قد تمضي وظيفتك في الخارج على مايرام، إلى أن تؤدي التقلبات في سوق العملات إلى خسارتك لجزء من قيمة العملة التي تتقاضى بها راتبك. فما الذي يمكنك فعله لتأمين مدخراتك ضد تلك الخسارة المحتملة؟
في يناير من العام الماضي، وجدت ريبيكا سيلف راتبها ينخفض بنسبة 30 في المئة بين عشية وضحاها.
لم يكن ذلك نتيجة تخفيض مركزها الوظيفي، أو جراء خفض للنفقات، أو إعادة هيكلة من قبل الشركة التي تعمل بها، ولكن نتيجة تغير في سوق العملات.
ويؤثر هذا الأمر على الكثير من الذين يعملون خارج أوطانهم في كثير من أنحاء العالم.
وتعمل سيلف الأمريكية الجنسية مستشارة لشؤون ومهارات القيادة في مدينة زيورخ بسويسرا. وهي تتلقى راتبها من عدة دول بعدة عملات مختلفة.
فقد دفعت لها شركة في دولة قطر راتبها بالدولار الأمريكي، كما تلقت أيضا مدفوعات باليورو من شركة تعمل لصالحها في السويد. ومن ثم تقوم بتحويل ما تحصل عليه إلى الفرانك السويسري.
ولأن سيلف تعمل وفقاً لعقد ثابت، والذي تم الاتفاق عليه مسبقاً، فمن الممكن أن يتأثر دخلها بتعرض إحدى هذه العملات إلى تراجع أو ارتفاع.
وفي العام الماضي، قفز سعر الفرانك السويسري فجأة مقابل اليورو. ولو كانت تعمل في سويسرا فقط، لكان ذلك لصالحها لأن أموالها تذهب إلى الخارج. لكن لأنها تتلقى راتبها باليورو، فقد خسرت 30 في المئة من قيمة دخلها بهذه العملة عندما حولت راتبها إلى الفرنك السويسري.
وتعد سيلف واحدة من المغتربين الكثر الذين يعيشون في الخارج، ويغيرون العملات بشكل مستمر في حياتهم اليومية.
وفي الغالب يتلقى المغتربون رواتبهم بعملة أجنبية واحدة، ثم يحتفظون بمدخراتهم بعملاتهم المحلية، بينما يدفعون فواتيرهم ومشترياتهم بتلك العملة الأجنبية، أو بعملة أخرى.
ويتحول هذا التباين إلى مقامرة إذا هوت قيمة إحدى العملات خلال وجودك في الخارج، فذلك يعني تغييراً في مستوى معيشتك، ومنافعك، ومدخراتك بين عشية وضحاها.
وقد حدث ذلك في يونيو/حزيران بعد الانخفاض المفاجيء في سعر الجنيه الاسترليني الذي أعقب تصويت الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وهناك كثير من الوافدين الذين يتلقون رواتبهم بالجنيه الاسترليني داخل بريطانيا ويرسلون تحويلات مالية إلى بلدانهم الأصلية، وقد خسر هؤلاء ما يقدر بنحو 10 في المئة من أموالهم بين عشية وضحاها.
المزيد من المغتربين بدأوا يستفسرون عن كيفية تأثير تقلبات سعر صرف العملة على رواتبهم حتى قبل أن يوافقوا على السفر. فالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي ألقى الضوء على ذلك الوضع، كما تقول كيت فيتزباتريك، مستشارة الموارد البشرية لشؤون التوسع العالمي بشركة ميركر للاستشارات في لندن.
وتقوم بعض الشركات بعمل تحديث دوري للرواتب في محاولة للتغلب على هذه التقلبات في سعر العملة. ومعظم الشركات الكبرى لديها سياسة تقويم، أو تتجه لإعادة تقييم الرواتب عندما تنخفض العملة (أو ترتفع) إلى ما بين سبعة في المئة و12 في المئة، كما تقول فيتزباتريك.
فكر في خطة قبل الانتقال
ويقف الذين يتطلعون إلى وظيفتهم التالية في الخارج في موقف جيد عند التفاوض. فبدلاً من القبول بما يسمى بـ “صفقة المضيف”، والتي تعني أنك تتلقى راتبك بالعملة المحلية بنفس مستوى الفوائد والتعويضات التي يتلقاها زملاؤك المقيمون من مواطني البلد، (إضافة إلى بعض الزيادات من قبيل تغطية نفقات التعليم والسكن)، تقترح فيتزباتريك بدلاً من ذلك أن تتفاوض على صفقة توفر لك تلقي راتبك بطريقة ميزان المدفوعات.
وهذه الطريقة تتيح تقسيم ما يدفع لك بين العملة المحلية وعملتك الأصلية، وهو ما يسهل عليك عملية الادخار عندما تكون مقيماً في الخارج، وتدفع فواتيرك في بلدك الأصلي بعملتك المحلية.
فائدة أخرى لهذه الطريقة هي المساواة الضريبية، وهذا يعني أنه ليس عليك أن تدفع ضرائب أعلى إذا انتقلت للعمل في الخارج.
وتوضح فيتزباتريك ذلك بالقول: “تحصل على سلسلة من العناصر التي يوازن بعضها بعضا، والتي من شأنها حماية مستوى معيشتك في بلدك”.
وفي الوقت الراهن، هناك حوالي 60 في المئة من موظفي الشركات المغتربين يستخدمون طريقة ميزان المدفوعات هذه، طبقاً لبحث صادر عن شركة ميركر.
لكن الكثيرين من الموظفين الصغار من المغتربين ليسوا محظوظين جداً، وليس أمامهم خيار غير القبول بصفقة المضيف التي تنطوي على مجازفة عندما ينتقلون للعمل في الخارج. وهؤلاء الموظفون الصغار ليس لديهم السلطة اللازمة للتفاوض، أو الخبرة الكافية للبحث عن مشورة.
لكن المبتدئين من رجال الأعمال المغتربين، وأولئك الموظفين ذاتياً، أي في أعمالهم وشركاتهم الخاصة بهم، يأتون بحلول يحاولون من خلالها حماية دخولهم.
فعلى سبيل المثال، ستنتقل ستيفي بينانتي، التي أسست موقعاً ألكترونياً على الإنترنت، مع زوجها دان ميلر المستثمر في مجال العقارات، من فرنسا إلى لشبونة في البرتغال في الخريف القادم.
وهما يستخدمان خدمة على الإنترنت لتداول العملات، تعرف باسم “ترانسفيروايز”، لدفع الفواتير، وأجور الموظفين المؤقتين بعملات مختلفة، وهو ما يتيح لهما استخدام سعر الصرف الذي تكون عليه العملة في السوق في نفس اللحظة.
ويتلقى الزوجان الأمريكيان شيكات تدفع لهما في موطنهما الأصلي نيويورك.
وهناك شركة أخرى تقدم خدماتها عبر الإنترنت تسمى “إيرث كلاس ميل”، والتي تقوم بصرف شيكات الزوجين، ووضعها بالدولار في حسابهما البنكي الأمريكي.
ويخصص ميلر الآن وقتاً أكبر لإدارة الشؤون المالية للزوجين من الخارج، ويتعرف على تقلبات أسعار العملات قبل أن يحدد أسعار المشاريع.
خيارات مصرفية
من المهم للمغتربين أن يقفوا على أمرين: كيف وأين يكسبون دخلهم. ومن ثم يقدمون على الاستثمار لكي يقللوا من الاضطرابات المالية المتعلقة بتحويل مبالغ كبيرة من دخلهم من عملة إلى أخرى.
وتقول سيلف إن أقرانها في العمل يبحثون عن زبائن وعملاء مقيمين في سويسرا بدلاً من البحث عن عملاء في الخارج، وذلك ليدفع هؤلاء لهم بالعملة المحلية تجنباً لإضطراب أسعار العملات.
وتتبنى سيلف خطة تقوم على الاحتفاظ بمدخراتها في سويسرا، والتي تحتفظ فيها بحساب تقاعدي معفى من الضرائب، إلى جانب مدخراتها السابقة في الولايات المتحدة، إلى حين أن تقرر أين ستتقاعد.
وتعرض بعض البنوك استشارات لإدارة الثروة مخصصة للوافدين بالذات. على سبيل المثال، استخدام حساب متعدد العملات أو استثمار وديعة بعملتين، وهي وسيلة مالية تتيح الادخار بعملتين للاستفادة من تقلبات السوق.
حتى بعض الشركات متعددة الجنسيات تعكف على تغيير أسلوب عملها.
تقول فيتزباتريك إن بعض الشركات كانت تخشى في الماضي من تقديم استشارات مالية للمغتربين، لكن بعضها بدأ يفكر في نوعية النصائح الاستثمارية التي يمكن أن تقدمها للمغتربين.
على سبيل المثال، بعض الشركات التي توظف عاملين ممن يستخدمون طريقة ميزان المدفوعات ربما تنصحهم بأفضل السبل لتقسيم دخولهم إلى عملتين. وتمضي سيلف قائلة: “تاريخياً، لم تعرض الشركات أي نوع من الدعم أو شبكة الأمان لهذا النوع من المشاكل”.
في نهاية الأمر، من المهم أن تقيم جيداً على الصعيد الشخصي ما ستحصل عليه من أجر ضمن عقد العمل، وتفهم كيف تخطط للادخار والاستثمار، كما تقول جيني مارتيز، المسؤولة في شركة “إير إنك” لتقديم الاستشارات للشركات متعددة الجنسيات.
وتضيف: “الق نظرة فاحصة على عقد عملك في الخارج وما إذا كان سينتج عنه ما تصبو إليه من أهداف جراء الانتقال للعمل في الخارج”.
BBC