على مدى العامين المقبلين ستقوم أحدث مركبة فضائية روبوتية تابعة لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) بمطاردة كويكب بالقرب من الأرض على أمل الحصول على عينات من بعض المواد الأكثر بدائية للنظام الشمسي.
مهمة السفينة الفضائية “أوزيريس ركس” بسيطة: السفر إلى كويكب وأخذ عينة من الصخور وإحضارها إلى الأرض، حيث سيقوم العلماء بدراسة بعض العناصر الأصلية التي ساهمت في صنع النظام الشمسي، بما في ذلك اللبنات الأساسية للحياة على الأرض، وفق ما ذكره تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وقال جيمس غرين، مدير قسم علم الكواكب التابع لناسا: “كيف كانت المادة العضوية الأولى؟ هذا هو المثير حقاً في هذا الموضوع. هذا هو ما نريد”.
لكن التفاصيل أكثر تعقيداً.
المركبة الفضائية تقبع الآن على سطح صاروخ “أطلس 5” في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا، وجاهز للإطلاق غداً الخميس في مهمة تستغرق 7 سنوات.
فور ابتعادها عن الأرض، ستعمل المركبة أوزيريس ركس – التي تقوم بدور مستكشف الأصول، وتحديد الموارد، والأمن، وكذلك مستكشف الحطام الصخري – على الاقتراب من الكويكب بينو.
500 متر
قال د. غرين “إن حجمه يقدر بنحو 500 متر أو نحو ذلك، يقرب من ارتفاع مبنى إمباير ستيت”.
اكتشف بينو في عام 1999، وهو كويكب شبه أسود غني بالكربون. وتشير بيانات تلسكوب سبيتزر الفضائي التابع لناسا وقياسات الرادار من قبل التلسكوبات اللاسلكية الأرضية أنه “كومة من الأنقاض” مغطاة بحصى يبلغ عرضه حوالي نصف بوصة.(على الرادار).
ويعتقد العلماء أنه خليط من البقايا التي لم تتغير كثيراً على مدى 4.5 مليار سنة الماضية.
وقال دانتي لوريتا، أستاذ علم الكواكب والكيمياء الفلكية بجامعة ولاية أريزونا الباحث الرئيسي للبعثة: “إنها كبسولة زمنية من المراحل الأولى من تكوين النظام الشمسي”.
سيقوم أوزوريس ركس بدراسة بينو لأكثر من عام لتحديد الموقع الذي ستؤخذ منه عينة الصخور.
في يوليو/تموز 2020، ستنزل المركبة الفضائية، بحجم سيارة خدمات رياضية تقريباً، ببطء وترتد عن السطح مثل عصا بوجو بسرعة ربع ميل في الساعة. ثم ستقوم ركس بأخذ العينات، والتي تبدو مثل فلتر هواء السيارات، بإطلاق وابل من النيتروجين لتحريك التراب والصخور الصغيرة خلال 3-5 ثواني أثناء اتصالها مع السطح.
الهدف هو جمع ما بين أوقيتين و4.4 رطل من المواد. المركبة الفضائية تحمل ما يكفي من النيتروجين في محاولة لاستخراج المواد 3 مرات إذا لزم الأمر.
بعد مغادرة بينو في 2021، ستمر أوزيريس ركس بالقرب من الأرض في سبتمبر/أيلول 2023، وستقوم بإنزال كبسولة العينات التي ستهبط بالمظلة في صحراء ولاية يوتا الأميركية.
بعثة يابانية
ستجمع البعثة اليابانية هايابوسا 2 كذلك عينات من كويكب آخر غني بالكربون، ولكن علماء أوزيريس ركس يرون أن البعثتين تكمل إحداهما الأخرى.
وقال د. لوريتا إنه مهتم بشكل خاص بالتقاط معلومات حول الجزيئات العضوية، مثل الأحماض الأمينية، لبنات بناء البروتينات، التي تطفو في الفضاء الخارجي. السؤال هو ما إذا كان بينو يحتوي على تركيزات أعلى من الأحماض الأمينية العشرين التي تستخدمها أشكال الحياة على الأرض مقارنة مع عشرات آخرين لا توجد في الكائنات الحية.
الأحماض الأمينية التي تدخل في تركيب أنسجة الكائنات الحية على الأرض هي من النوع “اليساري” وليس النوع “اليميني”.
قد تساعد دراسة تركيب بينو في تفسير ما إذا كانت التفاعلات الكيميائية غير البيولوجية في الفضاء دفعت الحياة نحو جزيئات من النوع اليساري أو ما إذا كان هذا التحول قد حدث في وقت لاحق بعد أن نشأت الحياة.
ويأمل العلماء أيضاً بأن المعادن المشبعة بالرطوبة في العينة يمكنها أن توضح ما إذا كان الماء الموجود في محيطات الأرض قد جاء من كويكبات مثل بينو.
يدور بينو حول نفسه في 4.3 ساعة، كما تشير إلى أن جسم بينو ليس صخرة صلبة ولكن يتكون من شرائح.
يمكن أن تكون دراسة هذا الكويكب مفيدة أيضاً إذا ما دخل في مسار تصادمي مع الأرض. يكون مسار بينو قريباً من الأرض، إلى حد ما، مرة كل 6 سنوات.
في عام 2035، سيكون قريباً بشكل خاص، ويمر داخل مدار القمر، وستكون الجاذبية الأرضية كبيرة إلى الحد الذي يجعل الفلكيين غير متأكدين على وجه التحديد مما سيحدث للكويكب بعد ذلك.
هل سيصطدم بالأرض؟
من المحتمل بنسبة ضئيلة – واحد إلى 2700 – أن بينو سوف يصطدم بالأرض في وقت ما بين عامي 2175 و2196.
بينو ليس كبيراً بما فيه الكفاية ليسبب دماراً شاملاً – فالكويكب الذي يعتقد أنه قتل الديناصورات قبل 66 مليون سنة كان عرضه نحو 6 أميال – لكن التصادم سيكون مدمراً. يقدر د. لوريتا أن التصادم سيحدث بسرعة تزيد على 27 ألف ميل في الساعة، ويحرر طاقة تعادل 1450 مليون طن من مادة تي إن تي وينحت حفرة عرضها يقرب من 3 أميال وعمقها 1500 قدم.
من أسباب عدم اليقين في التنبؤ بمسار بينو هو أن الجاذبية ليست هي القوة الوحيدة التي تؤثر عليه.
فمع دوران الكويكب، يمتص سطحه الداكن أشعة الشمس ومن ثم يشع حرارة. الحرارة المنبعثة تدفع الكويكب مثل صواريخ الدفع، ولها تأثير صغير لكنه يتزايد مع مرور الوقت.
مع المزيد من المعلومات التفصيلية عن سطح، سيتمكن العلماء من اختبار نماذج لهذا التأثير مع المدارات الفعلية للبينو.
إله فرعوني
بالنسبة لدكتور لوريتا، يعتبر أوزيريس-ركس تتويجاً لـ12 عاماً من العمل. في عام 2004، ناقش مسؤولون في شركة لوكهيد مارتن فكرة مهمة ذهاب وعودة إلى الكويكب، مع مايكل دريك، رئيس معهد القمر والكواكب في ولاية أريزونا. ودعا الدكتور دريك الدكتور لوريتا للمشاركة.
وقد أطلق عليه د. لوريتا هذا الاسم. يقول: “هذا الاسم هو خطئي أنا”.
قام بكتابة بعض أهداف العلمية – الأصول، التحليل الطيفي، والموارد والأمن – فوجد بها أكثر حروف كلمة “أوزوريس”، أحد آلهة الفراعنة، كانوا يعتبرونه سيد العالم السفلي وأيضا أصل تجدد الحياة.
يقول لوريتا: “اضطررت لإضافة بعض الحروف المتحركة”.
وفي الوقت نفسه، كان على المهندسين في شركة لوكهيد مارتن معرفة كيفية الحصول على عينات من الكويكب. عقدت الشركة مسابقة.
اقترحت العديد من العروض الهبوط على الكويكب وتجريف بعض التربة، ولكن جاء مهندس يدعى جيمس هاريس بفكرة “عصا البوجو”، وقام باختبار نموذج أولي في ممر ترابي باستخدام كوب من البلاستيك وضاغط الهواء.
قال ريتشارد كونس، مدير برنامج أوزوريس ركس في شركة لوكهيد مارتن: “الآن، بدلاً من القلق حيال كيفية تثبيت المركبة الفضائية على سطح الكويكب، مع انعدام الجاذبية، ستلمس المركبة الكويكب برفق ثم ترتفع بعد أخذ العينة. وهذا أكثر أمناً بكثير للمركبة الفضائية في تلك البيئة”.
على سطح بينو، قوة الجاذبية تتراوح بين واحد من المئة ألف إلى واحد من المليون من جاذبية الأرض، وهذا يتوقف على الموقع. وهذا يعني أن المركبة الفضائية، التي تزن نحو 3000 رطل، ربما تزن أقل من أوقية أثناء وقوفها على بينو لجمع الصخور.
عندما أضاف الفريق الأدوات اللازمة لإجراء قياسات تفصيلية لبينو قبل أخذ العينة، أضاف الدكتور لوريتا “ريكس” (مستكشف الحطام الصخري) إلى الاسم.
اختارت ناسا أوزيريس ركس في مايو/أيار 2011، قبل وفاة الدكتور دريك بأربعة أشهر، بعد إصابته بسرطان الكبد وإجراءه عملية لزراعة الكبد، وترقية د. لوريتا لمنصب د. دريك.
الآن، يتطلع د. لوريتا إلى 3 محطات من رحلة أوزوريس-ريكس. الأولى التقاط أول صورة واضحة لبينو. والثانية عند حصول أوزيريس-ركس على عينة من بينو، والثالثة هو عند وصول العينة إلى الأرض، بعد 7 سنوات من الآن.
هافغنتون بوست