منذ أن صارت تكنولوجيا الاتصال الحديثة وعلى رأس قائمتها (الهاتف الجوال) وأهم تطبيقاته (الواتساب)، جزءاً لا يتجزأ من مقتنيات السودانيين، يشتعل سباق محموم لنشر المعلومات والآراء في الفضاء الإسفيري، تنشط على إثره الأحزاب السياسية لكي تكون جزءاً أساسياً فيه، وهكذا تشكلت العديد من “القروبات” الحزبية التي صارت ساحة جديدة للنقاش، كما استفادت الأحزاب من هذه التكنولوجيا المؤثرة في إصدار نشراتها الإلكترونية التي تحوي الأخبار والمقالات وبقية الفنون الصحافية التي تعكس فيها الرؤية السياسية التي تنتهجها إضافة إلى المناشط المختلفة التي تقوم بها، سواء على مستوى العاصمة أو الولايات أو خارج البلاد.
ويرى مراقبون أن التضييق على الحريات وارتفاع تكلفة الطباعة من الأسباب الريئسية التي أدت إلى انتشار مثل هذه االنشرات عن طريق الشبكة العنكبويتة ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يثير كثيراً من الأسئلة على شاكلة من الذي يقوم بتحرير تلك النشرات وهل تملك الأحزاب صحافيين متخصصين لصياغة تلك الأخبار وهل أدت تلك النشرات الفائدة المرجوة منها؟!
نشرات دورية:
تلجأ كثير من الأحزاب السياسية التي كانت تواجه عراقيل أمام إصدار نشراتها الدورية أو صحفها للتعبير عن آرائها ومواقفها ومناهجها في المشهد السياسي عبر (الواتساب)، لذلك انتشرت على هذا التطبيق العديد من النشرات الحزبية الدورية مثل (أخبار الوطن) التي تصدر عن حزب المؤتمر السوداني، و(الهدف) التي تصدر عن حزب البعث العربي الاشتراكي، وهناك مجموعات (واتساب) مخصصة للأحزاب مثل (قروب السيدة مريم الصادق المهدي) الخاص و(قروب أخبار حركة الإصلاح الآن).
الكثيرون يتابعون أخبار الأحزاب السياسية التي تمتد إلى اوسع من قضايا الحزب الضيقة إلى فضاء الأخبار العامة، بيد أن هذه الأخبار وإن كانت شاملة فإنها لا تبتعد كثيراً عن الخط السياسي للحزب، فالمؤتمر السوداني لديه نشرة يُعِدُّها بشل يومي، وهناك غرفة متخصصة تتبع لأمانة الإعلام، كذلك حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يُصدِر نشرة الهدف، ولديه موقع إلكتروني وصفحة في الفيسبوك، أضف إلى ذلك مختارات من هذه الصفحات تتم صياغتها لتكون نشرة أخبار عبر قروبات (الواتساب) أما حركة الإصلاح الآن، فتقوم دائرة الإعلام بها بإنشاء قروب واتساب أسموه (أخبار الإصلاح الآن) ينشر فيه الحزب أخباره وبرامجه إضافة إلى التواصل مع جميع الصحافيين والإعلاميين في الداخل والخارج وتبادل الآراء والأفكار المختلفة.
نشرات خاصة:
عدا تلك النشرات الدورية، فالواتساب مستخدم أيضاً في النشرات الخاصة من قبل قيادات الأحزاب ورموزها في مجموعات منتقاة عضويتها يتم فيها نشر أخبار أو تحليلات أو آراء في المشهد السياسي، فمن حزب الأمة قامت السيدة مريم الصادق المهدي بإنشاء قروب واتساب خاص بها بحيث تنشر فيه أخبار الحزب والمقالات والتحقيقات والصور، وتعكس فيه الرؤيا السياسية لحزب الأمة، وهنالك كثير من القيادات في أحزاب أخرى يستخدمون نفس التقنية لبث أخبار أحزابهم أو أخبار اجتماعية عن قيادات أحزابهم ورموزها. ورغم هذا التطور الكبير الذي انخرطت فيه الصحافة الحزبية بالسودان، ما تزال بعض الأحزاب تحافظ على تقاليدها الراسخة، مثل الحزب الشيوعي السوداني الذي يكتفي بجريدة (الميدان) الأسبوعية وهي الصحيفة الحزبية الوحيدة الموجودة بعد اختفاء الصحف الحزبية من أرفف المكتبات، كصحيفة (صوت الأمة) لحزب الأمة وصحيفة (رأي الشعب) للمؤتمر الشعبي و(الرائد) للمؤتمر الوطني، وصحف (العلم، الخبر والاتحادي) التي كانت لسان حال الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، أما صحيفة (الانتباهة) فقد كانت الصحيفة الناطقة باسم حزب منبر السلام العادل حتى حدث ما حدث وتم (اختطافها) كما ذكر رئيس الحزب الطيب مصطفى.
صحافيون متخصصون:
وبعكس قروبات (واتساب) حزب الأمة وحركة الإصلاح الآن، التي تعتمد فقط على تجميع أخبار مختلفة، فإن حزب البعث العربي الاشتراكي لديه صحافيين متخصصين ولديه مكتب يتبع لأمانة الإعلام به محترفون يقومون بجمع الأخبار والمقالات وغيرها من شتى فنون الصحافة عن طريق مكاتبهم المنتشرة في الولايات حيث يقومون بإعدادها وصياغتها ونشرها من جديد، كما يؤكد الأمين السياسي للمؤتمر السوداني، بكري يوسف، على وجود متخصصين لصياغة هذه الأخبار، نافياً القول بأن كوادر عاديين هم من يصيغون تلك المواد.
أخبار (ملونة)
يرى الناطق الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل، محمد ضياء الدين أن هذه النشرات أفادت الجماهير كثيراً ووصلت إلى عدد كبير من المتطلعين لأخبار الحزب وأخبار البلاد عن طريق موقع (الهدف)، بينما يرى بعض المراقبين أن هذه الأخبار (ملونة) تضاف إليها صبغة تخدم الخط السياسي للحزب ولا تتصف بالمهنية، بيد أن بكري يوسف ينكر هذا القول ويرى أن أخبار الوطن التي ينشرها الحزب تتقيد بالمهنية لكنها في ذات الوقت تعبر عن رؤية الحزب فيما يراه من المادة التي ينشرها، وقال بكري: “من الطبيعي أن تعبر نشرات الأحزاب عن خطها السياسي وإلا لماذا كانت هذه النشرات؟”. مؤكداً وصول نشرة (أخبار الوطن) إلى العديد من المواطنين وقواعد الحزب الذين لا يستطيعون الحصول على الصحف في المناطق البعيدة.
أزمة حريات:
الشاهد أن اختفاء الصحف الحزبية من الساحة كما يقول محمد ضياء في حديثه لـ”الصيحة” سببه الرئيس هو التضييق على الحريات، إضافة إلى تكلفة الطباعة، ويتفق مع هذا الرأي الأمين السياسي للمؤتمر السوداني بكري يوسف حين قال لـ(الصيحة): “من البديهي في عصر التضييق على الحريات في البلاد أن تتجه الأحزاب إلى إصدار نشرات الكترونية حتى تتواصل مع جماهيريها في أصقاع الوطن المختلفة.
تقشف اضطراري
ليس هذا فقط إذا نظرنا إلى اجتماع الناشرين للصحف الأخير قبل أشهر مضت مقررين زيادة سعر الصحيفة إلى ثلاثة جنيهات، لارتفاع سعر الورق والطباعة، ويعتقد محمد ضياء الدين أن هذا الارتفاع أدى إلى تقشف الأحزاب نحو طباعة دوريات أو نشرات يومية لها، مشيراً إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل كانت لديه مطبعة (النيلين) وهي المطبعة التي صادرتها حكومة الإنقاذ عندما جاءت في العام 1989، وكانت المطبعة تصدر صحيفة (الهدف) التي كان يرأس تحريرها الأستاذ كمال حسن بخيت.
أما بكري يوسف فيقول إنهم الآن بصدد طباعة (أخبار الوطن) كصحيفة مستقلة لها إدارة تحرير وصحافيون محترفون، وقد أخطروا مجلس الصحافة والمطبوعات بالتزامن مع اجتماع المجلس المركزي الأخير للحزب، حيث تصدر بشكل دوري عند انطلاقتها ثم تتحول إلى نشرة يومية، مشيراً إلى أنهم قاموا بتدريب عدد من كوادرهم، وشكلوا (أتيام) من كل ولايات السودان، وأن الأيام القادمة ستشهد تدريباً عالي المستوى لكوادرهم الإعلامية من ولايات دارفور وكردفان، وستقام الدورات التدريبية في العاصمة الخرطوم.
وعليه يبقى السؤال: هل يقود الحوار الوطني الدائر الآن في قاعة الصداقة، مع اقتراب أجل انتهائه، إلى اتفاق يفضي إلى حريات واسعة وأوضاع مستقرة تسمح لجميع القوى السياسية بإصدار دورياتها، أم أن الأمر سيظل على ما هو عليه خاصة وأن تكلفة الطباعة تزداد ارتفاعاً مع اعتبار أن معظم الأحزاب السودانية (فقيرة)!.
تقرير: عطاف عبد الوهاب
صحيفة الصيحة