محمد لطيف : متى تحصي الحكومة .. نعمها

كان ذلك الشيخ المصري يتحدث عن التواضع في الإسلام ومعايير التعامل مع المتواضعين تقديرا وعرفانا ورفعة لمكانة التواضع .. وفجأة يتوقف الشيخ كمن تذكر شيئا .. وتعود به الذاكرة لخمسة عشر عاما إلى الوراء .. كما قال .. ويحكي .. كنا على جبل عرفات في الخيام .. التجهيزات الآن أحسن كثيرا .. زمان كان الوضع مختلفا ..ونحن في الخيمة فوجئنا بأحدهم وقد قام على خدمة الجميع .. بدأ بإزالة التراب من حذاء أحدنا ووضعه أمامه .. ثم يهتم بتوفير الماء لراغب في الوضوء .. ثم رويدا رويدا أصبح ذلك الرجل من شدة تواضعه ورقة حاله قبلة كل راغب في خدمة .. يستدرك الشيخ .. هذه طبيعة النفس البشرية .. ويقول .. اعتاد الناس في خيمتنا تلك طلب خدمات مختلفة من ذلك الرجل .. وهو يلبي بحماس وبابتسامة رقيقة تكسو وجهه .. حتى دخل إلى خيمتنا رجل وهتف .. يا مرحبا يا مرحبا .. مين ..؟ يا سلام .. أهلا وسهلا يا فخامة الرئيس .. ويتساءل الشيخ ومن معه بالخيمة والدهشة تلفهم .. رئيس أيه يعني ..؟ ويجيب بنفسه .. الراجل طلع رئيس دولة .. رئيس دولة عربية سابق ..و يقول الرجل إنه واثق أن أحدا لن يفهمه خطأ .. هو رئيس دولة متفرد .. ويستدرك الشيخ مرة أخرى .. أرجو ألا يغضب فخامة الرئيس إذا بلغه حديثي هذا .. فأنا أقصد رفع قدره بهذا الحديث ..كان رئيس دولة .. رئيس جمهورية السودان المشير عبد الرحمن سوار الذهب .. ويختم الشيخ .. لن يفعل هذا أحد غيره .. قبل أن يكمل .. النصف الثاني من يوم عرفة اختلف التعامل مع فخامة الرئيس .. أراد الشيخ أن يقول إن تواضعك يرفعك أمام الناس ..!
أما أنا فقد عادت بي الذاكرة لنحو خمسة أيام فقط .. فاستحضرت خيبتي .. لست وحدي بل معي ثلة من الزملاء .. ونحن نرى المشير سوار الذهب أمامنا بشحمه ولحمه وتواضعه وأدبه الجم .. ثم لا نخصه بدقيقة واحدة من جلستنا تلك .. ولئن كان رواد تلك الخيمة معذورين .. لأنهم لم يعرفوا المشير سوار الذهب فما عذرنا نحن ..؟
كنا عائدين .. مجموعة من الصحفيين .. من مدينة الفاشر بعد حضور حفل انتهاء أجل انتقالية الدوحة .. وعلى متن الطائرة الرئاسية دعتنا إدارة المراسم لقضاء بضع دقائق مع فخامة الرئيس البشير .. وحين دلفنا إلى الكابينة الخاصة بالسيد الرئيس .. كان ثلة من المسؤولين هناك .. ولكن على يمين الرئيس مباشرة كان يجلس المشير سوار الذهب .. الرئيس السابق لجمهورية السودان .. بذات هدوئه وأدبه الجم .. وتواضعه المفرط في التواضع .. استقبلنا الرجل بحماس .. بل حرص .. دون آخرين .. أن يظل واقفا حتى جلسنا نحن .. رغم أنه ضيف وليس مضيفا .. الذي لفت نظري الآن .. وبعد أن اطلعت على رواية شيخ الخيمة .. أنني وزملائي من الصحفيين قد غرقنا في لجة الحاضر .. فرحنا نناقش الرئيس الحالي .. في أجل الانتقالية ومصير مسؤوليها .. وفي سير المفاوضات ومصير الحركات .. ومسار الحوار الوطني .. ومآل الوضع السياسي بعد رفع التوصيات .. حتى احتمالات الانتخابات المبكرة .. ثم دلفنا إلى الاقتصاد .. وأسعار الدولار .. وجدلية الأزمة والحلول .. ولم يفتح الله على أي منا بكلمة واحدة في حق الرئيس السابق .. بل لم ننتبه إلى معاني ودلالات أن ثمة رئيسا سابقا في كابينة الرئيس الحالي .. حقا .. ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) .. فمتى تحصي الحكومة النعم التي بيدها .. وتحسن توظيفها ..!

Exit mobile version