اليوم ينتهي أجل السلطة الإقليمية في إقليم دارفور وتبقى وثيقة الدوحة لأجل لم يحدد بعد، لأن هناك من يقف في الانتظار للدخول في تعهد جديد بينه والحكومة المركزية من حاملي السلاح في الإقليم الذي كان مضطرباً وبات اليوم أكثر عافية، ولكنه لم يبلغ مرحلة الاستقرار النهائي بعد.
تنقضي سنوات السلطة الإقليمية وينفض سامر وزراء السلطة ومجلسها الشريعي ولجانها وتبقى المفوضيات التي لا تزال أمامها الكثير من الأعمال لإنفاذها في السنوات القادمة، لأن قضايا مثل الإعمار والتنمية والرحل وعودة النازحين واللاجئين من القضايا التي يصعب بلوغ نهايات لها حتى لو امتد عمر السلطة الإقليمية لعشر سنوات قادمات، وتظل حاجة الإنسان للتعمير والنازحين للعودة واللاجئين للاستقرار بالوطن في ظل الأوضاع غير المستقرة.
وقد تعصف أحداث صراع قبلي ينشب بسبب (ناقة أو عنزة) ويؤدي لمقتل مئات الأشخاص ونزوح الآلاف من المواطنين، واليوم يقف د.”التيجاني سيسي” أمام الرأي العام ليقول كلمته للتاريخ ماذا حققت اتفاقية الدوحة لإنسان دارفور.. ولماذا أخفقت في تنفيذ بعض البنود الواردة في نصوص الاتفاقات.. كيف كانت الأوضاع الأمنية قبل ست سنوات من الآن، وإلى ماذا صارت اليوم؟؟.. وماذا قدم شركاء الاتفاقية من الأصدقاء في قطر والمانحين العرب والأجانب من مال.. من أجل نجاح الاتفاقية؟؟.. وماذا ينتظر إنسان دارفور من الداعمين أنفسهم لاستكمال مشروعات البنى التحتية.. وقد حققت الاتفاقية رغم كل العثرات والضغوط الدولية والتربص الداخلي بها والمؤامرات الخارجية.. نجاحاً كبيراً.. أولى تلك النجاحات أن الاتفاقية منذ التوقيع عليها وحتى اليوم ظلت الأطراف الرئيسية متمسكة بها.. لم ينفض د.”التيجاني سيسي” ولا “بحر أبو قردة” أيديهما عن ما وقعوه في الدوحة بزعم أن الحكومة نقضت بعض البنود أو فشلت في الوفاء بما تعهدت به.
وفي ذات السياق يبدو للمراقب أن الحكومة التي دائماً يصفها الذين يوقعون معها عهوداً ومواثيق بأنها لا تملك إرادة لإنفاذ ما وقعته، قد تعلمت من دروس اتفاقية نيفاشا وعظات وعبر اتفاقية أبوجا.. وتجربة اتفاقية القاهرة والشرق.. ولذلك حرصت الحكومة على تنفيذ اتفاقية الدوحة والصبر على الخلاف السياسي بينها وشركائها في حركة التحرير والعدالة.. والتمسك بالاتفاقية حتى في مناخ المشاحنات والتعبئة الانتخابية التي مرت بالبلاد.. وتصدعت العلاقة بين قيادات حركة التحرير والعدالة أكثر من تصدع العلاقة بينهم والحكومة.. وفشل د.”التيجاني سيسي” و”بحر إدريس أبو قردة” في احتمال بعضهما البعض.. وكلاهما كانا حريصين على علاقة حسنة مع المؤتمر الوطني.. ولكنهم جميعاً تمسكوا بنصوص الاتفاقية.
صحيح إنه في وقت مبكر من عمر الاتفاقية آثر “أحمد عبد الشافع” القفز من سفينة الاتفاقية وعاد للتمرد مثلما عاد الذين سبقوه في التحالف مع الحكومة ثم النكوص عن ما اتفقوا عليه.. ولكن حصاد التجربة السياسي اليوم يقول إن النجاح الذي تحقق على الأرض في دارفور لاتفاق الدوحة أثر مباشر فيه.. وإن التنمية التي في ولايات الإقليم مهما اختلف الناس حولها إلا أنها قد حققت قدراً كبيراً من الرضا.. ولكن الأكثر تقدماً في تنفيذ بنود اتفاقية الدوحة هو (بنود) المشاركة في السلطة حيث تجاوز نصيب دارفور الـ(23%) وهي نسبة أكبر مما تستحقه بحساب نسبة سكان الإقليم، ولكنها بالطبع ليست كثيرة على دارفور التي لو أخذت (50%) من السلطة واستقرت أمنياً لما رفع بقية السودان صوتاً احتجاجياً على ما أخذته دارفور من سلطة تستحقها.
اليوم يقول التاريخ كلمته ويكتب شهادته في حضور قادة الدول الثلاث: قطر وتشاد وأفريقيا الوسطى.. ومن الفاشر يكون الحديث.. والشهادة بعد انقضاء أجل هياكل السلطة وبقاء وثيقة الحل النهائي صالحة للتطبيق والإضافة لاستيعاب تطلعات بقية الحركات التي لا تزال تحمل السلاح.
المجهر
يوسف عبد المنان