هذه ليست أول مرة تهدد فيها الحكومة بإغلاق الحدود مع دولة جنوب السودان في حال تقاعست الأخيرة عن طرد الحركات السودانية المتمردة التي تستضيفها وتساندها وتدعمها جوبا، فقد سبق للخرطوم أن اتخذت إجراءات بغلق الحدود ووقف تصدير النفط الجنوبي، لكن حكومة دولة الجنوب لم ترعوي وتصر على غرس أنيابها في اليد الممدودة إليها، وظلت تبذل الوعود وتتعهد وتلتزم بلا جدوى أو فعل ملموس، والخرطوم كالعادة تتسامح ثم تُلدغ من الحجر ألف مرة . > بعد بضع أسابيع من زيارة تعبان دينق الذي حل محل النائب الأول لرئيس دولة الجنوب ، وحديثه المغلَّظ في الخرطوم وإعلانه أن ما يشوب العلاقات قد انتهى وقته، وأقسم جهد أيمانه لدى لقائه السيد رئيس الجمهورية وفي اجتماعاته هنا مع كبار مسؤولي الدولة، إن حكومته في جوبا لن تبقي بين ظهرانيها أي سوداني متمرد ومعارض لبلده وأنه لا دعم لهذه الحركات والمجموعات. فالواضح أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وعادت جوبا وعاد تعبان دينق الى ضلالهما القديم، فحكومة جوبا منذ الانفصال كانت تعد بفك الارتباط مع قطاع الشمال ومع الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين للجيش الشعبي وتحاربان السودان في المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق، ثم تعهدت في الاتفاقية الشاملة الموقعة في سبتمبر ٢٠١٢م بتنفيذ كل الاتفاقية الأمنية وستمتنع بوقف دعمها وإيوائها لقوات قطاع الشمال وبطرد المجموعات المسلحة المعارضة للخرطوم، لكنها لم تفعل شيئاً، بل زادت من ارتباطها بقطاع الشمال في الحركة الشعبية وتقوت واستنفرت بحركات دارفور في حروبها الداخلية مع المعارضة الجنوبية المسلحة . > وهنا لابد من ذكر موقفين متناقضين يعبران عن حالة التيه والنزف السياسي، فالسيد تعبان دينق الذي تعهد هنا في الخرطوم قبل أسابيع عندما كان حاكماً لولاية الوحدة قبل التحاقه بالدكتور رياك مشار متمرداً كان من أكبر داعمي قطاع الشمال ومتمردي دارفور، وعندما تمرد واصطف في صف رياك مشار تعرض أهله النوير لمجازر وتصفية عرقية وتطهير على أساس قبلي وتم تهجير أهله من مناطقهم وقتلهم بالألوف وكل ذلك قامت به ضد النوير حركات دارفور المتمردة التي كانت تقف مع حكومة جوبا ضد المتمردين، وساهمت قوات قطاع الشمال بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة ضد قبيلة تعبان دينق، فعندما تبدلت المواقف وأقام تعبان دينق سرادق العزاء على مواقفه المعارضة وانخرط في صف سلفا كير، حاول التمويه ومخادعة الخرطوم لكسب ودها بأن الحركات المتمردة وقوات قطاع الشمال ستطرد من أراضي دولة جنوب السودان، فما حدث هو العكس تماما ًعاد تعبان ليحتضن هو وحكومته قتلة أهله، وتثار شكوك قوية جداً في جوبا هذه الأيام إن المجموعة التي تتآمر ضد الأمن والاستقرار السوداني لا تبتعد خطواتها كثيراً عن مكتب النائب الأول لرئيس حكومة جوبا ..! > فما الذي ستفعله الحكومة هنا في الخرطوم، حكومتنا تسارع بالنفي حول أي نشاط غير سياسي أو فيه شبه سياسة اذا ارتبط بالمعارضة الجنوبية، في ما يشبه الاعتذار، لكنها لم تتخذ حتى اللحظة أية خطوات حال ما تقوم به حكومة سلفا كير ضد السودان، وهو أمر غريب للغاية ولا يستقيم، فإذا كانت جوبا لا تأبه باحتجاج الخرطوم ودعواتها المتكررة لها بطرد المعارضين السودانيين والتوقف عن دعمهم وتصفية معسكراتهم ومقرات إيوائهم، فليس هناك مبرر للتعامل الهين واللين حتى تستأسد حكومة سلفا كير وحلفائها علينا . > ومن القراءات البسيطة والواضحة لكل ذي عينين، إن الأوضاع الهشة جداً في جوبا وشبح الوصاية الدولية سيُخلِّفان واقعا ًجديداً يصعب التعامل معه بوجود المجموعات السودانية المعارضة في دولة الجنوب التي قد لا يكون هناك وجود لحكومة ودولة نظراً للتطورات الجارية فحالة الفوضى المتوقعة سيكون لها ردات أفعال متتالية وخطيرة، فيجب حسم هذا الملف بسرعة قبل انقضاء الوقت، فمع انهيار الدولة وفرض وصاية دولية على الجنوب، سيكون للحركات المسلحة وجود لا نستطيع التعامل معه لأنه لا توجد دولة أو حكومة هناك نواجهها بأخطائها أو نتعامل معها بالمثل أو نضغط عليها .. اذا كانت هناك خطوات وتدابير وإجراءات تجعل من جوبا تتوقف وتمتنع عن ما تقوم به ضدنا ،فلتكن اليوم قبل الغد، ولنتخذها وليرتد السهم الى نحر من خان ونكث.
الانتباهة