواء”، بعض الصور تجعلها تبتسم وبعضها تصرفها بعيدا.
وتستكمل حديثها قائلة: “نحن نعرف كل هؤلاء الناس”، وتوقفت عند صور القضاة المناهضين للمافيا جيوفاني فالكون وبابلوا بورسلنيو، واللذين توفيا بحادثتين منفصلتين للمافيا العام 1992.
وتقول: ” خيرة القضاة، ورجال الشرطة والناس كانوا يقتلون..ولا أستطيع أن أختم حياتي متقبلة هذا الأمر كطبيعي”.
في الخمسينيات والستينيات من عمرها، أصبحت باتاجليا ناشطة اجتماعية تقود المظاهرات وتفعل ما بوسعها لمحاربة المافيا، والفساد والظلم.
وأردفت باتاجاليا قائلة: “لقد قمت بدوري.. قمت بدوري الصغير. لم يكن الأمر معقدا. مهنتي وعملي يهدفان لنبذ الفساد ونشر قيمة الجمال. نحن مطالبون بمواجهة هذه الأوضاع البشعة. لست متعصبة، وأريد أن اضحك وأحب واستمتع بالحياة، ولكننا جميعاً رهينة لهذا الوضع “.
والآن، في الثمانينيات من عمرها، ليس لدى باتاجاليا نية للتوقف، وتأمل بأن تفتح مدرسة تصوير في بلدتها باليرمو، كما أنها مازالت تطمح أن تكون كاتبة.
واختتمت: “كنت هناك في كاميرتي ونسيت الكتابة، وبين دخان السجائر ربما أكتب الآن كتباً، وربما أصبح كاتبة”.
إرم نيوز