يوم 10 أكتوبر لن يكون إنقلاباً

يوم 10 أكتوبر من هذا العام أي بعد ثلاثة أسابيع هو اليوم الذي تبدأ فيه أعمال الجمعية العمومية للحوارالوطني لإجازة توصيات لجان الحوار الست.. كما هو معلوم فإن هذه التوصيات لم يتم الاتفاق الكامل عليها بل وتحتاج إلى تفاصيل وبرامج زمنية حتى يتم تنفيذها والخلافات في بعض الحالات جوهرية فمثلاً تم التوافق على فصل السلطات الثلاث ـ السيادية والتنفيذية والتشريعية ـ وذلك بخلق منصب رئيس وزراء.. لم يتم الاتفاق على كيفية إختيار رئيس الوزراء وكيفية إعفاءه.. رأيي أن يتم إختياره بواسطة المجلس الوطني وإقالته بواسطة المجلس ورأي آخر أن يتم إختياره وتعيينه بواسطة رئيس الجمهورية ويعتمده المجلس الوطني وتتم إقالته بواسطة رئيس الجمهورية وهناك خلافات جوهرية وأخرى طفيفة في بعض توصيات اللجان الأخرى.. من هذا يتضح أن يوم 10 أكتوبر ليس نهاية لمرحلة وبداية مرحلة جديدة مثل الإنقلاب بل هو بداية وضع أسس متوافق عليها من كل التنظميات السياسية الحزبية والمجتمعية وفي تقديري أن هذه المرحلة التي تبدأ يوم 10 أكتوبر قد تستمر ما لا يقل عن ثلاثة أشهر وفي رأيي أن تمتد حتى آخر مارس 2017م لتبدأ مرحلة التحول الديمقراطي الحقيقي في أبريل 2017م حتى أبريل 2020م موعد نهاية الدورة الرئاسية الأخيرة للرئيس البشير..

هذه الستة أشهر تكون بمثابة فترة إنتقالية كافية لتجويد إصدار توصيات الحوار الوطني وإتاحة فرصة أخيرة كافية لإنضمام كل الجهات الممانعة أو المترددة حتى تكتمل عملية الحوار الوطني وتتوج مجهودات الحكومة والاتحاد الأفريقي والامم المتحدة بتوصيات ناضجة مستدامة قابلة للتطبيق بقناعات ورضاء كافة الأطراف.. أي استعجال أو (كلفتة) سوف تؤدي إلى ضياع مجهود مقدر وصدور إتفاق مشوه ناقص لن يصمد كثيراً ولن يحل مشاكل السودان المزمنة الأمنية والاقتصادية وفي إعتقادي أن أي إتفاق يتم في غياب حركات دارفور المسلحة وقطاع الشمال لن يحقق الهدف المطلوب من الحوار الوطني ونكون قد دفنا رؤوسنا في الرمال حتى لا نرى المشهد الكارثي الذي سيحل بالسودان بسبب الإنهيار الاقتصادي والتفلتات الأمنية.
أهم توصيات الحوار الوطني حتى الآن هي مبدأ فصل السلطات وتحديداً السلطة التنفيذية بإستحداث منصب رئيس وزراء حكومة ذات مهام محددة في فترة ثلاث سنوات.. وحتى يكتمل هدف إنشاء حكومة ورئيس وزراء بنجاح كامل يجب الإلتزام بالآتي:

أولاً: تعديل الدستور ليقنن فصل السلطات وتحديد سلطات مجلس الوزراء وحذفها من سلطات رئيس الجمهورية في الدستور الحالي وهذا الأمر يحسم بالضرورة الجدل حول كيفية تعيين رئيس الوزراء والوزراء إذ أنه وحتى يتسق العمل دون تعارضات أو تقاطعات يتم تعيين رئيس الوزراء بواسطة رئيس الجمهورية ويعتمده المجلس الوطني الذي يحاسبه ويراقب اداءه ويرفع توصية لرئيس الجمهورية لإعفاءه إذا فشل في مهمته.
رئيس الوزراء يرفع توصية بأسماء الوزراء في الوزارات المحددة مسبقاً بواسطة رئيس الجمهورية لاعتمادها واصدار المراسيم الجمهورية بتكليف الوزراء واداء القسم امامه.

ثانياً: يجب أن يكون رئيس الوزراء من الشخصيات القومية وفي مؤهل علمي مهني رفيع وشخصية مقبولة.
ثالثاً: تكوّن الحكومة بمهام محددة ويكون وزراؤها من أصحاب التعليم العالي الرفيع المتخصص (حكومة تكنوقراط) غير الحزبيين ودون النظر إلى أي توازنات جهوية ضارة وعلى حساب الكفاءة العلمية والقدرات الإدارية.
رابعاً: لا تزيد الوزارات عن عشرين وزارة هي وزارات الداخلية، الخارجية، المالية، التخطيط الاقتصادي، التعليم العالي، الصناعة والاستثمار،التجارة (سيكون لها دور مهم في معالجة أزمة الاقتصاد)، الإعلام والثقافة، الحكم الاتحادي، الري وموارد المياه، الكهرباء، النقل، الشباب والرياضة، الشؤون الدينية، الزراعة والثروة الحيوانية. وأخيراً البترول والمعادن. بالطبع لا مجال لوجود وزارة دفاع والدولة ما زالت رئاسية رئيس الجمهورية فيها هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. جهاز الأمن الوطني أيضاً مباشرة تحت قيادة رئيس الجمهورية.
خامساً: تكون فترة الحكومة من أبريل 2017م إلى أبريل 2020م وتكون مهامها المحددة هي:

ـ بسط الأمن كاملاً وبكفاءة عالية بواسطة قوات الشرطة بكل وحداتها.
ـ توفير الخدمات الضرورية مثل الكهرباء، المياه، الطرق، الكباري، النفايات، الصحة والمواصلات وتوفير السلع الضرورية بأسعار في مقدور الغالبية العظمى.
ـ إعادة تأهيل وتقوية التعليم الحكومي في مراحل الأساس والثانوي حتى يعود قوياً في مقدور الغالبية العظمى ينافس كل مؤسسات التعليم الخاص باهظ الكلفة.

ـ إعادة تأهيل مشروع الجزيرة، السكة حديد، الخطوط الجوية والبحرية.
ـ إعادة هيكلة الاقتصاد وتعطيل العمل بسياسة السوق الحر وإعادة سلطات وهيبة وزارة التجارة إلى سيرتها الأولى في مراقبة وترشيد الاستيراد والتصدير عبر رخص التجارة الشهيرة السابقة.. تحويل جهاز المغتربين إلى وزارة كاملة تعنى بشؤون المغتربين وتحويلاتهم التي تقارب الستة مليارات سنوياً عبر القنوات الرسمية بسعر السوق الموازي وهذا يتطلب بالضرورة تعويم سعر الجنيه السوداني لفترة لا تزيد عن عام حتى يستقر في سعره الحقيقي.. من مهام الحكومة أيضاً وضع يدها على كل الصادرات من الثروات القومية مثل الذهب والصمغ العربي.. ومن مهام الحكومة أيضاً إعادة التوازن في السياسة الخارجية والإلتزام بمباديء الحياد الإيجابي وعدم الأنحياز إلى المحاور الحادة التي لا يقوى عليها السودان في ظروفه الحالية.. تسعى الحكومة بأسرع الطرق إلى تطبيع العلاقة مع أمريكا والاتحاد الأوربي خاصة وقد إقتربنا من ذلك.. خلق علاقة ثنائية متميزة جداً مع كل من دولة جنوب السودان، مصر وأثيوبيا. وأخيراً من مهام الحكومة الإشراف على وضع دستور دائم وإجراء انتخابات حرة نزيهة في أبريل 2020م وبذلك يبدأ التداول الحقيقي السلمي للسلطة في ظل حرية وعدالة ومساواة لكافة التنظيمات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.. تكوين الحكومة بهذه المهام يعني أهمية إزالة كل الأجسام الموازية لبعض الوزارات التابعة لرئاسة الجمهورية خاصة فيما يتعلق بالشؤون الخارجية حتى تتمكن وزارة الخارجية من اداء مهامها بحرية وأبداع يحقق هدف إعادة التوازن في العلاقات الخارجية دون تقاطعات وتدخلات تحرج الوزارة وتعيق إدائها.
والله الموفق….

تقرير:عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة

Exit mobile version