يعتقد دونالد ترامب أنّ بوتين أفضل من أوباما، أعلن ذلك خلال لقاء أجرته معه شبكة (إن بي سي) وأضاف: “إنه زعيم أفضل إلى حد بعيد من رئيسنا وهو يقول أشياء عظيمة عني لذلك أقول عنه أشياء عظيمة”.
وبوتين منذ أن غادر (كي جي بي) بداية تسعينيات القرن المنصرم ظل يعد عدته لاسترداد السلطة وسحبها من بين أصابع (بوريس يلتسين) الهشة المرتعشة، فهو ليس حاكمًا قويًا فحسب، بل سياسي حصيف وذكي يعرف كيف يُدير اللعبة ما بين أمريكا وأوروبا وما بين أزمتي أوكرانيا وسوريا وتداعياتهما على مجمل الأوضاع، استطاع العودة ببلد كان على شفا الانهيار والتداعي إلى الواجهة كأحد أقوى بلدان العالم عسكريا واقتصاديًا وسياسيًا، وأحدث نهضة لا تخفى بإخراج الاقتصاد الروسي من وطأة كونه ريعيا يعتمد على النفط والغاز إلى اقتصاد أكثر حداثة وديناميكية وتنوعا من صناعة وزارعة وتكنولوجيا وخلافها، اقتصاد قائم على الإنتاج والجهد والتفكير والابتكار.
وترامب ليس الوحيد من بين (المناوئين) الذي قال عن بوتين أشياء عظيمة، فحتى أردوغان قال عنه الكثير، خاصة هذه الأيام، أيام العسل التركي/ الروسي، وهو عسل عنيف لا شك، بدأ بزلزلات وارتجاجات وهزّات أسفرت عن فصل الشمع عن (الخليِّة السورية)، والآن يحج الجميع إلى روسيا ليحصلوا على (بركات) بوتين، تحج الإدارة إليه الإدارة الأمريكية ممثلة في وزير الخارجية و سي آي إيه، والبنتاغون، وتحج ألمانيا وفرنسا والشرق الأوسط والأدني وتركيا وبطبيعة الحال المعارضة السورية (المعتدلة) تحج سرّاً، ثم يأتي (ترامب) جهرًا، وماذا يستطيع أن يفعل فقد أخذ بوتين القرم من بين أيديهم وترك أوكرانيا تتحسر على خروجها من (بيت الطاعة) الروسي المجيد.
والحال، إن كل ذلك التمجيد الذي يحظى به سيد الكرملين، لا يعفي عن مساءلته الواقع الداخلي الماثل في بلده، فتلك الصيغة المبتدعة من الديمقراطية التي يدير بها داخله مناصفة مع ميدفيديف فيحكم، مباشرة مرة أو مداورة أخرى، بما يشبه نوعاً من تجاوز التفويض الديموقراطيّ، إن صح التعبير، وهكذا يتخلّق في روسيا نوع من الديمقراطية البوتينية المراوغة، وهي ديمقراطية يبدو أن أردوغان يحتذيها أيضًا (من رئيس وزراء إلى رئيس)، وبوتين فعل الأمر نفسه بتواطؤ مع حليفه ميدفيديف فدار دورته ثم عاد إلى رئاسة الوزراء كرة أخرى، لكن يبدو أن هذه اللعبة لن تستمر طويلاً فما أن تُسوّى الأزمة السورية والمسائل المحيطة بها (آثارها)، فإن الداخل الروسي والتركي سيتلفت لا محالة إلى ثقوب الديمقراطية، وفتقات الحرّية بوصفها مصدر الخيال والإبداع في اقتصاد ما بعد التكنولوجيا، ومحكّ المسؤوليّة أيضاً، وبالتالي فإن القيصر والسلطان سيجدان نفسيهما في مأزق حقيقي، فإما أن يلعبا الديمقراطية بطريقة صحيحة أو يغادرا .