اتسعت دائرة الخلافات السياسية بولاية الجزيرة حتى جعلت من الولاية، وفق مراقبين، مسرحاً لتصفية الحسابات السياسية، وظهر ذلك جلياً وفق تقديرات أولئك المراقبين في التعديلات التي أجراها والي ولاية الجزيرة دكتور “محمد طاهر أيلا” مؤخراً على مستوى الإدارة التنفيذية، بعد اجتماع مجلس الوزراء الأخير، الذي جاء هو أيضاً سابقاً لأوانه، وقضى بإعفاء وزير الزراعة والموارد الطبيعية والثروة الحيوانية د. “أحمد سليمان أحمد”، وإعفاء معتمدي كل من مدني الكبرى والمناقل والقرشي، وبالمقابل تكليف معتمدين آخرين للقيام بأعباء ومهام المعتمدين المقالين، وإعفاء مديرين تنفيذيين وتعيين آخرين بعدد من محليات الولاية المختلفة.
ومن ناحية أخرى تم تحويل (10) أعضاء برلمانيين يتبعون لحزب المؤتمر الوطني، حزب الأغلبية داخل المجلس التشريعي، واثنين من الأعضاء أيضاً من العضوية غير البرلمانية للضبط والمحاسبة أمام لجنة للتحقيق برئاسة “كمال النقر”، بحجة التفلت والخروج عن دائرة الحزب، هذا عطفاً على اللقاءات التي عقدها الوالي مع ممثلين للأحزاب ليلة أول أمس بقصر الضيافة للوقوف على حالة الشراكة مع الأحزاب لإنقاذ التنمية، وربما لاحتواء الراهن السياسي المأزوم. كذلك المبادرة التي يقودها “عثمان رحال” معتمد محلية برام وعضو المجلس التشريعي سابقاً، لردم الهوة وتقريب شقة الخلاف بين الجهاز التشريعي والتنفيذي الذي جعل من الجزيرة ميداناً لمعركة خفية، يهرب الساسة فيها من التصريحات، مما يجعلهم يحملون الوجه الدبلوماسي لإدارة الخلاف الخفي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل تلك التعديلات والإعفاءات الكثيرة توحي باستفحال الخلاف داخل المؤتمر الوطني نفسه؟ أم هو، كما يقال، تصفية حسابات مع خصوم “أيلا” الذين أشار إليهم بصورة واضحة في استقباله الأخير عند عودته بـ”الخفافيش”؟ فإذا كان كذلك لماذا لم يحم ذلك معتمد محلية مدني الكبرى من الإعفاء، حيث إنه كان من المرحبين برجوع “أيلا” مجدداً لحسم خصومه.. كل ذلك وغيره جعل (المجهر) تقف على صدى الأحداث الأخيرة بالجزيرة، وتحدثت إلى أمين الاتصال التنظيمي بحزب المؤتمر الوطني “نيازي أحمد إبراهيم” الذي جاء من بورتسودان إلى ود مدني، ليضع خطته التنظيمية داخل حزب المؤتمر الوطني جنباً إلى جنب مع الوالي دكتور “محمد طاهر أيلا”.
{ الوضع داخل حزب المؤتمر الوطني
يرى الأستاذ “نيازي أحمد إبراهيم” رئيس الاتصال التنظيمي بحزب المؤتمر الوطني أن الحزب في أفضل حالاته، ولا يوجد خلاف داخله، وذلك للكسب التنموي الكبير الذي قدمه للولاية، وهو يرى من هذا المنظور أن الجزيرة التي يملأها العلماء والمفكرون تحقق كسباً سياسياً، ودعماً للمؤتمر الوطني يتجلى في ترحاب المواطنين بالوالي ورئيس المؤتمر الوطني بالجزيرة.
{ خلافات التشريعي والتنفيذي
وقال “نيازي” إن ما يحدث من مجريات الأحداث ليس مثل ما يشاع، بأن هناك خلافات بين الجهاز السياسي والتنفيذي، وأضاف: (هذا كلام غير صحيح، فالمؤتمر الوطني له حاكمية على كل أعضائه وليس هناك عدم ضبط تنظيمي، فكل الموضوع يتعلق بالضبط التنظيمي، ومن حق المؤتمر الوطني أن يعمل على ضبط أعضائه).
{ الاجتماع بممثلي الأحزاب
أكد أمين الاتصال التنظيمي بالمؤتمر الوطني أن الاجتماع بممثلي الأحزاب جاء على أسس معينة، وقد كان الاجتماع بممثلي الأحزاب بداية لتطوير العلاقة مع الأحزاب في المرحلة القادمة، تزامناً مع نتائج تتوقعها البلاد بصورة عامة. وجاءت رؤية الأحزاب معبرة عن مطالبها الخدمية وعن مناطقها في دوائرها المختلفة لتعمم شكل الشراكة الطبيعية. وهناك شراكة حقيقية وفعلية وليس تشاكساً، إنما انسجام وتواصل إعلامي مع قيادات الأحزاب في أكثر من منبر وموقع.
وأوضح الأستاذ “نيازي” أن التعديلات الأخيرة التي شهدها الجهاز التنفيذي جاءت بعد اجتماع مجلس الوزراء الأخير واجتماع المكتب القيادي وملاحظاته حول أداء الجهاز التنفيذي بصورة عامة، وما جرى هو تعديل تنظيمي بحت وتقييم للأداء التنفيذي عبر الحزب مع الحكومة، فهناك بعض الولايات أجرت تعديلات خلال فترة أربعة أو خمسة أشهر وهي ليست كافية. أما في الجزيرة ففترة سنة كافية للتقييم. أما ما يدور من لغط حول تغيير بعض الوزراء الممثلين للأحزاب داخل الحكومة، فلا نملك السلطة على ذلك ونحن كحزب لا نطالب بتغيير وزير ممثل لحزب. فهذه من مسؤوليات الأحزاب.. هي حرة إذا رأت ذلك، فهي التي تطلبه.
{ إخضاع أعضاء التشريعي للضبط والمحاسبة
أما فيما يخص الاثني عشر عضواً الذين أخضعهم حزب المؤتمر الوطني للضبط والمحاسبة، فقد رد “نيازي” بقوله: (الحزب ما اتخذ شيء من برة).. هناك لجنة للضبط التنظيمي ومساءلة العضو في حزبه، وهي لجنة للضبط التنظيمي بحيثياته، وليس هناك نوع من التعدي. أقول إن الحزب معافى وما يوجهه من عقاب لأي عضو ما هو إلا نوع من الضبط الحزبي. وهذا ما حدث للنواب العشرة التابعين للمجلس التشريعي، واثنين من الأعضاء غير البرلمانيين، الذين تم تحويلهم للضبط والمحاسبة، وهو يؤكد ذلك.
وعند سؤاله عن كيفية تفسير التوجيهات التي تصدر للأعضاء لتمرير بعض القرارات لصالح الوالي، أجاب قائلاً إن ما يشاع عن توجيه الحزب لبعض الأعضاء بالمجلس لتمرير القرارات غير صحيح، فهؤلاء نواب عن حزب وليسوا مجرد أشخاص بلا التزامات سياسية، فنائب رئيس الحزب له رؤيته المباشرة عبر نواب المجلس التشريعي فلماذا يقدم المجلس على هذه الخطوة والناس في إجازة؟ وما الداعي لعقد دورة والحكومة كانت منتشرة.
{ تصفيات سياسية
واستطرد “نيازي” قائلاً إن الحديث عن التعديلات الأخيرة ووصفها بأنها تصفيات سياسية، كلام غير صحيح، فهي أداء وتجويد للخدمة والمضي في إصلاح الحكومة، وأضاف: (لا توجد صراعات، وليس هناك خلاف بين الجهاز التشريعي والتنفيذي. فللمجلس التشريعي دور رقابي ونحن نحترمه لأنه مؤسسة، والمؤتمر الوطني يحترم الدولة ولا يكون خصماً على جهازه الأول، بل بالعكس يحافظ على بقاء جهازه الرقابي.
{ مبادرات لتقريب الشقة
في هذا السياق، نشط عدد من الجماعات وكونت لجنة لتقريب وجهات النظر وتقريب الشقة بين الفرقاء في الجهازين التشريعي والتنفيذي برئاسة “عثمان رحال” معتمد محلية برام وعضو المجلس التشريعي السابق، والتقوا بالوالي دكتور “محمد طاهر أيلا”، وقال “نيازي” إن هذه مبادرة شخصية من مجموعة أشخاص لا يمثلون جهة معينة، وليس هناك خلاف مع حزب آخر أو جهة.. ما حدث ويحدث الآن هو مجرد خلاف تنظيمي بحت، والحزب قادر على حل مشاكله.
{ في الاتجاه المعاكس
(المجهر) تحدثت لأحد الأعضاء المرشح خضوعهم للجنة المحاسبة والضبط، عضو المجلس التشريعي “عماد يوسف”، فقال إنه لم يتم إخطاره بصورة رسمية بأنه سيخضع للضبط والمحاسبة ولم يسمع بذلك إلا من خلال وسائط الإعلام والصحف، على حد قوله. وأضاف: (إذا حدث ذلك فهذه قلادة شرف من المؤتمر الوطني.. أما ما قام به الوالي بدعوة مجموعة من الأعضاء بالتشريعي وسماهم موالين للوالي فنعدّه شقاً لصف المؤتمر الوطني، ونحن كأعضاء بالمجلس التشريعي نرى من الأفضل أن يدعو الوالي الناس لهيئة برلمانية، فالوالي بفعله هذا يعمق الخلاف ويزرع بذور الفتنة في الولاية وفي المجلس التشريعي بالولاية مما يؤثر على أداء المجلس التشريعي وأدائه لمهامه).
{ آخر الأخبار
وفي تطور جديد للوضع بالجزيرة علمت (المجهر) من مصدر عليم أن أمانة الحكومة قامت بإرسال مذكرة خاطبت فيها ديوان الحكم الاتحادي لإنهاء انتداب دكتور “محجوب أبو زمام” الأمين العام للمجلس التشريعي والناطق الرسمي باسم المجلس، في ظل غياب رئيس المجلس دكتور “جلال من الله” لأدائه فريضة الحج، الأمر الذي يثير التساؤل حال ثبوته: إذا ما كان ذلك يقدم دليلاً إضافياً على تحوّل الجزيرة إلى ساحة لتصفية الحسابات، كما يرى ذلك العديد من المراقبين، ودلالة على تفاقم الخلاف لا احتوائه؟؟
المجهر