تشير الإحصائيات في أفغانستان إلى ازدياد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار. يعزو الخبراء ذلك إلى الزواج الإجباري والعنف الأسري، بالإضافة إلى البطالة وسوء الأوضاع المعيشية في أرجاء البلاد وغيرها من الأسباب.
وفي الأرقام الأخيرة، حاول 400 شاب وفتاة الانتحار في إقليم هرات وحده في غرب أفغانستان. أما وسائل الانتحار المستخدمة في تلك المحاولات فهي السموم، خصوصاً تلك الخاصة لقتل الفئران. ومع دراسة الكثير من الحالات، تبيّن أنّ السبب الأبرز هو البطالة، تليه المشاكل الأسرية خصوصاً الشجارات وما يرافقها من عنف أسري يرتبط عادة بالاعتداء على الزوجة. يضاف إلى ذلك العادات والتقاليد المتبعة في زواج الفتيات، والتي تشكل أبرز أسباب انتحارهن.
هوسي من مديرية شين دند في إقليم هرات من بين أولئك اللواتي حاولن الانتحار. السبب كان واضحاً من خلال محاولة الأسرة تزويجها من رجل أكبر منها بنحو عشرين عاماً. الفتاة رفضت ذلك من خلال الحديث مع شقيقتها الكبرى. لكن الوالد لم يقتنع. بعدما شدّ العزم على تزويجها من كبير قرية يكسبه السمعة والجاه، تناولت الفتاة سم الفئران. أغمي عليها وأخذها والدها وشقيقها الأكبر إلى المستشفى. هناك أجريت لها عملية غسل معدة ونجت الفتاة. وبنجاتها، نجحت الفتاة في ثني والدها عن قراره.
الزواج الإجباري ليس السبب الوحيد للانتحار، هناك أسباب كثيرة أخرى يشير إليها الطبيب في المستشفى المركزي بمدينة هرات الدكتور محمد رفيق. يقول إنّ من بينها العنف الأسري والبطالة، بالإضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة.
يضيف أنّ معظم مرتكبي الانتحار هم من النساء والفتيات بنسبة 80 في المائة، أما البقية من الذكور فمعظمهم شبان صغار في السن. السبب، على حد قوله، أنّ صوت المرأة والفتاة غير مسموع في معظم الأحيان. فهي واقعة تحت ظلم كبير يلغي شخصيتها بالكامل. أما الشبان فمشاكلهم مختلفة عن محاولات الفتيات التعبير عن الرأي أو رفع الظلم عنهم خصوصاً ما يتعلق بالعادات والتقاليد. فهم يفكرون أكثر قبل أن يحاولوا الانتحار، خصوصاً أنّهم بعيدون جداً عن كونهم ضحايا للإكراه على الزواج أو العنف الأسري.
فوزية حالة نسائية نموذجية للمقدمات على الانتحار في أفغانستان. هي ضحية للعنف الأسري مختلف الجوانب، فقد تعرضت للضرب المبرح مرات عديدة من قبل زوجها وأبيه بل من قبل أشقائه أيضاً. حاولت الانتحار بتسميم نفسها بسمّ الفئران، لكنّها لم تنجح في توديع حياتها الصعبة كما أرادت، بل كتب لها القدر البقاء في عالم الشقاء الذي تعيش فيه.
تقول فوزية: “كنت أتحمل اعتداء زوجي عليّ بالرغم من تكراره عشرات المرات. لكن، عندما بدأ والده وأشقاؤه يضربونني، لم أعد أتحمل الوضع أبداً. أخبرت أشقائي، لكنّهم لم يفعلوا أيّ شيء”.
لم يبق أمام فوزية إلا الانتحار. حاولت ذلك فعلاً، لكنها نجت بعد نقلها إلى المستشفى. تعرف أنّ زوجها لن يتعظ، بل سيعاود ضربها حال عودتها من المستشفى إلى البيت. فقد أضافت إلى كلّ شيء سبباً إضافياً لضربها، هو “أنّي جلبت العار له في محاولتي الانتحار” كما تقول.
وعلى الرغم من تأكيد رجل الدين المولوي نويد أحمد على أنّ الانتحار يخالف الشريعة الإسلامية، فإنّه في الوقت نفسه يشدد على أن العلماء (رجال الدين) لم يقوموا بدورهم الأساسي لاستئصال هذه الظاهرة من خلال معالجة الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، والتي من أبرزها الإكراه على الزواج، والعنف الأسري، والحرمان من الميراث وغيرها. يضيف أنّ المنابر خير وسيلة لمعالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية، كذلك، فإنّ للعلماء دورهم في تلقين الشباب درس الصبر، والآباء درس التعامل الحسن مع أولادهم، أكانوا ذكوراً أم إناثاً.
العربي الجديد